للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

" فِي الْخَبَرِ: إِنَّ الْفُقَرَاءَ شَكَوْا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْقَ الْأَغْنِيَاءِ بِالْخَيْرَاتِ وَالصَّدَقَاتِ وَالْحَجِّ وَالْجِهَادِ، فَعَلَّمَهُمْ كَلِمَاتٍ فِي التَّسْبِيحِ، وَذَكَرَ لَهُمْ أَنَّهُمْ يَنَالُونَ بِهَا مَا فَوْقَ مَا نَالَهُ الْأَغْنِيَاءُ، فَعَلِمَ الْأَغْنِيَاءُ بِذَلِكَ، فَكَانُوا يَقُولُونَهُ فَعَادُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرُوهُ، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: " ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ " قَالَ: " وَفِيهِ نَظَرٌ ; لِأَنَّ الْخَبَرَ قَدْ وَرَدَ مُفَصَّلًا تَفْصِيلًا يَدُلُّ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ، وَهُوَ أَنَّ ثَوَابَ الْفَقِيرِ فِي التَّسْبِيحِ يَزِيدُ عَلَى ثَوَابِ الْغَنِيِّ، وَأَنَّ فَوْزَهُمْ بِذَلِكَ الثَّوَابِ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ.

فَقَدْ رَوَى زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: بَعَثَ الْفُقَرَاءُ [رَسُولًا] إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي رَسُولُ الْفُقَرَاءِ إِلَيْكَ، فَقَالَ: " «مَرْحَبًا بِكَ وَبِمَنْ جِئْتَ مِنْ عِنْدَهُمْ جِئْتَ مِنْ عِنْدِ قَوْمٍ أَحَبَّهُمُ اللَّهُ "، قَالَ: قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّ الْأَغْنِيَاءَ ذَهَبُوا بِالْجَنَّةِ، يَحُجُّونَ وَلَا نَقْدِرُ عَلَيْهِ، وَيَعْتَمِرُونَ وَلَا نَقْدِرُ عَلَيْهِ، وَإِذَا مَرِضُوا بَعَثُوا بِفَضْلِ أَمْوَالِهِمْ ذَخِيرَةً لَهُمْ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بَلِّغْ عَنِ الْفُقَرَاءِ أَنَّ لِمَنْ صَبَرَ وَاحْتَسَبَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ خِصَالٍ لَيْسَتْ لِلْأَغْنِيَاءِ، أَمَّا خَصْلَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِنَّ فِي الْجَنَّةِ غُرَفًا يَنْظُرُ إِلَيْهَا أَهْلُ الْجَنَّةِ، كَمَا يَنْظُرُ أَهْلُ الْأَرْضِ إِلَى نُجُومِ السَّمَاءِ لَا يَدْخُلُهَا إِلَّا نَبِيٌّ فَقِيرٌ، أَوْ شَهِيدٌ فَقِيرٌ، أَوْ مُؤْمِنٌ فَقِيرٌ.

وَالثَّانِيَةُ: يَدْخُلُ الْفُقَرَاءُ الْجَنَّةَ قَبْلَ الْأَغْنِيَاءِ بِنِصْفِ يَوْمٍ وَهُوَ خَمْسُمِائَةِ عَامٍ، وَالثَّالِثَةُ: إِذَا قَالَ الْغَنِيُّ: [سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ] ، وَقَالَ الْفَقِيرُ مِثْلَ ذَلِكَ لَمْ يَلْحَقِ الْغَنِيُّ بِالْفَقِيرِ، وَلَوْ أَنْفَقَ فِيهَا عَشَرَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ، وَكَذَلِكَ أَعْمَالُ الْبِرِّ كُلُّهَا "، فَرَجَعَ إِلَيْهِمْ فَأَخْبَرَهُمْ بِمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: رَضِينَا رَضِينَا، فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ: " ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ» "، أَيْ: مَزِيدُ ثَوَابِ الْفُقَرَاءِ عَلَى ذِكْرِهِمْ اهـ، كَلَامُهُ.

وَفِي الْمَسْأَلَةِ أَقْوَالٌ أُخَرُ، مِنْهَا: أَنَّ الْكَفَافَ أَفْضَلُ مِنْهُمَا، وَمِنْهَا: أَنَّ الْفَقِيرَ الشَّاكِرَ أَفْضَلُ مِنَ الْغَنِيِّ الشَّاكِرِ، وَمِنْهَا: أَنَّ التَّسْلِيمَ وَالرِّضَا تَحْتَ الْقَضَاءِ بِحُكْمِ الْمُولَى فِي الْفَقْرِ وَالْغِنَى هُوَ الْأَفْضَلُ، وَلِذَا قَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: الْغِنَى وَالْفَقْرُ مَطِيَّتَانِ لَا أُبَالِي أَيَّهُمَا أَرْكَبُ، وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا} [الإسراء: ٣٠] نَعَمِ اخْتَارَ اللَّهُ الْفَقْرَ لِأَكْثَرِ أَنْبِيَائِهِ وَأَوْلِيَائِهِ وَأَصْفِيَائِهِ، وَاخْتَارَ الْغِنَى لِأَكْثَرِ أَعْدَائِهِ، وَقَلِيلٍ مِنْ أَحِبَّائِهِ، فَاخْتَرْ مَا هُوَ الْمُخْتَارُ، أَوِ اخْتَرْ أَنْ لَا تَخْتَارَ، فَإِنَّ رَبَّكَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ، (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) : قَالَ مِيرَكُ: فِيهِ نَظَرٌ ; لِأَنَّ قَوْلَهُ: يَتَصَدَّقُونَ وَلَا نَتَصَدَّقُ، وَيُعْتِقُونَ وَلَا نُعْتِقُ " مِنْ إِفْرَادِ مُسْلِمٍ.

(وَلَيْسَ قَوْلُ أَبِي صَالِحٍ إِلَى آخِرِهِ إِلَّا عِنْدَ مُسْلِمٍ) : قَالَ مِيرَكُ: الْأَحْسَنُ أَنْ يَقُولَ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ قَوْلِهِ: " «وَتَحْمَدُونَ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ» "، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَزَادَ مُسْلِمٌ: قَالَ أَبُو صَالِحٍ إِلَخْ، (وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ) : قَالَ مِيرَكُ: وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ (" «تُسَبِّحُونَ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ عَشْرًا، وَتَحْمَدُونَ عَشْرًا، وَتُكَبِّرُونَ عَشْرًا " بَدَلَ: ثَلَاثًا» ") : نُصِبَ عَلَى الْحِكَايَةِ (" وَثَلَاثِينَ ") .

<<  <  ج: ص:  >  >>