وَإِثْبَاتَ كَمَالِ الْإِحْسَانِ وَاللُّطْفِ، (قَالَ) : جَوَابُ لَمَّا عَلَى مَا قَالَهُ الطِّيبِيُّ وَاسْتِئْنَافٌ مُبَيِّنٌ لِحُسْنِ التَّعْلِيمِ عَلَى مُخْتَارِ غَيْرِهِ (" إِنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ ") : إِشَارَةٌ إِلَى جِنْسِ الصَّلَاةِ (" لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ ") .
قَالَ الْقَاضِي: أَضَافَ الْكَلَامَ إِلَى النَّاسِ لِيَخْرُجَ مِنْهُ الدُّعَاءُ وَالتَّسْبِيحُ وَالذِّكْرُ، فَإِنَّهُ لَا يُرَادُ بِهَا خِطَابُ النَّاسِ وَإِفْهَامُهُمْ، قَالَ النَّوَوِيُّ: وَفِيهِ أَنَّ مَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَتَكَلَّمَ فَسَبَّحَ أَوْ كَبَّرَ أَوْ قَرَأَ الْقُرْآنَ - لَا يَحْنَثُ، وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ، لَا يَجُوزُ تَشْمِيتُ الْعَاطِسِ فِي الصَّلَاةِ، فَمَنْ فَعَلَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَفِيهِ أَنَّ كَلَامَ الْجَاهِلِ بِالْحُكْمِ لَا يُبْطِلُهَا إِذْ لَمْ يَأْمُرْهُ بِإِعَادَةِ الصَّلَاةِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ مِنَ التَّابِعِينَ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَزَادَ الْأَوْزَاعِيُّ وَقَالَ: إِذَا تَكَلَّمَ عَامِدًا بِشَيْءٍ مِنْ مَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ مِثْلَ: إِنْ قَامَ الْإِمَامُ فِي مَحَلِّ الْقُعُودِ فَقَالَ: اقْعُدْ، أَوْ جَهَرَ فِي مَوْضِعِ السِّرِّ فَأَخْبَرَهُ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ اهـ.
وَإِطْلَاقُ الْحَدِيثِ دَلِيلٌ لَنَا فِي أَنَّ الْكَلَامَ مُطْلَقًا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ، قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: وَقَدْ أَجَابُوا بِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ دَلِيلًا عَلَى الْبُطْلَانِ، بَلْ عَلَى أَنَّهُ مَحْظُورٌ وَالْحَظْرُ لَا يَسْتَلْزِمُ الْإِبْطَالَ، وَلِذَا لَمْ يَأْمُرْهُ بِالْإِعَادَةِ وَإِنَّمَا عَلَّمَهُ أَحْكَامَ الصَّلَاةِ، قُلْنَا: إِنْ صَحَّ فَإِنَّمَا بَيَّنَ الْحَظْرَ حَالَةَ الْعَمْدِ وَالِاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّهُ حَظْرٌ يَرْتَفِعُ إِلَى الْإِفْسَادِ، وَمَا كَانَ مُفْسِدًا حَالَةَ الْعَمْدِ كَانَ كَذَلِكَ حَالَةَ السَّهْوِ لِعَدَمِ الْمُزِيلِ شَرْعًا كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: " «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ» "، فَالْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ رُفِعَ الْإِثْمُ فَلَا يُرَادُ غَيْرُهُ، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: أَجْمَعُوا عَلَى بُطْلَانِهَا بِالْكَلَامِ الْعَمْدِ لِغَيْرِ مَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ، وَاعْتُرِضَ الْإِجْمَاعُ بِأَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ قَالَ: مَنْ قَالَ وَقَدْ مُطِرُوا فِي الصَّلَاةِ: يَا هَذَا خَفِّفْ فَقَدْ مُطِرْنَا، لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ، وَيُرَدُّ بِأَنَّ التَّخْفِيضَ حِينَئِذٍ مِنْ مَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ مَصْلَحَتِهَا، وَجَاءَ فِي خَبَرِ مُسْلِمٍ، «عَنْ زَيْدِ بْنِ الْأَرْقَمِ الْأَنْصَارِيِّ: كُنَّا نَتَكَلَّمُ فِي الصَّلَاةِ يُكَلِّمُ أَحَدُنَا صَاحِبَهُ حَتَّى نَزَلَتْ {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: ٢٣٨] فَأُمِرْنَا بِالسُّكُوتِ وَنُهِينَا عَنِ الْكَلَامِ» ، وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ نَسْخَ الْكَلَامِ إِنَّمَا كَانَ بِالْمَدِينَةِ فِي أَوَاخِرِ الْأَمْرِ ; لِأَنَّ سُورَةَ الْبَقَرَةِ إِنَّمَا نَزَلَتْ كَذَلِكَ ; لِأَنَّ زَيْدًا كَانَ فِي أَوَائِلِ الْهِجْرَةِ صَبِيًّا، وَبِهَذَا يَتَّضِحُ رَدُّ قَوْلِ مَنْ قَالَ: إِنَّ تَحْرِيمَ الْكَلَامِ كَانَ بِمَكَّةَ (" إِنَّمَا هِيَ ") ، أَيِ: الصَّلَاةُ (" التَّسْبِيحُ، وَالتَّكْبِيرُ، وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ ") : قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: اسْتَدَلَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى أَنَّ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ جُزْءٌ مِنَ الصَّلَاةِ، قُلْنَا: " إِنَّمَا هِيَ ذَاتُ التَّسْبِيحِ وَالتَّكْبِيرِ " اهـ.
وَاسْتَدَلَّ أَبُو حَنِيفَةَ عَلَى كَوْنِ التَّحْرِيمَةِ شَرْطًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [الأعلى: ١٥] فَإِنَّ الْعَطْفَ يُفِيدُ التَّغَايُرَ، (أَوْ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي، أَيْ: مِثْلَ مَا قَالَهُ مِنَ التَّسْبِيحِ وَالتَّهْلِيلِ وَالدُّعَاءِ، قَالَهُ الطِّيبِيُّ وَغَيْرُهُ، (قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي حَدِيثُ عَهْدٍ) ، أَيْ: جَدِيدُهُ (بِجَاهِلِيَّةٍ) : مُتَعَلِّقٌ بِعَهْدٍ، وَمَا قَبْلَ وُرُودِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute