٧٩٠ - (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلًا) : قَالَ مِيرَكُ: هَذَا الرَّجُلُ هُوَ خَلَّادُ بْنُ رَافِعٍ، كَمَا بَيَّنَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَقَالَ الْأَبْهَرِيُّ: هُوَ عَلِيُّ بْنُ يَحْيَى رَاوِي الْخَبَرِ قَالَهُ الشَّيْخُ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ الْعَسْقَلَانِيُّ: هُوَ خَلَّادُ بْنُ رَافِعٍ الْأَنْصَارِيُّ، وَجَاءَ أَنَّهُ اسْتُشْهِدَ بِبَدْرٍ، فَعَلَيْهِ تَكُونُ الْقِصَّةُ قَبْلَهَا، وَلَا تُشْكِلُ عَلَيْهِ رِوَايَةُ أَبِي هُرَيْرَةَ لِلْقَضِيَّةِ مَعَ أَنَّهُ إِنَّمَا أَسْلَمَ سَنَةَ سَبْعٍ، وَوَقْعَةُ بَدْرٍ كَانَتْ فِي الثَّانِيَةِ ; لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ أَبَا هُرَيْرَةَ رَوَاهَا عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ شَاهَدُوهَا، وَمَا قِيلَ إِنِ الْمُسِيءَ صَلَاتَهُ رِفَاعَةُ أَخُو خَالِدٍ فَهُوَ اشْتِبَاهٌ، وَإِنَّمَا هُوَ بَدْرِيٌّ أَيْضًا فَمَرْدُودٌ، بِأَنَّهُ هُوَ رَاوِيهَا عَنْ أَخِيهِ خَالِدٍ لَا عَنْ نَفْسِهِ، كَمَا سَيَأْتِي فِي الْفَصْلِ الثَّانِي، (دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَالِسٌ فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ) : وَفِي الْمَصَابِيحِ: جَالَسٌ فِي الْمَسْجِدِ، أَيْ: فِي جَانِبٍ مِنْهُ، قَالَهُ ابْنُ الْمَلَكِ، (فَصَلَّى) : وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ: فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ (ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ) : مُقَدِّمًا حَقَّ اللَّهِ عَلَى حَقِّ رَسُولِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، كَمَا هُوَ أَدَبُ الزِّيَارَةِ، لِأَمْرِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِذَلِكَ لِمَنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ قَبْلَ صَلَاةِ التَّحِيَّةِ فَقَالَ لَهُ: (" ارْجِعْ فَصَلِّ ثُمَّ ائْتِ فَسَلِّمْ عَلَيَّ " (فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " وَعْلَيْكَ السَّلَامُ ") : قِيلَ: عَلَيْكَ بِلَا وَاوٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَا قَالَهُ بِعَيْنِهِ مَرْدُودٌ إِلَيْهِ خَاصَّةً، أَيْ: وَيَحْتَمِلُ غَيْرَهُ، وَإِذَا أَثْبَتَ الْوَاوَ وَمَعَ الِاشْتِرَاكِ مَعَهُ وَالدُّخُولِ فِيمَا قَالَهُ ; لِأَنَّ الْوَاوَ لِجَمْعِ الشَّيْئَيْنِ، (" ارْجِعْ فَصَلِّ، فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ ") ، أَيْ: صَلَاةً كَامِلَةً أَوْ صَحِيحَةً (فَرَجَعَ فَصَلَّى، ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ) ، أَيْ: عَلَيْهِ كَمَا فِي نُسْخَةٍ، وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ تَكْرَارِهِ السَّلَامَ بِالْفَصْلِ، أَوْ لِأَنَّ السَّلَامَ الْمُعْتَبَرَ هُوَ الَّذِي يَكُونُ بَعْدَ الصَّلَاةِ الْكَامِلَةِ أَوِ الصَّحِيحَةِ (قَالَ " وَعَلَيْكَ السَّلَامُ ارْجِعْ فَصَلِّ، فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ) : قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ النَّفْيُ فِي قَوْلِهِ: لَمْ تُصَلِّ نَفْيٌ لِكَمَالِ الصَّلَاةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَنَفْيٌ لِجَوَازِهَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ.
قُلْتُ: وَكَذَلِكَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، لَكِنَّ تَقْرِيرَهُ عَلَى صَلَاتِهِ كَرَّاتٍ يُؤَيِّدُ كَوْنَهُ نَفْيَ الْكَمَالِ لَا الصِّحَّةِ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ أَيْضًا الْأَمْرُ بِعِبَادَةٍ فَاسِدَةٍ مَرَّاتٍ (فَقَالَ فِي الثَّالِثَةِ: - أَوْ فِي الَّتِي بَعْدَهَا -) : أَيْ فِي الْمَرَّةِ الرَّابِعَةِ (عَلِّمْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ) : قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ فِي شَرْحِ الْمَشَارِقِ، فَإِنْ قِيلَ: لِمَ سَكَتَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ تَعْلِيمِهِ أَوَّلًا حَتَّى افْتَقَرَ إِلَى الْمُرَاجَعَةِ كَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى؟ قُلْنَا: لِأَنَّ الرَّجُلَ لَمَّا لَمْ يَسْتَكْشِفِ الْحَالَ مُغْتَرًّا بِمَا عِنْدَهُ سَكَتَ عَنْ تَعْلِيمِهِ زَجْرًا لَهُ، وَإِرْشَادًا إِلَى أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَسْتَكْشِفَ مَا اسْتُبْهِمَ عَلَيْهِ، فَلَمَّا طَلَبَ كَشْفَ الْحَالِ بَيَّنَهُ بِحُسْنِ الْمَقَالِ اهـ.
وَاسْتَشْكَلَ تَقْرِيرُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى صَلَاتِهِ، وَهِيَ فَاسِدَةٌ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ النَّفْيَ لِلصِّحَّةِ، وَأُجِيبَ: بِأَنَّهُ أَرَادَ اسْتِدْرَاجَهُ بِفِعْلِ مَا جَعَلَهُ مَرَّاتٍ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ فَعَلَهُ نَاسِيًا أَوْ غَافِلًا، فَيَتَذَكَّرُ فَيَفْعَلُ مِنْ غَيْرِ تَعْلِيمٍ، فَلَيْسَ مِنْ بَابِ التَّقْرِيرِ عَلَى الْخَطَأِ، بَلْ مِنْ بَابِ تَحَقُّقِ الْخَطَأِ، أَوْ بِأَنَّهُ لَمْ يُعَلِّمْهُ أَوَّلًا لِيَكُونَ أَبْلَغَ فِي تَعْرِيفِهِ وَتَعْرِيفِ غَيْرِهِ وَلِتَفْخِيمِ الْأَمْرِ وَتَعْظِيمِهِ عَلَيْهِ، وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: لَا شَكَّ فِي زِيَادَةِ قَبُولِ الْمُتَعَلِّمِ لِمَا يُلْقَى إِلَيْهِ بَعْدَ تَكْرَارِ فِعْلِهِ، وَاسْتِجْمَاعِ نَفْسِهِ، وَتَوَجُّهُ سُؤَالِهِ مَصْلَحَةٌ مَانِعَةٌ مِنْ وُجُوبِ الْمُبَادَرَةِ إِلَى التَّعْلِيمِ، لَاسِيَّمَا مَعَ عَدَمِ خَوْفٍ، (فَقَالَ: " إِذَا قُمْتَ ") ، أَيْ: أَرَدْتَ الْقِيَامَ (" إِلَى الصَّلَاةِ فَأَسْبِغِ الْوُضُوءَ ") : بِضَمِّ الْوَاوِ وَبِفَتْحٍ، قَالَ الطِّيبِيُّ، أَيْ: أَتْمِمْهُ يَعْنِي تَوَضَّأْ وُضُوءًا تَامًّا، وَقَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: مُشْتَمِلًا عَلَى فَرَائِضِهِ وَسُنَنِهِ (" ثُمَّ اسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ ") : فَإِنَّهُ مِنْ شُرُوطِ الصَّلَاةِ، وَفِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ الْجِهَةَ كَافِيَةٌ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ: " «مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ قِبْلَةٌ» " وَمَا أَبْعَدَ قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ، أَيْ: عَيَّنَ الْكَعْبَةَ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - رَكَعَ رَكْعَتَيْنِ فِي وَجْهِهَا وَقَالَ: هَذِهِ الْقِبْلَةُ اهـ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute