للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٧٥٣ - وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الْأَرْضِ أَوَّلُ؟ قَالَ: (الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ) ، قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ أَيْ؟ قَالَ: (ثُمَّ الْمَسْجِدُ الْأَقْصَى) ، قُلْتُ: كَمْ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: (أَرْبَعُونَ عَامًا) ؟ . ثُمَّ الْأَرْضُ لَكَ مَسْجِدٌ، فَحَيْثُمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلَاةُ فَصَلِّ» ) . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

٧٥٣ -

- (وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ! أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الْأَرْضِ) أَيْ: جُعِلَ مُتَعَبَّدًا لَا أَنَّهُ مَبْنِيٌّ بِجُدْرَانٍ (أَوَّلُ؟) : بِضَمِّ اللَّامِ قَالَ أَبُو الْبَقَاءِ: وَهِيَ ضَمَّةُ بِنَاءٍ لِقِطْعِهِ عَنِ الْإِضَافَةِ مِثْلُ قَبْلُ وَبَعْدُ، وَالتَّقْدِيرُ أَوَّلُ كُلِّ شَيْءٍ، وَيَحُوزُ الْفَتْحُ مَصْرُوفًا وَغَيْرَ مَصْرُوفٍ نَقَلَهُ الْأَبْهَرِيُّ، وَقَوْلُهُ: مَصْرُوفًا أَيْ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ ; لِأَنَّ الرَّسْمَ مَا يُسَاعِدُهُ هُنَا، وَقَوْلُهُ: غَيْرَ مَصْرُوفٍ أَيْ بِالنَّصْبِ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ، وَعَدَمِ انْصِرَافِهِ لِوَزْنِ الْفِعْلِ وَالْوَصْفِيَّةِ نَحْوِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ} [الأنفال: ٤٢] ، [قَالَ: (الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ) : فَإِنَّهُ حَدَّدَهُ إِبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، قُلْتُ: ثُمَّ أَيْ؟ ، قَالَ: ثُمَّ أَيْ؟ ، قَالَ: الْمَسْجِدُ الْأَقْصَى قَالَ الطِّيبِيُّ: إِنَّ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ رَفَعَا قَاعِدَةَ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى بَعْدَمَا انْهَدَمَ، وَزَادَا فِيهِ [قُلْتُ: كَمْ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: (أَرْبَعُونَ عَامًا) : قَالَ الْأَبْهَرِيُّ: فِيهِ إِشْكَالٌ ; لِأَنَّ إِبْرَاهِيمَ بَنَى الْكَعْبَةَ، وَسُلَيْمَانَ بَنَى بَيْتَ الْمَقْدِسِ يَعْنِي، وَهُوَ بَعْدَ إِبْرَاهِيمَ بِأَكْثَرَ مِنْ أَلْفِ عَامٍ عَلَى مَا قَالَهُ أَهْلُ التَّوَارِيخِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ سُلَيْمَانَ هُوَ الَّذِي بَنَى الْمَسْجِدَ الْأَقْصَى، مَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ سَأَلَ اللَّهَ تَعَالَى خِلَالَ ثَلَاثَاهُ، وَالْأَوْجَهُ فِي الْجَوَابِ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ أَنَّ الْإِشَارَةَ فِي الْحَدِيثِ إِلَى أَوَّلِ الْبِنَاءِ، وَوَضْعِ أَسَاسِ الْمَسْجِدِ، وَلَيْسَ إِبْرَاهِيمُ أَوَّلَ مَنْ بَنَى الْكَعْبَةَ، وَلَا سُلَيْمَانُ أَوَّلَ مَنْ بَنَى بَيْتَ الْمَقْدِسِ، فَقَدْ رَوَيْنَا أَنَّ أَوَّلَ مَنْ بَنَى الْكَعْبَةَ آدَمُ، ثُمَّ انْتَشَرَ وَلَدُهُ فِي الْأَرْضِ، فَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ بَعْضُهُمْ قَدْ وَضَعَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، ثُمَّ بَنَى إِبْرَاهِيمُ الْكَعْبَةَ، قَالَ الشَّيْخُ: قَدْ وَجَدْتُ مَا يَشْهَدُ لَهُ فَذِكْرَ ابْنُ هِشَامٍ فِي كِتَابِ التِّيجَانِ أَنَّ آدَمَ لَمَّا بَنَى الْكَعْبَةَ أَمْرَهُ اللَّهُ بِالْمَسِيرِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ) ، وَأَنْ يَبْنِيَهُ فَبَنَاهُ وَنَسَكَ فِيهِ، وَبِنَاءُ آدَمَ لِلْبَيْتِ مَشْهُورٌ اهـ.

قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَرَدَ عَلَى هَذَا الْمُسْتَشْكِلِ بِأَنَّهُ جَهِلَ التَّارِيخَ، فَإِنَّ سُلَيْمَانَ مُجَدِّدٌ لَا مُؤَسِّسٌ، وَالَّذِي، أَسَّسَهُ هُوَ يَعْقُوبُ بَعْدَ بِنَاءِ جَدِّهِ إِبْرَاهِيمَ الْكَعْبَةَ بِهَذَا الْمِقْدَارِ، وَاغْتَرَّ أَبُو حَاتِمِ بْنُ حِبَّانَ الْبُسْتِيُّ فِي صَحِيحِهِ بِفَهْمِ هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى ظَاهِرِهِ أَنَّ بَيْنَ إِبْرَاهِيمَ وَدَاوُدَ أَرْبَعِينَ سَنَةً، وَرَدَّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ بَيْنَهُمَا أَلْفَ سَنَةٍ وَلَيْسَ كَمَا فَهِمَ، وَقَالَ الْحَافِظُ الضِّيَاءُ الْمَقْدِسِيُّ: وَجْهُ الْحَدِيثِ أَنَّ هَذَيْنِ الْمَسْجِدَيْنِ بُنِيَا قَدِيمًا ثُمَّ خُرِّبَا ثُمَّ بُنِيَا، وَكُلٌّ اسْتُفِيدَ مِنَ الْحَدَثِ أَنَّ مَسْجِدَ مَكَّةَ أَوَّلُ مَسْجِدٍ وُضِعَ بِالْأَرْضِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ أَوَّلَ بِنَاءٍ وُضِعَ بِهَا، وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لِلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ} [آل عمران: ٩٦]

<<  <  ج: ص:  >  >>