للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يُقَالُ: يَا خَالِقَ الْخَنَازِيرِ وَإِنْ خَلَقَهَا، وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ مُضِيفًا الْمَرَضَ إِلَى نَفْسِهِ وَالشِّفَاءَ إِلَى رَبِّهِ، وَالْخَضِرُ أَضَافَ إِرَادَةَ الْغَيْبِ، وَمَا كَانَ مِنْ بَابِ الرَّحْمَةِ إِلَى رَبِّهِ فَقَالَ: أَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا، وَفِي هَذَا إِرْشَادٌ إِلَى تَعْلِيمِ الْأَدَبِ كَذَا قَالُوا، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} [الفاتحة: ٧] فَتَأَمَّلْ، فَإِنَّهُ دَقِيقٌ، وَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: تَمَسَّكَ الْمُعْتَزِلَةُ بِهِ فِي نِسْبَةِ الشَّرِّ لِلْعَبْدِ لِتَقْدِيرِهِمْ مُتَعَلِّقَ الْجَارِ مَنْسُوبًا وَهُوَ تَحَكُّمٌ؛ إِذْ هُوَ كَمَا يَحْتَمِلُ ذَلِكَ يَحْتَمِلُ تَقْدِيرَهُ مُقَرَّبًا أَوْ مُضَافًا أَوْ صَاعِدًا أَوْ مَنْسُوبًا، وَالْمُرَادُ غَيْرُ مَا فَهِمُوهُ، أَيْ: لَيْسَ الشَّرُّ مَنْسُوبًا إِلَيْكَ عَلَى انْفِرَادِهِ؛ لِأَنَّ قَضِيَّةَ الْأَدَبِ أَنْ لَا تُضَافَ الْمُحَقَّرَاتُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى اسْتِقْلَالًا بَلْ تَبَعًا (أَنَا بِكَ) : أَيْ أَعُوذُ وَأَعْتَمِدُ وَأَلُوذُ وَأَقُومُ بِكَ (وَإِلَيْكَ) : أَتَوَجَّهُ وَأَلْتَجِئُ وَأَرْجِعُ وَأَنُوبُ أَوْ بِكَ وَحَّدْتُ وَإِلَيْكَ انْتَهَى أَمْرِي، فَأَنْتَ الْمَبْدَأُ وَالْمُنْتَهَى، وَقِيلَ: أَسْتَعِينُ بِكَ وَأَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ، وَقِيلَ: أَنَا مُوقِنٌ بِكَ وَبِتَوْفِيقِكَ عَلِمْتُ، وَالْتِجَائِي وَانْتِمَائِي إِلَيْكَ، أَوْ بِكَ أَحْيَا وَأَمُوتُ وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ، أَوْ أَنَا بِكَ إِيجَادًا وَتَوْفِيقًا وَعَلَيْكَ أَلْتَجِئُ وَأَعْتَصِمُ (تَبَارَكْتَ) ، أَيْ: تَعَظَّمْتَ وَتَمَجَّدْتَ أَوْ جِئْتَ بِالْبَرَكَةِ أَوْ تَكَاثَرَ خَيْرُكَ وَأَصْلُ الْكَلِمَةِ لِلدَّوَامِ وَالثَّبَاتِ (وَتَعَالَيْتَ) : عَمَّا أَوْهَمَهُ الْأَوْهَامُ وَيَتَصَوَّرُ عُقُولُ الْأَنَامِ، وَلَا تُسْتَعْمَلُ هَذِهِ الْكَلِمَاتُ إِلَّا لِلَّهِ تَعَالَى قَالَهُ مِيرَكُ، وَكَذَا ابْنُ حَجَرٍ (أَسْتَغْفِرُكَ) ، أَيْ: أَطْلُبُ الْمَغْفِرَةَ لِمَا مَضَى (وَأَتُوبُ) ، أَيْ: أَرْجِعُ عَنْ فِعْلِ الذَّنْبِ فِيمَا بَقِيَ مُتَوَجِّهًا (إِلَيْكَ) : بِالتَّوْفِيقِ وَالثَّبَاتِ إِلَى الْمَمَاتِ.

(وَإِذَا رَكَعَ قَالَ: " اللَّهُمَّ لَكَ رَكَعْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ) : وَفِي تَقَدُّمِ الْجَارِّ إِشَارَةٌ إِلَى التَّخْصِيصِ (وَلَكَ أَسْلَمْتُ) ، أَيْ: لَكَ ذَلَلْتُ وَانْقَدْتُ، أَوْ لَكَ أَخْلَصْتُ وَجْهِي، أَوْ لَكَ خَذَلْتُ نَفْسِي وَتَرَكْتُ أَهْوَاءَهَا (خَشَعَ) ، أَيْ: خَضَعَ وَتَوَاضَعَ أَوْ سَكَنَ (لَكَ سَمْعِي) : فَلَا يَسْمَعُ إِلَّا مِنْكَ (وَبَصَرِي) : فَلَا يَنْظُرُ إِلَّا بِكَ وَإِلَيْكَ تَخْصِيصُهُمَا مِنْ بَيْنِ الْحَوَاسِّ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ الْآفَاتِ بِهِمَا، فَإِذَا خَشَعَتَا قَلَّتِ الْوَسَاوِسُ، قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: أَوْ لِأَنَّ تَحْصِيلَ الْعِلْمِ النَّقْلِيِّ وَالْعَقْلِيِّ بِهِمَا، وَقَدَّمَ السَّمْعَ؛ لِأَنَّ الْمَدَارَ عَلَى الشَّرْعِ، وَاعْلَمْ أَنَّ بَعْضَ الْفُضَلَاءِ فَضَّلَ السَّمْعَ، وَنَسَبَهُ ابْنُ الْقَيِّمِ إِلَى أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، وَقِيلَ: إِنَّهُ قَوْلُ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ، وَبَعْضُهُمْ فَضَّلَ الْبَصَرَ وَهُوَ مَنْسُوبٌ إِلَى أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَنْقُولٌ عَنْ قُتَيْبَةَ وَأَكْثَرِ الْمُتَكَلِّمِينَ وَتَوَقَّفَ فِي الْمَسْأَلَةِ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ كَالْإِمَامِ الرَّازِيِّ وَغَيْرِهِ، وَقَالَ الْإِمَامُ النَّيْسَابُورِيُّ: الِاشْتِغَالُ بِالتَّفْضِيلِ مِمَّا لَا طَائِلَ فِيهِ مِنَ التَّطْوِيلِ، (وَمُخِّي) : فَلَا يَعِي إِلَّا عَنْكَ، كَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ حَجَرٍ وَفِيهِ تَأَمُّلٌ (وَعَظْمِي وَعَصَبِي) : فَلَا يَقُومَانِ وَلَا يَتَحَرَّكَانِ إِلَّا بِكَ فِي طَاعَتِكَ، وَهُنَّ عَمَدُ الْحَيَوَانِ وَأَطْنَابُهُ، وَاللَّحْمُ وَالشَّحْمُ غَادٍ وَرَائِحٌ (فَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ) ، أَيْ: مِنَ الرُّكُوعِ (قَالَ) ، أَيْ: حَالَ الرَّفْعِ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ كَمَا فِي الرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةِ، فَإِذَا اسْتَقَرَّ فِي الِاعْتِدَالِ قَالَ: (اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ) : وَفِي رِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ: وَلَكَ الْحَمْدُ، وَسَبَقَ أَنَّهَا الْأَفْضَلُ لِدَلَالَتِهَا عَلَى زِيَادَةٍ لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهَا حَذْفُهَا (مِلْءَ السَّمَاوَاتِ) : بِالنَّصْبِ هُوَ أَشْهَرُ كَمَا فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ صِفَةُ مَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ، وَقِيلَ: حَالٌ، أَيْ حَالَ كَوْنِهِ مَالِئًا لِتِلْكَ الْأَجْرَامِ عَلَى تَقْدِيرِ تَجَسُّمِهِ وَبِالرَّفْعِ صِفَةُ الْحَمْدِ (وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا، وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ) ، أَيْ: بَعْدَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قَالَهُ الطِّيبِيُّ: وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: أَيْ بَعْدَ ذَلِكَ صِفَةٌ لِشَيْءٍ كَالْكُرْسِيِّ وَالْعَرْشِ وَمَا فَوْقَهُ، وَمَا تَحْتَ أَسْفَلِ الْأَرَضِينَ مِمَّا لَا يَعْلَمُهُ، وَلَا يُحِيطُ بِهِ إِلَّا خَالِقُهُ وَمُوجِدُهُ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>