للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

الْفَصْلُ الثَّانِي

٢٩ - «عَنْ مُعَاذٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ وَيُبَاعِدُنِي عَنِ النَّارِ. قَالَ: " لَقَدْ سَأَلْتَ عَنْ أَمْرٍ عَظِيمٍ، وَإِنَّهُ لِيَسِيرٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ: تَعْبُدُ اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ "، ثُمَّ قَالَ: " أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى أَبْوَابِ الْخَيْرِ؟ الصَّوْمُ جُنَّةٌ، وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةُ كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ، وَصَلَاةُ الرَّجُلِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ " ثُمَّ تَلَا: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} [السجدة: ١٦] حَتَّى بَلَغَ (يَعْمَلُونَ) ، ثُمَّ قَالَ: " أَلَا أَدُلُّكَ بِرَأْسِ الْأَمْرِ وَعَمُودِهِ وَذِرْوَةِ سَنَامِهِ؟ " قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: " رَأْسُ الْأَمْرِ الْإِسْلَامُ، وَعَمُودُهُ الصَّلَاةُ، وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الْجِهَادُ "، ثُمَّ قَالَ: " أَلَا أُخْبِرُكَ بِمِلَاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ؟ " قُلْتُ: بَلَى يَا نَبِيَّ اللَّهِ، فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ فَقَالَ: " كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا. فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟ قَالَ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ! وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ - إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ؟» " رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ

الْفَصْلُ الثَّانِي

أَيِ الْمُعَبِّرُ بِهِ قَوْلُهُ: مِنَ الْحِسَانِ فِي الْمَصَابِيحِ.

٢٩ - (عَنْ مُعَاذٍ) أَيِ ابْنِ جَبَلٍ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قُلْتُ) وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ نَخْرُجُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ وَقَدْ أَصَابَنَا الْحَرُّ، فَتَفَرَّقَ الْقَوْمُ، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَقْرَبُهُمْ مِنِّي فَدَنَوْتُ مِنْهُ وَقُلْتُ: (يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ) التَّنْوِينُ لِلتَّعْظِيمِ أَوْ لِلنَّوْعِ، أَيْ عَمَلٍ عَظِيمٍ أَوْ مُعْتَبَرٍ فِي الشَّرْعِ، فَلَا يُرَدُّ مَا ذَكَرَهُ الْمُظْهِرُ مِنْ أَنَّهُ إِذَا جُعِلَ " يُدْخِلُنِي " جَوَابَ الْأَمْرِ يَبْقَى " بِعَمَلٍ " نَكِرَةً غَيْرَ مَوْصُوفَةٍ، وَهِيَ لَا تُفِيدُ. (يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ) بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ صِفَةُ عَمَلٍ إِمَّا مُخَصِّصَةٌ، أَوْ مَادِحَةٌ، أَوْ كَاشِفَةٌ، فَإِنَّ الْعَمَلَ إِذَا لَمْ يَكُنْ بِهَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ كَأَنَّهُ لَا عَمَلٌ، وَبِالْجَزْمِ جَزَاءُ شَرْطٍ مَحْذُوفٍ هُوَ صِفَتُهُ أَيْ أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ إِنْ أَعْمَلْهُ يُدْخِلْنِي الْجَنَّةَ، وَقِيلَ: جَزْمٌ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ جَوَابُ الْأَمْرِ، أَيْ أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ إِنْ تُخْبِرْنِي يُدْخِلْنِي الْجَنَّةَ، يَعْنِي أَنَّهُ الْخَبَرُ وَسِيلَةٌ إِلَى الْعَمَلِ، وَالْعَمَلُ إِلَى الْإِدْخَالِ، وَإِسْنَادُ الْإِدْخَالِ إِلَى الْعَمَلِ إِسْنَادٌ إِلَى السَّبَبِ أَوْ شِبْهِ الْعَمَلِ لِكَوْنِهِ سَبَبًا لِلْمَطْلُوبِ بِالْفَاعِلِ الْحَقِيقِيِّ، أَوِ الْمَعْنَى يُدْخِلُنِي لَا لِذَاتِهِ بَلْ لِفَضْلِ اللَّهِ يَجْعَلُهُ سَبَبًا لِدُخُولِهَا، وَقِيلَ: الْجَزْمُ غَيْرُ صَحِيحٍ رِوَايَةً وَدِرَايَةً. أَقُولُ: فَكَأَنَّهُ نَظَرَ فِي عَدَمِ صِحَّتِهِ دِرَايَةً أَنَّ الْإِخْبَارَ لَيْسَ سَبَبًا لِدُخُولِ الْجَنَّةِ، بَلِ الْعَمَلُ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ إِخْبَارَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَسِيلَةٌ إِلَى فِعْلِ ذَلِكَ الْعَمَلِ الَّذِي هُوَ ذَرِيعَةٌ إِلَى دُخُولِ الْجَنَّةِ، فَالْإِخْبَارُ سَبَبٌ بِوَجْهٍ مَا لِإِدْخَالِ الْجَنَّةِ، وَمِنْ ثَمَّ جَعَلَ ابْنُ الْحَاجِبِ " يُقِيمُوا " فِي {قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ} [إبراهيم: ٣١] وَغَيْرَهُ " يَغْفِرْ لَكُمْ " فِي {هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ} [الصف: ١٠] الْآيَةَ - هُوَ الْجَزَاءُ؛ لِأَنَّ الْمُؤْمِنَ الْكَامِلَ لَمَّا كَانَ مَظِنَّةً لِلِامْتِثَالِ نُزِّلَ مَنْزِلَةَ الْمُحَقَّقِ مِنْهُ ذَلِكَ. (وَيُبَاعِدُنِي مِنَ النَّارِ) : عَطْفٌ عَلَى يُدْخِلُنِي

<<  <  ج: ص:  >  >>