للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

بِالْوَجْهَيْنِ، وَقَوْلُ ابْنِ مَالِكٍ هُنَا بِالرَّفْعِ فَقَطْ مَعَ تَجْوِيزِهِ الْوَجْهَيْنِ أَوَّلًا فِي غَايَةٍ مِنَ السُّقُوطِ، ثُمَّ الْعَطْفُ يُفِيدُ أَنَّ مُرَادَهُ دُخُولُ الْجَنَّةِ مِنْ غَيْرِ سَابِقَةِ عَذَابٍ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ أُخْرِجَ عَلَى صِيغَةِ الْمُغَالَبَةِ لِلْمُبَالَغَةِ. (قَالَ) أَيْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (لَقَدْ سَأَلْتَ) أَيْ مِنِّي (عَنْ عَظِيمٍ) أَيْ شَيْءٍ عَظِيمٍ، أَوْ سُؤَالٍ عَظِيمٍ مُتَعَسِّرِ الْجَوَابِ؛ لِأَنَّ الدُّخُولَ وَالتَّبَاعُدَ أَمْرٌ عَظِيمٌ، فَسَبَبُهُ الَّذِي هُوَ اجْتِنَابُ كُلِّ مَحْظُورٍ وَامْتِثَالُ كُلِّ مَأْمُورٍ أَيْضًا كَذَلِكَ، أَوْ لِأَنَّ مَعْرِفَةَ الْعَمَلِ الْمُدْخَلِ مِنْ عِلْمِ الْغَيْبِ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ عَنْ عَمَلٍ عَظِيمٍ فِعْلُهُ عَلَى النُّفُوسِ؛ لِيُطَابِقَ السَّابِقَ وَاللَّاحِقَ، وَالْعَظِيمُ ضِدُّ الْحَقِيرِ، كَالْكَبِيرِ نَقِيضُ الصَّغِيرِ، وَكَمَا أَنَّ الْحَقِيرَ دُونَ الصَّغِيرِ فَكَذَلِكَ الْعَظِيمُ فَوْقَ الْكَبِيرِ، وَيُسْتَعْمَلَانِ فِي الصُّوَرِ وَالْمَعَانِي، تَقُولُ: رَجُلٌ عَظِيمٌ وَكَبِيرٌ أَيْ جُثَّتُهُ أَوْ قَدْرُهُ (وَأَنَّهُ) أَيْ جَوَابُهُ أَوْ فِعْلُهُ (لَيَسِيرٌ) أَيْ هَيِّنٌ وَسَهْلٌ (عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ اللَّهُ) وَفِي نُسْخَةٍ: (تَعَالَى) أَيْ جَعَلَهُ سَهْلًا (عَلَيْهِ: تَعْبُدُ اللَّهَ) إِمَّا بِمَعْنَى الْأَمْرِ وَكَذَا مَا بَعْدَهُ، وَإِمَّا خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ تَعْوِيلًا عَلَى أَقْوَى الدَّلِيلَيْنِ، أَيْ هُوَ أَنْ تَعْبُدُ أَيِ الْعَمَلُ الَّذِي يُدْخِلُكَ الْجَنَّةَ عِبَادَتُكَ اللَّهَ بِحَذْفِ أَنْ، أَوْ تَنْزِيلُ الْفِعْلِ مَنْزِلَةَ الْمَصْدَرِ، وَعَدَلَ عَنْ صِيغَةِ الْأَمْرِ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ الْمَأْمُورَ كَأَنَّهُ مُتَسَارِعٌ إِلَى الِامْتِثَالِ، وَهُوَ يُخْبِرُ عَنْهُ إِظْهَارًا لِرَغْبَتِهِ فِي وُقُوعِهِ، وَفَصْلِهِ عَنِ الْجُمْلَةِ الْأُولَى لِكَوْنِهِ بَيَانًا أَوِ اسْتِئْنَافًا، وَفِيهِ بَرَاعَةُ الِاسْتِهْلَالِ لِدَلَالَتِهِ عَلَى مَضْمُونِ الْكَلَامِ بِطَرِيقِ الْإِجْمَالِ كَمَا أَنَّ قَوْلَهُ: كُفَّ عَلَيْكَ يَدُلُّ عَلَى حُسْنِ الْقَطْعِ، وَالْعِبَادَةُ أَقْصَى غَايَةِ الْخُضُوعِ، وَالْمُرَادُ بِهِ التَّوْحِيدُ؛ لِقَوْلِهِ: ( «وَلَا تُشْرِكْ بِهِ شَيْئًا» ) أَوِ الْأَعَمُّ مِنْهُ لِيَعُمَّ امْتِثَالَ كُلِّ مَأْمُورٍ وَاجْتِنَابَ كُلِّ مَحْظُورٍ، وَالضَّمِيرُ فِي بِهِ إِمَّا أَنْ يَعُودَ إِلَى اللَّهِ أَوْ إِلَى الْعِبَادَةِ، وَالثَّانِي هُوَ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يُشْرِكْ فِي الْعِبَادَةِ فَلِأَنْ لَا يُشْرِكَ بِاللَّهِ أَوْلَى، وَالتَّنْوِينُ فِي شَيْئًا لِلْإِفْرَادِ شَخْصًا، كَمَا أَنَّ فِي قَوْلِهِ: " عَظِيمٍ " لِلتَّعْظِيمِ، وَفِي يَسِيرٍ لِلتَّقْلِيلِ (وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ) : مِنْ بَابِ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ تَنْبِيهًا عَلَى إِنَافَتِهِ إِنْ عَمَّمَ الْعِبَادَةَ، وَالْمُرَادُ بِهَا الْمَكْتُوبَةُ. وَهَذَا الْحُكْمُ لَيْسَ مَخْصُوصًا بِمُعَاذٍ، بَلْ يَعُمُّ كُلَّ مُؤْمِنٍ؛ إِذِ الْعِبْرَةُ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ، ثُمَّ تَوَقُّفُ دُخُولِ الْجَنَّةِ عَلَى الْأَعْمَالِ إِنَّمَا هُوَ بِقَيْدِ الدُّخُولِ الْأَوْلَى كَمَا سَبَقَتِ الْإِشَارَةُ إِلَيْهِ فَلَا مُسْتَمْسِكَ لِلْمُعْتَزِلَةِ وَالْخَوَارِجِ لَدَيْهِ. (وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ) أَيِ الْمَفْرُوضَةَ (وَصَوْمُ رَمَضَانَ) أَيِ الْأَيَّامُ الْمَعْدُودَةُ (وَتَحُجُّ الْبَيْتَ) أَيْ بِالْأَفْعَالِ الْمَعْلُومَةِ عَلَى شَرْطِ الِاسْتِطَاعَةِ فِي الْعُمْرِ مَرَّةً. (ثُمَّ قَالَ) أَيْ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - زِيَادَةً عَلَى الْإِفَادَةِ بِالْحَثِّ عَلَى النَّوَافِلِ لِتَحْصِيلِ الدَّرَجَاتِ الْعَالِيَةِ، أَوْ لِتَكْمِيلِ الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ وَالْمَالِيَّةِ (أَلَا أَدُلُّكَ) الْهَمْزَةُ لِلِاسْتِفْهَامِ الْإِنْكَارِيِّ، وَلَا لِلنَّفْيِ وَهُوَ لِتَحْقِيقِ مَا بَعْدَهَا، وَلَعَلَّ قَوْلَهُ قُلْتُ: بَلَى كَانَ مَوْجُودًا هُنَا أَيْضًا كَمَا فِي الْمَوْضِعَيْنِ بَعْدَهُ، فَنَسِيَ الرَّاوِي، كَذَا قِيلَ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى لَا يَنْبَغِي لِي أَلَّا أَدُلُّكَ مَعَ أَنِّي الْمُرْشِدُ الْكَامِلُ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لِلتَّنْبِيهِ لِئَلَّا يُنْسَبَ الرُّوَاةَ إِلَى النِّسْيَانِ مَعَ أَنَّ الْجَوَابَ لَيْسَ بِلَازِمٍ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ ظَاهِرٌ مَعْلُومٌ مَطْلُوبِيَّةً لِدَلَالَتِهِ، أَوْ يُقَالُ: وَإِنَّمَا لَمْ يَتَوَقَّفْ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حَتَّى يَقُولَ مُعَاذٌ " بَلَى " هُنَا، تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَنْتَظِرَ تَصْدِيقَهُ اهْتِمَامًا بِمَضْمُونِهِ (عَلَى أَبْوَابِ الْخَيْرِ؟) أَيِ الطُّرُقِ الْمُوَصِّلَةِ بِهِ، شَبَّهَ الْخَيْرَ بِدَارٍ فِيهَا كُلُّ مَا يَتَمَنَّاهُ النَّفْسُ، وَاللَّامُ فِيهِ لِلْجِنْسِ، جَعَلَ الْأُمُورَ الْآتِيَةَ أَبْوَابَ الْخَيْرِ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ شَدِيدٌ عَلَى النَّفْسِ، وَكَذَا إِخْرَاجُ الْمَالِ فِي الصَّدَقَةِ لَا سِيَّمَا الزِّيَادَةُ عَلَى الزَّكَاةِ، وَكَذَا الصَّلَاةُ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ الَّذِي مَحَلُّ رَاحَةِ النَّفْسِ، وَالْبُعْدُ مِنَ الرِّيَاءِ، فَمَنِ اعْتَادَهَا يَسْهُلُ عَلَيْهِ كُلُّ خَيْرٍ؛ لِأَنَّ الْمَشَقَّةَ فِي دُخُولِ الدَّارِ تَكُونُ بِفَتْحِ الْبَابِ. (الصَّوْمُ جُنَّةٌ) أَيْ سِتْرٌ، وَإِنَّمَا جُعِلَ الصَّوْمُ جُنَّةً مِنَ النَّارِ أَوْ مِنَ الشَّيْطَانِ؛ لِأَنَّ فِي الْجُوعِ سَدُّ مَجَارِي الشَّيْطَانِ، فَإِذَا سَدَّ مَجَارِيهِ لَمْ يَدْخُلْ فَلَمْ يَكُنْ سَبَبًا لِلْعِصْيَانِ الَّذِي هُوَ سَبَبٌ لِدُخُولِ النَّارِ. قِيلَ: التَّقْدِيرُ صَوْمُ النَّفْلِ، فَاللَّامُ تَدُلُّ عَلَى الْمُضَافِ إِلَيْهِ. قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ شُرَّاحِ الْأَرْبَعِينَ: وَلَعَلَّ قَائِلَهُ كُوفِيٌّ، قَالَ فِي الْكَشَّافِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات: ٣٩] أَيْ مَأْوَاهُ، فَإِنَّ اللَّامَ لَيْسَ يَدُلُّ عَلَى الْمُضَافِ إِلَيْهِ بَلْ لِلتَّعْرِيفِ الْعَهْدِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا عُلِمَ أَنَّ الطَّاغِي صَاحِبُ الْمَأْوَى تُرِكَتِ الْإِضَافَةُ، فَكَذَا هَاهُنَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ الْفَرَائِضَ أَوَّلًا عُلِمَ أَنَّ الْمَذْكُورَ بَعْدَهَا مِنَ النَّوَافِلِ، فَاللَّامُ لِلْعَهْدِ الْخَارِجِيِّ، وَلَا يَجِبُ فِيهِ تَقَدُّمُ الْمَعْهُودِ كَمَا ظَنَّ، بَلْ قَدْ يُسْتَغْنَى عَنْهُ لِعِلْمِ الْمُخَاطَبِ بِالْقَرَائِنِ، كَقَوْلِكَ لِمَنْ دَخَلَ الْبَيْتَ: أَغْلِقِ الْبَابَ، وَكَمْ مِثْلُهَا. قَوْلُهُ: (جُنَّةٌ) أَيْ وِقَايَةٌ مِنْ سَوْرَةِ الشَّهْوَةِ فِي الدُّنْيَا، وَالنَّارِ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>