قَالَ الْكِرْمَانِيُّ: تَخْصِيصُ الْأَرْبَعِينَ بِالذِّكْرِ لِكَوْنِ كَمَالِ طَوْرِ الْإِنْسَانِ بِأَرْبَعِينَ كَالنُّطْفَةِ وَالْمُضْغَةِ وَالْعَلَقَةِ، وَكَذَا بُلُوغُ الْأَشَدِّ، وَيَحْتَمِلُ غَيْرَ ذَلِكَ، قَالَ الشَّيْخُ ابْنُ حَجَرٍ: وَمَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ حِبَّانَ مِنْ حَدِيثٍ أَبِي هُرَيْرَةَ، لَكَانَ أَنْ يَقِفَ مِائَةَ عَامٍ خَيْرًا لَهُ مِنَ الْخُطْوَةِ الَّتِي خَطَاهَا، مُشْعِرٌ بِأَنَّ إِطْلَاقَ الْأَرْبَعِينَ لِلْمُبَالَغَةِ فِي تَعْظِيمِ الْأَمْرِ، لَا لِخُصُوصِ عَدَدٍ مُعَيَّنٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ نَقَلَهُ مِيرَك شَاهْ، (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .
قَالَ مِيرَكُ: وَرَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ، وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ وَلَفَظُهُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: " «لَوْ يَعْلَمُ الْمَارُّ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي مَاذَا عَلَيْهِ لَكَانَ ; لَأَنَّ يَقُومَ أَرْبَعِينَ خَرِيفًا خَيْرًا لِي مِنْ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ» " رِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ قَالَ: " «لَأَنْ يَقِفَ أَحَدُكُمْ مِائَةَ عَامٍ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْ أَخِيهِ وَهُوَ يُصَلِّي» ": كَذَا ذِكْرَهُ الْمُنْذِرِيُّ، قَالَ الطَّحَّاوِيُّ فِي مُشَكَّلِ الْآثَارِ: إِنَّ الْمُرَادَ: أَرْبَعِينَ سَنَةً، وَاسْتَدَلَّ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: " «لَوْ يَعْلَمُ الَّذِي يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْ أَخِيهِ مُعْتَرِضًا وَهُوَ يُنَاجِي رَبَّهُ وَحِينَئِذٍ لَكَانَ أَنْ يَقِفَ مَكَانَهُ مِائَةَ عَامٍ خَيْرًا مِنَ الْخُطْوَةِ الَّتِي خَطَاهَا» "، ثُمَّ قَالَ: هَذَا الْحَدِيثُ مُتَأَخِّرٌ عَنْ حَدِيثِ أَبِي جُهَيْمٍ ; لِأَنَّ فِيهِ زِيَادَةَ الْوَعِيدِ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا بَعْدَمَا أَوْعَدَهُمْ بِالتَّخْفِيفِ كَذَا نَقَلَهُ ابْنُ الْمَلَكِ.
وَفِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: إِنَّمَا يُكْرَهُ الْمُرُورُ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي إِذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ حَائِلٌ نَحْوَ السُّتْرَةِ فَإِنَّهُ لَا يُكْرَهُ الْمُرُورُ مِنْ وَرَاءِ الْحَائِلِ، وَأَيْضًا إِنَّمَا يَكْرَهُ الْمُرُورُ عِنْدَ عَدَمِ الْحَائِلِ إِذَا مَرَّ فِي مَوْضِعِ سُجُودِهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَهُوَ مُخْتَارُ السَّرَخْسِيِّ، وَفِي النِّهَايَةِ، الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَوْ صَلَّى صَلَاةَ الْخَاشِعِينَ بِأَنْ يَكُونَ بَصَرُهُ حَالَ قِيَامِهِ إِلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ لَا يَقَعُ بَصَرُهُ عَلَى الْمَارِّ لَا يُكْرَهُ وَهُوَ مُخْتَارُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ، وَقِيلَ: هَذَا فِي الصَّحْرَاءِ، أَمَّا فِي الْمَسْجِدِ الصَّغِيرِ فَيُكْرَهُ مُطْلَقًا، وَأَمَّا الْكَبِيرِ فَقِيلَ: هُوَ كَالصَّغِيرِ، وَقِيلَ كَالصَّحْرَاءِ، وَرَجَّحَ ابْنُ الْهُمَامِ مَا ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ بَيْنَ الْمَسْجِدِ وَغَيْرِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute