للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الْجُسْمَانِيَّاتُ الْعُلْوِيَّاتُ وَالسُّفْلِيَّاتُ، قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: وَهَذَا غَايَةُ الْحَمْدِ لِلَّهِ تَعَالَى حَيْثُ حَمِدَهُ مِلْءَ كُلِّ مَخْلُوقَاتِهِ الْمَوْجُودَةِ، وَمِلْءَ مَا يَشَاءُ مِنْ خَلْقِهِ مِنَ الْمَعْدُومَاتِ الْمُمْكِنَةِ الْمُغَيَّبَةِ، وَقَالَ مِيرَكُ: هَذَا يُشِيرُ إِلَى الِاعْتِرَافِ بِالْعَجْزِ عَنْ أَدَاءِ حَقِّ الْحَمْدِ بَعْدَ اسْتِفْرَاغِ الْجُهْدِ، فَإِنَّهُ حَمِدَهُ مِلْءَ السَّمَاوَاتِ وَمِلْءَ الْأَرْضِ وَمِلْءَ مَا بَيْنَهُمَا، ثُمَّ ارْتَفَعَ فَأَحَالَ الْأَمْرَ فِيهِ عَلَى الْمَشِيئَةِ، وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ لِلْحَمْدِ مُنْتَهًى؛ وَلِهَذِهِ الرُّتْبَةِ الَّتِي لَمْ يَبْلُغْهَا أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ اسْتَحَقَّ أَنْ يُسَمَّى أَحْمَدَ.

(وَإِذَا سَجَدَ قَالَ: " اللَّهُمَّ لَكَ سَجَدْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَلَكَ أَسْلَمْتُ، سَجَدَ وَجْهِي) : بِالْوَجْهَيْنِ أَيْ: خَضَعَ وَذَلَّ وَانْقَادَ (لِلَّذِي خَلَقَهُ) أَيْ أَوْجَدَهُ مِنَ الْعَدَمِ (وَصَوَّرَهُ) أَحْسَنَ صُورَةٍ (وَشَقَّ سَمْعَهُ) أَيْ طَرِيقَ سَمْعِهِ إِذِ السِّمْعُ لَيْسَ فِي الْأُذُنَيْنِ، بَلْ فِي مَقْعَرِ الصِّمَاخِ (وَبَصَرَهُ، تَبَارَكَ اللَّهُ) : أَيْ: تَعَالَى وَتَعَظَّمَ، وَالرِّوَايَةُ بِحَذْفِ الْفَاءِ (أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ) : أَيِ: الْمُصَوِّرِينَ وَالْمُقَدِّرِينَ، فَإِنَّهُ الْخَالِقُ الْحَقِيقِيُّ الْمُنْفَرِدُ بِالْإِيجَادِ وَالْإِمْدَادِ، وَغَيْرُهُ إِنَّمَا يُوجِدُ صُوَرًا مُمَوَّهَةً لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ حَقِيقَةِ الْخَلْقِ مَعَ أَنَّهُ تَعَالَى خَالِقُ كُلِّ صَانِعٍ وَصَنْعَتِهِ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ، اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ.

(ثُمَّ يَكُونُ) : أَيْ: بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ (مِنْ آخِرِ مَا يَقُولُ بَيْنَ التَّشَهُّدِ وَالتَّسْلِيمِ: " اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ) : مِنْ سَيِّئَةٍ (وَمَا أَخَّرْتُ) : مِنْ عَمَلٍ أَيْ جَمِيعَ مَا فَرَطَ مِنِّي قَالَهُ الطِّيبِيُّ، وَقِيلَ: مَا قَدَّمْتُ قَبْلَ النُّبُوَّةِ وَمَا أَخَّرْتُ بَعْدَهَا، وَقِيلَ: مَا أَخَّرْتُهُ فِي عِلْمِكَ مِمَّا قَضَيْتَهُ عَلَيَّ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ إِنْ وَقَعَ مِنِّي فِي الْمُسْتَقْبَلِ ذَنْبٌ فَاجْعَلْهُ مَقْرُونًا بِمَغْفِرَتِكَ (وَمَا أَسْرَرْتُ) : أَيْ: أَخْفَيْتُ (وَمَا أَعْلَنْتُ) : تَخْصِيصٌ بَعْدَ تَعْمِيمٍ كَعَكْسِهِ فِي قَوْلِهِ (وَمَا أَسْرَفْتُ) : أَيْ: جَاوَزْتُ الْحَدَّ مُبَالَغَةً فِي طَلَبِ الْغُفْرَانِ بِذِكْرِ أَنْوَاعِ الْعِصْيَانِ (وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي) : أَيْ: مِنْ ذُنُوبِي الَّتِي لَا أَعْلَمُهَا عَدَدًا وَحُكْمًا (أَنْتَ الْمُقَدِّمُ) : أَيْ: بَعْضَ الْعِبَادِ إِلَيْكَ بِتَوْفِيقِ الطَّاعَاتِ (وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ) : أَيْ بَعْضَهُمْ بِالْخِذْلَانِ عَنِ النُّصْرَةِ، أَوْ أَنْتَ لِمَنْ شِئْتَ فِي مَرَاتِبِ الْكَمَالِ وَغَايَاتِ الْجَلَالِ، وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ لِمَنْ شِئْتَ عَنْ مَعَالِي الْأُمُورِ إِلَى سَفَاسِفِهَا، فَنَسْأَلُكَ أَنْ تَجْعَلَنَا مِمَّنْ قَدَّمْتَهُ فِي مَعَالِمِ الدِّينِ، وَنَعُوذُ بِكَ أَنْ تُؤَخِّرَنَا عَنْ طَرِيقِ الْيَقِينِ، أَوْ أَنْتَ الرَّافِعُ وَالْخَافِضُ وَالْمُعِزُّ وَالْمُذِلُّ (لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ) : فَلَا مَطْلُوبَ سِوَاكَ وَلَا مَحْبُوبَ إِلَّا إِيَّاكَ (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) : قَالَ مِيرَكُ: وَرَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَزَادَ بَعْدَ قَوْلِهِ: " حَنِيفًا " " مُسْلِمًا ".

(وَفِي رِوَايَةٍ لِلشَّافِعِيِّ: " وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ) : هَذَا الْكَلَامُ إِرْشَادٌ إِلَى اسْتِعْمَالِ الْأَدَبِ فِي الثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَأَنْ يُضَافَ إِلَيْهِ فِي مَحَاسِنِ الْأَشْيَاءِ دُونَ مَسَاوِيهَا، وَلَيْسَ الْمَقْصُودُ نَفْيَ شَيْءٍ عَنْ قُدْرَتِهِ، يَعْنِي أَوْ إِثْبَاتَ شَيْءٍ لِغَيْرِهِ، نَقَلَهُ السَّيِّدُ جَمَالُ الدِّينِ عَنِ الْقَاضِي، قَالَ مِيرَكُ: وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف: ١٨٠] ، (وَالْمَهْدِيُّ مَنْ هَدَيْتَ) : أَيْ لَا مَهْدِيَّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتَهُ وَتَرَكَ مُقَابِلَهُ، وَهُوَ لَا ضَالَّ إِلَّا مَنْ أَضْلَلْتَهُ، لِمَا تَقَدَّمَ، مُرَاعَاةً لِلْأَدَبِ، أَوْ هُوَ مِنْ بَابِ الِاكْتِفَاءِ بِمُقَابِلِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ} [النحل: ٨١] فَلَا مُتَمَسَّكَ لِلْمُعْتَزِلَةِ، كَيْفَ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [النحل: ٩٣] ، (أَنَا بِكَ) : أَيْ: وُجِدْتُ (وَإِلَيْكَ) : أَنْتَهِي أَيْ أَنْتَ الْمَبْدَأُ وَالْمُنْتَهَى قَالَهُ الطِّيبِيُّ (لَا مَنْجَى) بِالْقَصْرِ لَا غَيْرُ، وَأَغْرَبَ ابْنُ حَجَرٍ حَيْثُ قَالَ: (لَا مَنْجَى) مَقْصُورٌ لَا يَجُوزُ مَدُّهُ وَلَا قَصْرُهُ، وَكَانَ حَقُّهُ أَنْ يَقُولَ: لَا يَجُوزُ هَمْزُهُ لَا مَدًّا وَلَا قَصْرًا وَهُوَ مَصْدَرٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>