وَضْعِهِمَا بَعِيدًا مُتَجَاوِزًا عَنْ يَسَارِهِ، وَكَذَلِكَ أَلْقَى الْأَصْحَابُ نِعَالَهُمْ تَأَسِّيًا بِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَهُ الطِّيبِيُّ، وَقَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: فِيهِ تَعْلِيمٌ لِلْأُمَّةِ بِوَضْعِ النِّعَالِ عَلَى الْيَسَارِ دُونَ الْيَمِينِ، قُلْتُ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ عَمِلٍ قَلِيلٍ، (فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ الْقَوْمُ، أَلْقَوْا نِعَالَهُمْ) : هَذَا يَدُلُّ عَلَى كَمَالِ مُتَابَعَتِهِمْ [فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَاتَهُ، قَالَ: ( «مَا حَمَلَكُمْ عَلَى إِلْقَائِكُمْ نِعَالَكُمْ» ؟) : بِالنَّصْبِ ( «قَالُوا: رَأَيْنَاكَ أَلْقَيْتَ نَعْلَيْكَ، فَأَلْقَيْنَا نِعَالَنَا» ) : قَالَ الْقَاضِي: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ مُتَابَعَتِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ; لِأَنَّهُ سَأَلَهُمْ عَنِ الْحَامِلِ فَأَجَابُوهُ بِالْمُتَابَعَةِ، وَقَرَّرَهُمْ عَلَى ذَلِكَ، وَذَكَرَ الْمُخَصَّصُ [فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إِنَّ جِبْرِيلَ أَتَانِي) ، أَيْ: لِشِدَّةِ اعْتِنَائِهِ تَعَالَى بِهِ وَبِعِبَادَتِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - (فَأَخْبَرَنِي أَنَّ فِيهِمَا قَذَرًا) : بِفَتْحَتَيْنِ، وَفِي رِوَايَةٍ: خُبْثًا، وَفِي أُخْرَى: قَذَرًا أَوْ أَذًى أَوْ دَمَ حَلَمَةٍ، وَهِيَ بِالتَّحْرِيكِ الْقُرَادُ الْكَبِيرُ، قَالَ الْقَاضِي: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُسْتَصْحِبَ لِلنَّجَاسَةِ إِذَا جَهِلَ صَحَّتْ صَلَاتُهُ، وَهُوَ قَوْلٌ قَدِيمٌ لِلشَّافِعِيِّ، فَإِنَّهُ خَلَعَ النَّعْلَ وَلَمْ يَسْتَأْنِفْ، قَالَ: وَمَنْ يَرَى فَسَادَ الصَّلَاةِ حَمَلَ الْقَذَرَ عَلَى مَا تَقَذَّرَ عُرْفًا كَالْمُخَاطِ، قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ فَإِخْبَارُهُ إِيَّاهُ بِذَلِكَ كَيْلَا تَتَلَوَّثَ ثِيَابُهُ بِشَيْءٍ مُسْتَقْذَرٍ عِنْدَ السُّجُودِ، قُلْتُ: وَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى الْمِقْدَارِ الْمَعْفُوِّ مِنَ النَّجَاسَةِ وَإِخْبَارُهُ إِيَّاهُ لِيُؤَدِّيَهُ عَلَى الْوَجْهِ الْأَكْمَلِ، وَلَعَلَّ وَجْهَ تَأْخِيرِ الْإِخْبَارِ إِعْلَامٌ بِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَا يَعْلَمُ مِنَ الْغَيْبِ إِلَّا بِمَا يُعَلَّمُ، أَوْ لِيُعَلِّمَ الْأُمَّةَ هَذَا الْحُكْمَ مِنَ السُّنَّةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ، ثُمَّ رَأَيْتُ ابْنَ حَجَرٍ قَالَ: وَأَجَابَ أَئِمَّتُنَا عَنْ خَبَرِ الْبَابِ بِأَنَّ الْقَذَرَ الْمُسْتَقْذَرُ وَلَوْ طَاهِرًا، وَبِأَنَّ الدَّمَ قَدْ يَكُونُ يَسِيرًا، وَبِأَنَّ رِوَايَةَ خُبْثًا مُفَسَّرَةٌ بِرِوَايَةِ الدَّمِ، (إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ، فَلْيَنْظُرْ) : أَيْ: فِي نَعْلِهِ (فَإِنْ رَأَى فِي نَعْلَيْهِ) : أَوْ أَحَدِهِمَا (قَذَرًا، فَلْيَمْسَحْهُ) : قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: صِيَانَةً لِلْمَسْجِدِ عَنِ الْأَشْيَاءِ الْقَذِرَةِ (وَلِيُصَلِّ فِيهِمَا) : قَالَ الْقَاضِي: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ تَنَجَّسَ نَعْلُهُ إِذَا ذَلِكَ عَلَى الْأَرْضِ طُهْرَ وَجَازَ الصَّلَاةُ فِيهِ، وَهُوَ أَيْضًا قَوْلٌ قَدِيمٌ لِلشَّافِعِيِّ، وَمَنْ يَرَى خِلَافَهُ أُوِّلَ بِمَا ذَكَرْنَا نَقَلَهُ الطِّيبِيُّ.
وَحَاصِلُ مَذْهَبِنَا أَنَّهُ إِذَا أَصَابَ الْخُفَّ أَوْ نَحْوَهُ مِنَ النَّعْلِ نَجَاسَةٌ إِنْ كَانَ لَهَا جِرْمٌ خَفِيفٌ وَمَسَحَهُ بِالتُّرَابِ أَوْ بِالرَّمْلِ، مَسَحَهُ عَلَى سَبِيلِ الْمُبَالَغَةِ يُطَهَّرُ، وَكَذَلِكَ بِالْحَكِّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا جِرْمٌ كَالْبَوْلِ وَالْخَمْرِ، فَلَا بُدَّ مِنَ الْغَسْلِ بِالِاتِّفَاقِ رَطْبًا كَانَ أَوْ يَابِسًا، (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) ، وَسَكَتَ عَلَيْهِ هُوَ وَالْمُنْذِرِيُّ، قَالَ مِيرَكُ (وَالدَّارِمِيُّ) : قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: سَنَدُهُ حَسَنٌ، وَلَا دَلِيلَ فِيهِ عَلَى أَنَّ النَّجَاسَةَ يَكْفِي مَسْحُهَا مِنْهُمَا أَوْ مِنْ غَيْرِهِمَا، لِأَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِي رِجَالِهِ، وَعَلَى تَسْلِيمِ صِحَّتِهِ فَهُوَ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ فِي طِينِ الشَّارِعِ وَهُوَ مَعْفُوٌّ عَنْهُ، وَمَسْحُهُ إِنَّمَا هُوَ لِإِذْهَابِ قُبْحِ صُورَتِهِ وَتَقْدِيرُ الْمَسْجِدِ لَا لِكَوْنِهِ يُطَهِّرُهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute