للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بَدَلٌ عَنْ حَرْفِ النِّدَاءِ؛ وَلِذَا لَا يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا إِلَّا فِي الشِّعْرِ (أَنْتَ الْمَلِكُ) : لَا مُلْكَ وَلَا مِلْكَ لِغَيْرِهِ (لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ) ، أَيْ: أَنْتَ الْمُنْفَرِدُ بِالْأُلُوهِيَّةِ (أَنْتَ رَبِّي) : تَخْصِيصٌ بَعْدَ تَعْمِيمٍ، وَقَالَ مِيرَكُ فِي قَوْلِهِ: لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ إِثْبَاتُ الْإِلَهِيَّةِ الْمُطْلَقَةِ لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى سَبِيلِ الْحَصْرِ بَعْدَ إِثْبَاتِ الْمُلْكِ لَهُ كَذَلِكَ فِي أَنْتَ الْمَلِكُ لِمَا دَلَّ عَلَيْهِ تَعْرِيفُ الْخَبَرِ بِاللَّامِ تَرَقِّيًا مِنَ الْأَدْنَى إِلَى الْأَعْلَى طِبْقَ قَوْلِهِ: {مَلِكِ النَّاسِ - إِلَهِ النَّاسِ} [الناس: ٢ - ٣] ، وَإِنَّمَا أَخَّرَ الرُّبُوبِيَّةَ فِي قَوْلِهِ: أَنْتَ رَبِّي لِتَخْصِيصِ الصِّفَةِ وَتَقْيِيدِهَا بِالْإِضَافَةِ إِلَى نَفْسِهِ وَإِخْرَاجِهَا عَنِ الْإِطْلَاقِ (وَأَنَا عَبْدُكَ) : اعْتِرَافٌ لَهُ تَعَالَى بِالرُّبُوبِيَّةِ وَلِنَفْسِهِ، بِالْعُبُودِيَّةِ (ظَلَمْتُ نَفْسِي) ، أَيْ: بِالْغَفْلَةِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي أَوْ بِوَضْعِ مَحَبَّةِ الْغَيْرِ فِي قَلْبِي (وَاعْتَرَفْتُ بِذَنْبِي) : أَيْ بِعَمَلِي خِلَافَ الْأَوْلَى أَوْ بِوُجُودِي الَّذِي مَنْشَأُ ذَنْبِي، كَمَا قِيلَ: وَجُودُكَ ذَنْبٌ لَا يُقَاسُ بِهِ ذَنْبٌ (فَاغْفِرْ لِي ذُنُوبِي) ، أَيْ: تَقْصِيرَاتِي (جَمِيعًا إِنَّهُ) : بِالْكَسْرِ اسْتِئْنَافٌ فِيهِ مَعْنَى التَّعْلِيلِ، وَفِي نُسْخَةٍ بِالْفَتْحِ وَالضَّمِيرُ لِلشَّأْنِ (لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ) ، أَيْ: جَمِيعَهَا (إِلَّا أَنْتَ) : فَإِنَّكَ أَنْتَ الْغَفَّارُ الْغَفُورُ (وَاهْدِنِي) ، أَيْ: دُلَّنِي وَوَفِّقْنِي وَثَبِّتْنِي وَأَوْصِلْنِي (لِأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ) : فِي عِبَادَتِكَ وَغَيْرِهَا مِنَ الْأَخْلَاقِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ (لَا يَهْدِي لِأَحْسَنِهَا إِلَّا أَنْتَ) : فَإِنَّكَ أَنْتَ الْهَادِي الْمُطْلَقُ وَعَجْزُ الْخَلْقِ أَمْرٌ مُحَقَّقٌ (وَاصْرِفْ عَنِّي) ، أَيْ: أَبْعِدْنِي وَامْنَعْنِي وَاحْفَظْنِي (سَيِّئَهَا) : أَيْ: سَيِّئَ الْأَخْلَاقِ (لَا يَصْرِفُ عَنِّي) : لَا عَنْ غَيْرِي (سَيِّئَهَا إِلَّا أَنْتَ) : فَإِنَّ غَيْرَكَ غَيْرُ قَادِرٍ عَلَى شَيْءٍ (لَبَّيْكَ) ، أَيْ: أَدُومُ عَلَى طَاعَتِكَ دَوَامًا بَعْدَ دَوَامٍ، وَقِيلَ أُقِيمُ عَلَى طَاعَتِكَ إِقَامَةً بَعْدَ إِقَامَةٍ، مِنْ أَلَبَّ بِالْمَكَانِ أَقَامَ بِهِ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ اتِّجَاهِي إِلَيْكَ، مِنْ قَوْلِهِمْ: دَارِي تُلِبُّ دَارَكَ، أَيْ: تُوَاجِهُهَا، فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ مَصْدَرٌ مُثَنًّى مِنْ لَبَّ أَوْ أَلَبَّ بَعْدَ حَذْفِ الزَّوَائِدِ، مُضَافٌ إِلَى الْمُخَاطَبِ وَحُذِفَ النُّونُ بِالْإِضَافَةِ، وَأُرِيدَ بِالتَّثْنِيَةِ التَّكْرِيرُ مِنْ غَيْرِ نِهَايَةٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ} [الملك: ٤] ، أَيْ: كَرَّةً بَعْدَ كَرَّةٍ وَمَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ (وَسَعْدَيْكَ) ، أَيْ: سَاعَدْتُ طَاعَتَكَ يَا رَبِّ مُسَاعَدَةً بَعْدَ مُسَاعَدَةٍ، وَهِيَ الْمُوَافَقَةُ وَالْمُسَارَعَةُ، أَوْ أَسْعَدُ بِإِقَامَتِي عَلَى طَاعَتِكَ وَإِجَابَتِي لِدَعْوَتِكَ سَعَادَةً بَعْدَ سَعَادَةٍ (وَالْخَيْرُ كُلُّهُ) ، اعْتِقَادًا وَقَوْلًا وَفِعْلًا (لَيْسَ إِلَيْكَ) ، أَيْ: فِي تَصَرُّفِكَ، وَقِيلَ: هُمَا كِنَايَةٌ عَنْ سَعَةِ طُولِهِ وَكَثْرَةِ فَضْلِهِ، أَوْ عَنْ قُدْرَتِهِ وَإِرَادَتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصْدُرُ شَيْءٌ إِلَّا عَنْهُمَا، وَقَالَ الطِّيبِيُّ: أَيِ: الْكُلُّ عِنْدَكَ كَالشَّيْءِ، وَالْمَوْثُوقُ بِهِ الْمَقْبُوضُ عَلَيْهِ يَجْرِي بِقَضَائِكَ لَا يُدْرَكُ مِنْ غَيْرِكَ مَا لَمْ تَسْبِقْ بِهِ كَلِمَتُكَ (وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ) ، أَيْ: لَا يُتَقَرَّبُ بِهِ إِلَيْكَ، أَوْ لَا يُضَافُ إِلَيْكَ، بَلْ إِلَى مَا اقْتَرَفَتْهُ أَيْدِي النَّاسِ مِنَ الْمَعَاصِي، أَوْ لَيْسَ إِلَيْكَ قَضَاؤُهُ فَإِنَّكَ لَا تَقْضِي الشَّرَّ مِنْ حَيْثُ هُوَ شَرٌّ، بَلْ لِمَا يَصْحَبُهُ مِنَ الْفَوَائِدِ الرَّاجِحَةِ، فَالْمَقْضِيُّ بِالذَّاتِ هُوَ الْخَيْرُ، وَالشَّرُّ دَاخِلٌ فِي الْقَضَاءِ بِالْعَرَضِ، قَالَ الطِّيبِيُّ وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَنَّ الشَّرَّ لَيْسَ شَرًّا بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ، وَإِنَّمَا هُوَ شَرٌّ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْخَلْقِ، وَقِيلَ: الشَّرُّ لَا يَصْعَدُ إِلَيْكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} [فاطر: ١٠] وَقِيلَ: الشَّرُّ لَا يُضَافُ إِلَيْكَ بِحُسْنِ التَّأَدُّبِ؛ وَلِذَا لَا

<<  <  ج: ص:  >  >>