الْفَصْلُ الثَّانِي
٨١٥ - عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ قَالَ: " سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، وَتَبَارَكَ اسْمُكَ، وَتَعَالَى جَدُّكَ، وَلَا إِلَهَ غَيْرُكَ» "، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ.
ــ
٨١٥ - (عَنْ عَائِشَةَ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا " قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ) ، أَيْ: بِالتَّكْبِيرِ (قَالَ: " سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ) ، أَيْ: وَفِّقْنِي، قَالَهُ الْأَبْهَرِيُّ: وَقَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: سُبْحَانَ اسْمٌ أُقِيمَ مَقَامَ الْمَصْدَرِ، وَهُوَ التَّسْبِيحُ مَنْصُوبٌ بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ تَقْدِيرُهُ: أُسَبِّحُكَ تَسْبِيحًا، أَيْ: أُنَزِّهُكَ تَنْزِيهًا مِنْ كُلِّ السُّوءِ وَالنَّقَائِصِ، وَأُبْعِدُكَ مِمَّا لَا يَلِيقُ بِحَضْرَتِكَ مِنْ أَوْصَافِ الْمَخْلُوقَاتِ مِنَ الْأَهْلِ وَالْوَلَدِ، وَالْمَعْنَى اعْتَقَدْتُ بَرَاءَتَكَ مِنَ السُّوءِ وَنَزَاهَتَكَ عَمَّا لَا يَنْبَغِي لِجَلَالِ ذَاتِكَ وَكَمَالِ صِفَاتِكَ، وَقِيلَ: تَقْدِيرُهُ أُسَبِّحُكَ تَسْبِيحًا مُتَلَبِّسًا وَمُقْتَرِنًا بِحَمْدِكَ، فَالْبَاءُ لِلْمُلَابَسَةِ وَالْوَاوُ زَائِدَةٌ، وَقِيلَ الْوَاوُ بِمَعْنَى " مَعَ "، أَيْ: أُسَبِّحُكَ مَعَ التَّلَبُّسِ بِحَمْدِكَ، وَحَالُهُ نَفْيُ الصِّفَاتِ السَّلْبِيَّةِ وَإِثْبَاتُ النُّعُوتِ الثُّبُوتِيَّةِ أَوْ بِحَمْدِكَ سَبَّحْتُكَ أَيِ اعْتَقَدْتُ نَزَاهَتَكَ حَالَ كَوْنِي مُتَلَبِّسًا بِالثَّنَاءِ عَلَيْكَ، أَوْ بِسَبَبِ ثَنَاءِ الْجَمِيلِ عَلَيْكَ اعْتَقَدْتُ نَزَاهَتَكَ، وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ صِفَةً لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ: أُسَبِّحُكَ تَسْبِيحًا مَقْرُونًا بِشُكْرِكَ؛ إِذْ كُلُّ حَمَدٍ مِنَ الْمُكَلَّفِ يَسْتَجْلِبُ نِعْمَةً مُتَجَدِّدَةً وَيَسْتَصْحِبُ تَوْفِيقًا إِلَهِيًّا، وَمِنْ ثَمَّ رُوِيَ عَنْ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: يَا رَبِّ كَيْفَ أَقْدِرُ أَنْ أَشْكُرَكَ وَأَنَا لَا أَقُومُ بِشُكْرِ نِعْمَتِكَ إِلَّا بِنِعْمَتِكَ؛ وَلِذَا قِيلَ: الْعَجْزُ عَنِ الشُّكْرِ شُكْرٌ، أَوْ لَكَ الْحَمْدُ عَلَى تَوْفِيقِكَ إِيَّايَ عَلَى تَسْبِيحِكَ.
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: أَخْبَرَنِي ابْنُ الْخَلَّادِ، قَالَ: سَأَلْتُ الزَّجَّاجَ عَنِ الْوَاوِ فِي وَبِحَمْدِكَ؟ قَالَ: مَعْنَاهُ سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، قِيلَ: قَوْلُ الزَّجَّاجِ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ، أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ الْوَاوُ لِلْحَالِ، وَثَانِيهِمَا: أَنْ يَكُونَ عَطْفَ جُمْلَةٍ فِعْلِيَّةٍ عَلَى مِثْلِهَا إِذِ التَّقْدِيرُ أُنَزِّهُكَ تَنْزِيهًا وَأُسَبِّحُكَ تَسْبِيحًا مُقَيَّدًا بِشُكْرِكَ، وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ " اللَّهُمَّ " مُقْتَرِضَةٌ، وَالْبَاءُ فِي وَبِحَمْدِكَ إِمَّا سَبَبِيَّةٌ، وَالْجَارُّ مُتَّصِلٌ بِفِعْلٍ مُقَدَّرٍ، أَوْ إِلْصَاقِيَّةٌ وَالْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ حَالٌ مِنْ فَاعِلِهِ ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ.
(وَتَبَارَكَ اسْمُكَ) ، أَيْ: كَثُرَتْ بَرَكَةُ اسْمِكَ إِذْ وُجِدَ كُلُّ خَيْرٍ مِنْ ذِكْرِ اسْمِكَ، وَقِيلَ: تَعَاظَمَ ذَاتُكَ أَوْ هُوَ عَلَى حَقِيقَتِهِ؛ لِأَنَّ التَّعَاظُمَ إِذَا ثَبَتَ لِأَسْمَائِهِ تَعَالَى، فَأَوْلَى لِذَاتِهِ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى: ١] (وَتَعَالَى جَدُّكَ) ، أَيْ: عَظَمَتُكَ أَيْ مَا عَرَفُوكَ حَقَّ مَعْرِفَتِكَ، وَلَا عَظَّمُوكَ حَقَّ عَظَمَتِكَ، وَلَا عَبَدُوكَ حَقَّ عِبَادَتِكَ، وَقَالَ مِيرَكُ: تَعَالَى تَفَاعُلٌ مِنَ الْعُلُوِّ، أَيْ: عَلَا وَرُفِعَتْ عَظَمَتُكَ عَلَى عَظَمَةِ غَيْرِكَ، الْعُلُوُّ الرِّفْعَةُ اهـ، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: أَيْ تَعَالَى غِنَاؤُكَ عَنْ أَنْ يَنْقُصَهُ إِنْفَاقٌ أَوْ يَحْتَاجَ إِلَى مُعِينٍ وَنَصِيرٍ (وَلَا إِلَهَ غَيْرُكَ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute