النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا السَّلَامُ عَلَيْكَ قَدْ عَرَفْنَاهُ، فَكَيْفَ الصَّلَاةُ عَلَيْكَ؟ قَالَ: " قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ» " الْحَدِيثَ، وَفِي أُخْرَى لِمُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ: «أَمَرَنَا اللَّهُ أَنْ نُصَلِّيَ عَلَيْكَ، فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟ فَسَكَتَ عَلَيْهِ السَّلَامُ حَتَّى تَمَنَّيْنَا أَنَّهُ لَمْ يُسْأَلْ، ثُمَّ قَالَ: قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ» " إِلَخْ، وَفِي آخِرِهِ: " وَالسَّلَامُ كَمَا عَلِمْتُمْ "، أَيْ: بِفَتْحٍ فَكَسْرٍ أَوْ بِضَمٍّ فَكَسْرٍ مَعَ تَشْدِيدِ اللَّامِ، أَيِ النِّهَايَةُ: أَيْ عَظِّمْهُ فِي الدُّنْيَا بِإِعْلَاءِ ذِكْرِهِ وَإِظْهَارِ دَعَوْتِهِ وَإِبْقَاءِ شَرِيعَتِهِ، وَفِي الْآخِرَةِ بِتَشْفِيعِهِ فِي أُمَّتِهِ وَتَضْعِيفِ أَجْرِهِ وَمَثُوبَتِهِ، وَقِيلَ: لَمَّا أَمَرَنَا اللَّهُ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَلَمْ يُعَلِّمْنَا كَيْفِيَّتَهَا أُحِلْنَا عَلَى اللَّهِ فَقُلْنَا: اللَّهُمَّ صَلِّ أَنْتَ عَلَى مُحَمَّدٍ لِأَنَّكَ أَعْلَمُ، بِمَا يَلِيقُ بِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، (وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ ") : قِيلَ: الْآلُ مَنْ حَرُمَتْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ كَبَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ، وَقِيلَ: كُلُّ تَقِيٍّ آلُهُ، ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْآلِ جَمِيعُ أُمَّةِ الْإِجَابَةِ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْآلِ الْأَزْوَاجُ وَمَنْ حَرُمَتْ عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ وَيَدْخُلُ فِيهِمُ الذَّرِّيَّةُ، وَبِذَلِكَ يُجْمَعُ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ.
وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: هُمْ مُؤْمِنُو بَنِي هَاشِمٍ وَالْمُطَّلِبِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَجُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ، وَقِيلَ: أَوْلَادُ فَاطِمَةَ وَنَسْلُهُمْ، وَقِيلَ: أَزْوَاجُهُ وَذُرِّيَّتُهُ لِأَنَّهُمْ ذُكِرُوا جُمْلَةً فِي رِوَايَةٍ، وَرُدَّ بِأَنَّهُ ثَبَتَ الْجَمْعُ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ فِي حَدِيثٍ وَاحِدٍ، وَقِيلَ: كُلُّ مُسْلِمٍ، وَمَالَ إِلَيْهِ مَالِكٌ، وَاخْتَارَهُ الزُّهْرِيُّ وَآخَرُونَ، وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَغَيْرِهِ، وَرَجَّحَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ، وَقَيَّدَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ بِالْأَتْقِيَاءِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَى تَمَّامٌ فِي مَوَائِدِهِ، وَالدَّيْلَمِيُّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ؟ فَقَالَ: " كُلُّ تَقِيٍّ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ» " زَادَ الدَّيْلَمِيُّ: «ثُمَّ قَرَأَ: {إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ} [الأنفال: ٣٤] (كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ» ) : ذُكِرَ فِي وَجْهِ تَخْصِيصِهِ مِنْ بَيْنِ الْأَنْبِيَاءِ «اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حُمَيْدٌ مَجِيدٌ» ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، إِلَّا أَنَّ مُسْلِمًا لَمْ يَذْكُرْ: " عَلَى إِبْرَاهِيمَ " فِي الْمَوْضِعَيْنِ.
