اسْتِثْنَاءٌ مُفَرَّغٌ أَيْ لَا يَكُونُ لَهُ حَالٌ مِنَ الْأَحْوَالِ إِلَّا حَالَ اسْتِحْقَاقِ دُخُولِ الْجَنَّةِ، فَفِيهِ بِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ عَاقِبَتَهُ دُخُولُ الْجَنَّةِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ ذُنُوبٌ جَمَّةٌ، لَكِنَّ أَمْرَهُ إِلَى اللَّهِ إِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ وَأَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ، وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ بِقَدْرِ ذَنْبِهِ، ثُمَّ أَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ (قُلْتُ: وَإِنْ زَنَى) قَالَ ابْنُ مَالِكٍ: حَرْفُ الِاسْتِفْهَامِ فِي قَوْلِهِ: وَإِنْ زَنَى مُقَدَّرٌ، وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِهِ أَيْ أَيُدْخِلُ الْجَنَّةَ، وَإِنْ زَنَى (وَإِنْ سَرَقَ؟) أَوِ التَّقْدِيرُ: أَوْ إِنْ زَنَى، وَإِنْ سَرَقَ دَخَلَ، وَتُسَمَّى هَذِهِ الْوَاوُ وَاوَ الْمُبَالَغَةِ، وَ " إِنْ " بَعْدَهَا تُسَمَّى وَصْلِيَّةً، وَجَزَاؤُهَا مَحْذُوفٌ لِدَلَالَةِ مَا قَبْلَهَا عَلَيْهِ (قَالَ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ؟) وَتَخْصِيصُهُمَا لِأَنَّ الذَّنْبَ إِمَّا حَقُّ اللَّهِ وَهُوَ الزِّنَا، أَوْ حَقُّ الْعِبَادِ وَهُوَ أَخْذُ مَالِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَفِي ذِكْرِهَا مَعْنَى الِاسْتِيعَابِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا} [مريم: ٦٢] أَيْ دَائِمًا ( «قُلْتُ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ؟ قَالَ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ» ) أَمَّا تَكْرِيرُ أَبِي ذَرٍّ فَلِاسْتِعْظَامِ شَأْنِ دُخُولِ الْجَنَّةِ مَعَ مُبَاشَرَةِ الْكَبَائِرِ، وَقِيلَ لِظَنِّهِ أَنَّهُ لَوْ كَرَّرَ لَأَجَابَهُ بِجَوَابٍ آخَرَ فَيَجِدُ فَائِدَةً أُخْرَى، وَأَمَّا تَكْرِيرُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنْكَارٌ لِاسْتِعْظَامِهِ، أَيْ: أَتَبْخَلُ بِرَحْمَةِ اللَّهِ؟ فَرَحْمَةُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ عَلَى خَلْقِهِ وَإِنْ كَرِهْتَ ذَلِكَ. (قُلْتُ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ؟) قَالَ: (وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ) فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ أَهْلَ الْكَبَائِرِ لَا يُسْلَبُ عَنْهُمُ اسْمُ الْإِيمَانِ، فَإِنَّ مَنْ لَيْسَ بِمُؤْمِنٍ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ وِفَاقًا، وَعَلَى أَنَّهَا لَا تُحْبِطُ الطَّاعَاتِ لِتَعْمِيمِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الْحُكْمَ وَعَدَمِ تَفْصِيلِهِ (عَلَى رَغْمِ أَنْفِ أَبِي ذَرٍّ) الرَّغْمُ بِالْفَتْحِ أَشْهَرُ مِنَ الضَّمِّ، وَحُكِيَ الْكَسْرُ أَيِ الْكُرْهُ، فَفَرِحَ بِذَلِكَ أَبُو ذَرٍّ (وَكَانَ أَبُو ذَرٍّ إِذَا حَدَّثَ) أَيْ هَذَا كَمَا فِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ (قَالَ) تُفَاخُرًا: (وَإِنْ رَغِمَ) بِكَسْرِ الْغَيْنِ، وَقِيلَ بِالضَّمِّ وَالْفَتْحِ (أَنْفُ أَبِي ذَرٍّ) أَيْ لُصِقَ بِالرَّغَامِ - بِالْفَتْحِ - وَهُوَ التُّرَابُ، وَيُسْتَعْمَلُ مَجَازًا بِمَعْنَى كَرِهَ، أَوْ دَلَّ إِطْلَاقًا لِاسْمِ السَّبَبِ عَلَى الْمُسَبَّبِ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute