للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

رُوِيَ أَنَّ عَظِيمًا مِنَ النَّصَارَى سَمِعَ قَارِئًا يَقْرَأُ: (وَرُوحٌ مِنْهُ) قَالَ: أَفَغَيْرُ هَذَا دِينُ النَّصَارَى؟ يَعْنِي أَنَّ هَذَا دِينُ النَّصَارَى، يَعْنِي أَنَّ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عِيسَى بَعْضٌ مِنْهُ. فَأَجَابَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ} [الجاثية: ١٣] فَلَوْ أُرِيدَ بِقَوْلِهِ: (وَرُوحٌ مِنْهُ) أَنَّهُ بَعْضُهُ أَوْ جُزْءٌ مِنْهُ لَكَانَ مَعْنَى " جَمِيعًا مِنْهُ " أَنَّ الْجَمِيعَ بَعْضٌ مِنْهُ أَوْ جُزْءٌ مِنْهُ، فَأَسْلَمَ النَّصْرَانِيُّ، وَمَعْنَى الْآيَةِ أَنَّ تَسْخِيرَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ كَائِنٌ مِنْهُ وَحَاصِلٌ مِنْ عِنْدِهِ، يَعْنِي أَنَّهُ مُكَوِّنُهَا وَمُوجِدُهَا. (وَالْجَنَّةُ) : مَنْصُوبٌ، وَيُرْفَعُ (وَالنَّارُ حَقٌّ) : مُبَالَغَةٌ كَزَيْدٍ عَدْلٍ، أَوْ صِفَةٌ مُشَبَّهَةٌ أَيْ ثَابِتٌ، وَأُفْرِدَ لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ، أَوْ لِإِرَادَةِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا. وَفِي كَلَامِ أَهْلِ التَّحْقِيقِ أَنَّ الْجَنَّةَ جَنَّةُ الْوُصُولِ إِلَى مَعْرِفَةِ ذَاتِ اللَّهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ، وَالْمَلَائِكَةِ الْكَرُوبِيَّةِ، وَالرُّوحَانِيَّةِ، وَطَبَقَاتِ الْأَرْوَاحِ، وَعَالَمِ السَّمَاوَاتِ، بِحَيْثُ يَصِيرُ رُوحُ السَّالِكِ كَالْمِرْآةِ الْمُحَاذِيَةِ لِعَالِمِ الْقُدْسِ، وَأَشْجَارُهَا الْمَلَكَاتِ الْحَمِيدَةَ وَالْأَخْلَاقَ السَّعِيدَةَ، وَنَحْوَهَا مِنَ الْمَكَاسِبِ. وَأَثْمَارُهَا الْمُكَاشَفَاتُ وَالْمُشَاهَدَاتُ وَالْإِشَارَاتُ، وَغَيْرُهَا مِنَ الْمَوَاهِبِ، وَمَنْ رَضِيَ بِالْجَنَّةِ الْحِسِّيَّةِ فَهُوَ أَبْلَهٌ، وَمَنْ أَعْرَضَ عَنِ الْحَقِّ وَانْتَقَلَ مِنْ رُوحِ الْمَحَبَّةِ وَالْقُرْبِ إِلَى سِيَاسَةِ الْقَهْرِ وَالْبُعْدِ، وَانْحَطَّ عَنِ الْجِهَةِ الْعُلْوِيَّةِ إِلَى عَالِمِ النَّارِ - يُعَذَّبُ بِنَارٍ رُوحَانِيَّةٍ نَشَأَتْ مِنِ اسْتِيلَاءِ صِفَةِ الْقَهْرِ الْإِلَهِيِّ، فَيَكُونُ أَشَدَّ وَأَدْوَمَ إِيلَامًا مِنَ النَّارِ الْجُسْمَانِيَّةِ؛ لِأَنَّ حَرَارَتَهَا تَابِعَةٌ لِنَارٍ رُوحَانِيَّةٍ مَلَكُوتِيَّةٍ هِيَ شَرَرٌ مِنْ نَارِ غَضَبِ اللَّهِ بَعْدَ تَنَزُّلِهَا فِي مَرَاتِبَ كَثِيرَةٍ كَتَنَزُّلِهَا فِي مَرْتَبَةِ النَّفْسِ بِصُورَةِ الْغَضَبِ، وَهِيَ غَيْرُ مُتَنَاهِيَةٍ. وَهَذَا مَعْنَى مَا يُقَالُ: إِنَّ نَارَ جَهَنَّمَ غُسِلَتْ بِالْمَاءِ سَبْعِينَ مَرَّةً، ثُمَّ أُنْزِلَتْ إِلَى الدُّنْيَا لِيُمْكِنَ الِانْتِفَاعُ بِهَا. (أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ) : ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً، وَالْجُمْلَةُ جَوَابُ الشَّرْطِ أَوْ خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ. (عَلَى مَا كَانَ) حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ الْمَفْعُولِ مِنْ قَوْلِهِ: أَدْخَلَهُ اللَّهُ أَيْ كَائِنًا عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ مَوْصُوفًا بِهِ (مِنَ الْعَمَلِ) : حَسَنًا أَوْ شَيْئًا قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا، صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا، وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى الْمُعْتَزِلَةِ وَالْخَوَارِجِ. [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ] : وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>