للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

٣٧ - وَعَنْ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «مَنْ مَاتَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ» " رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

ــ

٣٧ - (وَعَنْ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) هُوَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، وَيُكَنَّى أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الْأُمَوِيُّ الْقُرَشِيُّ، وَكَانَ إِسْلَامُهُ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ عَلَى يَدَيْ أَبِي بَكْرٍ قَبْلَ دُخُولِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَارَ الْأَرْقَمِ، وَهَاجَرَ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ الْهِجْرَتَيْنِ، وَلَمْ يَشْهَدْ بَدْرًا؛ لِأَنَّهُ تَخَلَّفَ بِمَرَضِ رُقَيَّةَ بِنْتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَضَرَبَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهَا بِسَهْمٍ، وَلَمْ يَشْهَدِ الْحُدَيْبِيَةَ بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ بَعْثَهُ إِلَى مَكَّةَ فِي أَمْرِ الصُّلْحِ، فَلَمَّا كَانَتِ الْبَيْعَةُ ضَرَبَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدَهُ عَلَى يَدِهِ، وَقَالَ: هَذِهِ لِعُثْمَانَ، وَسُمِّي ذَا النُّورَيْنِ لِجَمْعِهِ بَيْنَ بِنْتَيْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رُقَيَّةَ وَأُمِّ كُلْثُومٍ. كَانَ أَبْيَضَ، رَبْعَةً، حَسَنَ الْوَجْهِ، اسْتُخْلِفَ أَوَّلَ يَوْمٍ مِنَ الْمُحَرَّمِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ، وَقَتَلَهُ الْأَسْوَدُ النَّجِيبِيُّ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ، وَقِيلَ: غَيْرُهُ، وَدُفِنَ لَيْلَةَ السَّبْتِ بِالْبَقِيعِ، وَلَهُ يَوْمَئِذٍ مِنَ الْعُمْرِ اثْنَتَانِ وَثَمَانُونَ سَنَةً، وَكَانَتْ خِلَافَتُهُ اثْنَتَيْ عَشْرَةً سَنَةً إِلَّا أَيَّامًا. وَرَوَى عَنْهُ خَلْقٌ كَثِيرٌ. (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (مَنْ مَاتَ وَهُوَ يَعْلَمُ) أَيْ عِلْمًا يَقِينًا سَوَاءٌ قَدَرَ عَلَى الْإِقْرَارِ اللِّسَانِيِّ وَأَقَرَّ، أَوْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ وَاكْتَفَى بِالْقَلْبِ، أَوْ جَهِلَ وُجُوبَهُ، أَوْ لَمْ يُطَالِبْ بِهِ، أَوْ أَتَى بِهِ، إِذْ لَيْسَ فِيهِ مَا يَنْفِي تَلَفُّظُهُ بِهِ (أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ) وَهَذِهِ الْكَلِمَةُ عَلَمٌ لِكَلِمَتَيِ الشَّهَادَةِ، وَلِذَا اقْتَصَرَ عَلَيْهَا (دَخَلَ الْجَنَّةَ) إِمَّا دُخُولًا أَوَّلِيًّا إِنْ لَمْ يَصْدُرْ عَنْهُ ذَنْبٌ بَعْدَ الْإِيمَانِ، أَوْ أَذْنَبَ وَتَابَ، أَوْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ. أَوْ دُخُولًا أُخْرَوِيًّا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضَيِّعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا، أَوْ مَعْنَاهُ اسْتَحَقَّ دُخُولَ الْجَنَّةِ. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي الْإِحْيَاءِ: مَنْ يُوجَدُ مِنْهُ التَّصْدِيقُ بِالْقَلْبِ فَقَبْلَ أَنْ يَنْطِقَ بِاللِّسَانِ أَوْ يَشْتَغِلَ بِالْعِبَادَةِ مَاتَ، فَهَلْ هُوَ مُؤْمِنٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى؟ فَفِيهِ اخْتِلَافٌ، فَمَنْ شَرَطَ الْقَوْلَ لِتَمَامِ الْإِيمَانِ يَقُولُ: هَذَا مَاتَ قَبْلَ الْإِيمَانِ، وَهَذَا فَاسِدٌ؛ إِذْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: ( «يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنَ الْإِيمَانِ» ) وَهَذَا قَلْبُهُ طَافِحٌ بِالْإِيمَانِ، وَمَنْ صَدَّقَ بِالْقَلْبِ وَسَاعَدَهُ الْوَقْتُ لِلنُّطْقِ بِكَلِمَتَيِ الشَّهَادَةِ، وَعَلِمَ وُجُوبَهُمَا، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَنْطِقْ بِهِمَا، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُجْعَلَ امْتِنَاعُهُ عَنِ النُّطْقِ بِمَنْزِلَةِ امْتِنَاعِهِ عَنِ الصَّلَاةِ، وَيُقَالُ: هُوَ مُؤْمِنٌ غَيْرُ مُخَلَّدٍ فِي النَّارِ اهـ.

وَفِيهِ أَنَّهُ قِيَاسٌ مَعَ الْفَارِقِ، فَإِنَّ الْإِقْرَارَ إِمَّا شَرْطٌ لِلْإِيمَانِ، أَوْ شَطْرٌ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الصَّلَاةُ لِلْإِيمَانِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَكَأَنَّهُ عِنْدَ الْإِمَامِ مِنْ وَاجِبَاتِ الْإِسْلَامِ، وَفِيهِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا قِيلَ بِكُفْرِ أَبِي طَالِبٍ، فَلَوْ عَبَّرَ بِتَرْكِهِ بَدَلَ امْتِنَاعِهِ كَانَ لَهُ وَجْهٌ وَجِيهٌ. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .

<<  <  ج: ص:  >  >>