للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

لِلْمَرْوِيَّاتِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ كَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَفْعَلُ هَذَا أَحْيَانًا، إِلَّا أَنَّ بَيْنَ الْكَفَّيْنِ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّ فِيهِ مِنْ تَخْلِيصِ الْمُجَافَاةِ الْمَسْنُونَةِ مَا لَيْسَ فِي الْآخَرِ كَانَ حَسَنًا، (وَفَرَّجَ) ، أَيْ: فَرَّقَ الرَّجُلُ (بَيْنَ فَخِذَيْهِ غَيْرَ حَامِلٍ) ، أَيْ: غَيْرَ وَاضِعٍ (بَطْنَهُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَخِذَيْهِ حَتَّى فَرَغَ) ، أَيْ: مِنْ سُجُودِهِ (ثُمَّ جَلَسَ) ، أَيْ: مُطْلَقًا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ: إِذَا جَلَسَ لِلتَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ (فَافْتَرَشَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى) ، أَيْ: جَلَسَ عَلَى بَطْنِهَا (وَأَقْبَلَ بِصَدْرِ الْيُمْنَى عَلَى قِبْلَتِهِ) ، أَيْ: وَجَّهَ أَطْرَافَ أَصَابِعِ رِجْلِهِ الْيُمْنَى إِلَى الْقِبْلَةِ، قَالَهُ الطِّيبِيُّ، وَنَقَلَ مِيرَكُ عَنِ الْأَزْهَارِ، أَيْ: جَعَلَ صَدْرَ الرِّجْلِ الْيُمْنَى مُقَابِلًا لِلْقِبْلَةِ، وَذَلِكَ بِوَضْعِ بَاطِنِ الْأَصَابِعِ عَلَى الْأَرْضِ مُقَابِلَ الْقِبْلَةِ مَعَ تَحَامُلٍ قَلِيلٍ فِي نَصْبِ الرِّجْلِ (وَوَضَعَ كَفَّهُ الْيُمْنَى عَلَى رُكْبَتِهِ الْيُمْنَى، وَكَفَّهُ الْيُسْرَى عَلَى رُكْبَتِهِ الْيُسْرَى، وَأَشَارَ بِأُصْبُعِهِ يَعْنِي السَّبَّابَةَ) : فَعَّالَةٌ مِنَ السَّبِّ، فَإِنَّ عَادَةَ الْعَرَبِ كَانَتْ عِنْدَ السَّبِّ وَالشَّتْمِ الْإِشَارَةُ بِالْأُصْبُعِ الَّذِي يَلِي الْإِبْهَامَ، قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: وَفِي مُسْلِمٍ «كَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إِذَا جَلَسَ فِي الصَّلَاةِ وَضَعَ كَفَّهُ الْيُمْنَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُمْنَى، وَقَبَضَ أَصَابِعَهُ كُلَّهَا، وَأَشَارَ بِأُصْبُعِهِ الَّتِي تَلِي الْإِبْهَامَ، وَوَضْعَ كَفَّهُ الْيُسْرَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُسْرَى» ، وَلَا شَكَّ أَنَّ وَضْعَ الْكَفِّ مَعَ قَبْضِ الْأَصَابِعِ لَا يَتَحَقَّقُ حَقِيقَةً، فَالْمُرَادُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَضْعُ الْكَفِّ ثُمَّ قَبْضُ الْأَصَابِعِ بَعْدَ ذَلِكَ عِنْدَ الْإِشَارَةِ، وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي كَيْفِيَّةِ الْإِشَارَةِ، قَالَ: يَقْبِضُ خِنْصَرَهُ وَالَّتِي تَلِيهَا، وَيُحَلِّقُ الْوُسْطَى وَالْإِبْهَامَ، وَيُقِيمُ الْمُسَبِّحَةَ، وَكَذَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي الْأَمَالِي، وَهَذَا فَرْعُ تَصْحِيحِ الْإِشَارَةِ، وَعَنْ كَثِيرٍ مِنَ الْمَشَايِخِ لَا يُشِيرُ أَصْلًا، وَهُوَ خِلَافُ الدِّرَايَةِ وَالرِّوَايَةِ، وَعَنِ الْحُلْوَانِيِّ: يُقِيمُ الْأُصْبُعَ عِنْدَ: لَا إِلَهَ، وَيَضَعُهَا عِنْدَ: إِلَّا اللَّهُ؛ لِيَكُونَ الرَّفْعُ لِلنَّفْيِ، وَالْوَضْعُ لِلْإِثْبَاتِ، وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ أَطْرَافُ الْأَصَابِعِ عَلَى حَرْفِ الرُّكْبَةِ لَا مُبَاعَدَةً عَنْهَا.

قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَفِيهِ تَفْصِيلٌ بَيَّنَهُ بَقِيَّةُ الرِّوَايَاتِ، وَجَرَى عَلَيْهِ أَئِمَّتُنَا حَيْثُ قَالُوا: يُسَنُّ وَضْعُ بَطْنِ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ قَرِيبًا مِنْ رُكْبَتَيْهِ لِلِاتِّبَاعِ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَاسْتُفِيدَ مِنْهُ أَنَّهُ يُسَنُّ رَفْعُ مُسَبِّحَتِهِ الْيُمْنَى، لَكِنْ مَعَ انْحِنَائِهَا قَلِيلًا لِخَبَرٍ صَحِيحٍ فِيهِ إِلَى جِهَةِ الْقِبْلَةِ لِحَدِيثٍ فِيهِ أَيْضًا عِنْدَ قَوْلِهِ: إِلَّا اللَّهُ لِلِاتِّبَاعِ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ، وَبِهِ يَخُصُّ عُمُومَ خَبَرِ أَبِي دَاوُدَ: كَانَ يُشِيرُ بِأُصْبُعِهِ إِذَا دَعَا أَوْ تَشَهَّدَ عَلَى أَنَّ التَّشَهُّدَ حَقِيقَةُ النُّطْقِ بِالشَّهَادَتَيْنِ، وَيُسَنُّ أَنْ يَنْوِيَ بِإِشَارَتِهِ حِينَئِذٍ التَّوْحِيدَ وَالْإِخْلَاصَ فِيهِ لِلِاتِّبَاعِ، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِسَنَدٍ فِيهِ مَجْهُولٌ، وَيُسَنُّ أَنْ لَا يُجَاوِزَ بَصَرُهُ إِشَارَتَهُ لِلِاتِّبَاعِ أَيْضًا، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ، وَيُكْرَهُ عِنْدَنَا تَحْرِيكُ الْمُسَبِّحَةِ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يَتْرُكُهُ، وَقِيلَ: يُسَنُّ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يَفْعَلُهُ، رَوَى الْخَبَرَيْنِ الْبَيْهَقِيُّ وَصَحَّحَهُمَا، ثُمَّ قَالَ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِتَحْرِيكِهَا فِي خَبَرِهِ رَفْعُهَا لَا تَكْرِيرُ تَحْرِكِيهَا، وَهُوَ احْتِمَالٌ ظَاهِرٌ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ، وَأَمَّا خَبَرُ " تَحْرِيكُ الْأَصَابِعِ مُذْعِرَةٌ لِلشَّيْطَانِ " أَيْ: مُنَفِّرَةٌ لَهُ، فَضَعِيفٌ.

(وَفِي أُخْرَى لَهُ) ، أَيْ: فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لِأَبِي دَاوُدَ، وَفِي إِسْنَادِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ عَبْدُ اللَّهِ ابْنُ لَهِيعَةَ، وَفِيهِ مَقَالٌ، نَقَلَهُ مِيرَكُ عَنِ التَّخْرِيجِ (وَإِذَا قَعَدَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ) ، أَيِ: الْأُولَيَيْنِ (قَعَدَ عَلَى بَطْنِ قَدَمِهِ الْيُسْرَى، وَنَصَبَ الْيُمْنَى، وَإِذَا كَانَ فِي الرَّابِعَةِ أَفْضَى) ، أَيْ: أَوْصَلَهَا (بِوَرِكِهِ الْيُسْرَى إِلَى الْأَرْضِ) : أَيْ: مَسَّ بِمَا لَانَ مِنَ الْوَرِكِ الْأَرْضَ، الْجَوْهَرِيُّ: أَفْضَى بِيَدِهِ إِلَى الْأَرْضِ إِذَا مَسَّهَا بِبَطْنِ رَاحَتِهِ، ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ، (أَخْرَجَ قَدَمَيْهِ مِنْ نَاحِيَةٍ وَاحِدَةٍ) : وَهِيَ نَاحِيَةُ الْيُمْنَى، وَإِطْلَاقُ الْإِخْرَاجِ عَلَى الْيُمْنَى تَغْلِيبٌ؛ لِأَنَّ الْمُخْرَجَ حَقِيقَةً هُوَ الْيُسْرَى لَا غَيْرُ، ذَكَرَهُ ابْنُ حَجَرٍ، وَفِيهِ دَلِيلٌ لِلشَّافِعِيِّ عَلَى سُنِّيَّةِ التَّوَرُّكِ فِي الْقَعْدَةِ الثَّانِيَةِ قَالَهُ ابْنُ الْمَلَكِ، وَعِنْدَنَا يُحْمَلُ عَلَى وُقُوعِهِ لِعُذْرٍ أَوْ لِبَيَانِ الْجَوَازِ مَعَ احْتِمَالِ وُقُوعِهِ بَعْدَ السَّلَامِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>