- وُجُوهٌ، أَظْهَرُهَا كَوْنُهُ جَدَّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ أُمِرْنَا، بِمُتَابَعَتِهِ فِي أُصُولِ الدِّينِ، أَوْ فِي التَّوْحِيدِ الْمُطْلَقِ وَالِانْقِيَادِ الْمُحَقَّقِ (" وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ ") : وَهُمْ إِسْمَاعِيلُ وَإِسْحَاقُ وَأَوْلَادُهُمَا. فِي التَّشْبِيهِ إِشْكَالٌ مَشْهُورٌ، وَهُوَ أَنَّ الْمُقَرَّرَ كَوْنُ الْمُشَبَّهِ دُونَ الْمُشَبَّهِ بِهِ، وَالْوَاقِعُ هُنَا عَكْسُهُ ; لِأَنَّ مُحَمَّدًا وَحْدَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْضَلُ مِنْ إِبْرَاهِيمَ وَآلِهِ، وَأُجِيبَ بِأَجْوِبَةٍ مِنْهَا: أَنَّ هَذَا قَبْلَ أَنْ يُعْلَمَ أَنَّهُ أَفْضَلُ، وَمِنْهَا: أَنَّهُ قَالَ تَوَاضُعًا، وَمِنْهَا: أَنَّ التَّشْبِيهَ فِي الْأَصْلِ لَا فِي الْقَدْرِ كَمَا قِيلَ فِي: {كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [البقرة: ١٨٣] وَكَمَا فِي {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ} [النساء: ١٦٣] ، {وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ} [القصص: ٧٧] وَمِنْهَا أَنَّ الْكَافَ لِلتَّعْلِيلِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} [البقرة: ١٨٥] وَمِنْهَا: أَنَّ التَّشْبِيهَ مُعَلَّقٌ بِقَوْلِهِ: وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، وَمِنْهَا: أَنَّ التَّشْبِيهَ بِهَا هُوَ لِلْمَجْمُوعِ بِالْمَجْمُوعِ، فَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ مِنْ آلِ إِبْرَاهِيمَ كَثِيرَةٌ وَهُوَ أَيْضًا مِنْهُمْ، وَمِنْهَا: أَنَّ التَّشْبِيهَ مِنْ بَابِ إِلْحَاقِ مَا يُشْتَهَرُ، بِمَا اشْتُهِرَ، وَمِنْهَا: أَنَّ الْمُقَدِّمَةَ الْمَذْكُورَةَ مَدْفُوعَةٌ، بَلْ قَدْ يَكُونُ التَّشْبِيهُ بِالْمِثْلِ وَبِمَا دُونَهُ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ} [النور: ٣٥] (" إِنَّكَ حُمَيْدٌ ") : فَعِيلٌ، بِمَعْنَى مَفْعُولٍ، أَيْ: مَحْمُودٌ فِي ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ بِأَلْسِنَةِ خَلْقِهِ، أَوْ بِمَعْنَى فَاعِلٍ فَإِنَّهُ يَحْمَدُ ذَاتَهُ وَأَوْلِيَاءَهُ، وَفِي الْحَقِيقَةِ هُوَ الْحَامِدُ وَهُوَ الْمَحْمُودُ، (" مَجِيدٌ ") ، أَيْ: عَظِيمٌ كَرِيمٌ، (" «اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ» ") ، أَيْ: أَثْبِتْ وَأَدُمْ مَا أَعْطَيْتَهُ مِنَ التَّشْرِيفِ وَالْكَرَامَةِ، وَأَصْلُهُ مِنْ (بَرَكَ الْبَعِيرُ) إِذَا أَنَاخَ فِي مَوْضِعِهِ وَلَزِمَهُ، وَتُطْلَقُ الْبَرَكَةُ عَلَى الزِّيَادَةِ، وَالْأَصْلُ هُوَ الْأَوَّلُ (" «وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ» ) : وَصَحَّ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ زِيَادَةُ: " فِي الْعَالَمِينَ " هُنَا وَثَمَّةَ وَهِيَ مُتَعَلِّقَةٌ، بِمَحْذُوفٍ دَلَّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ، أَيْ: أَظْهِرِ الصَّلَاةَ وَالْبَرَكَةَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ فِي الْعَالَمِينَ، كَمَا أَظْهَرْتَهُمَا عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَآلِهِ فِي الْعَالَمِينَ (" إِنَّكَ حُمَيْدٌ مَجِيدٌ ") : وَهُنَا زِيَادَةٌ عَلَى أَصْلِ السُّؤَالِ وَوَقَعَ تَتْمِيمًا لِلْكَمَالِ، (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) : قَالَ مِيرَكُ: وَلَفْظُهُ لِلْبُخَارِيِّ، وَرَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ، (إِلَّا أَنَّ مُسْلِمًا لَمْ يَذْكُرْ " عَلَى إِبْرَاهِيمَ " فِي الْوَضْعَيْنِ) : وَقَالَ الْأَبْهَرِيُّ: وَلَمْ يَذْكُرِ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا فِي الثَّانِي، وَقَالَ: وَبَارِكْ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ اهـ.
فَالْآلُ مُقْحَمَةٌ أَوْ فِيهِ تَغْلِيبٌ، أَيْ: آلِ إِبْرَاهِيمَ مَعَهُ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: فَهِيَ مِنْ زِيَادَاتِ الْبُخَارِيِّ هُنَا، وَسَيَأْتِي أَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ كَعْبٍ، إِلَّا أَنَّهُمَا لَمْ يَذْكُرَا: كَيْفَ الصَّلَاةُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهَا الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، كَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الْحُفَّاظِ، فَعَجِيبٌ إِدْرَاجُ الْمُؤَلِّفِ وَأَصْلُهُ لَهَا فِي رِوَايَتَيْهِمَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute