للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الشَّرْعِ يُسَمَّى جَاهِلِيَّةً لِكَثْرَةِ جَهَالَتِهِمْ، يَعْنِي انْتَقَلْتُ عَنِ الْكُفْرِ إِلَى الْإِسْلَامِ، وَلَمْ أَعْرِفْ بَعْدُ أَحْكَامِ الدِّينِ (وَقَدْ جَاءَنَا اللَّهُ) ، أَيْ: مَعْشَرَ الْإِسْلَامِ (بِالْإِسْلَامِ) : قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: هَذَا لَا يَتَعَلَّقُ بِمَا قَبْلَهُ، بَلْ شُرُوعٌ فِي ابْتِدَاءِ سُؤَالٍ مِنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ اهـ، وَالْأَظْهَرُ تَعَلُّقُهُ بِمَا قَبْلَهُ اعْتِذَارًا عَمَّا وَقَعَ لَهُ مِنَ الْخَطَأِ، وَابْتِدَاءُ السُّؤَالِ قَوْلُهُ: (وَإِنَّ مِنَّا رِجَالًا يَأْتُونَ الْكُهَّانَ) : بِضَمِّ الْكَافِ جَمْعُ كَاهِنٍ، وَهُوَ مَنْ يَدَّعِي مَعْرِفَةَ الضَّمَائِرِ، قَالَ الطِّيبِيُّ: الْفَرْقُ بَيْنَ الْكَاهِنِ وَالْعَرَّافِ: أَنَّ الْكَاهِنَ يَتَعَاطَى الْأَخْبَارَ عَنِ الْكَوَائِنِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَالْعَرَّافَ يَتَعَاطَى مَعْرِفَةَ الشَّيْءِ الْمَسْرُوقِ وَمَكَانَ الضَّالَّةِ وَنَحْوَهُمَا، وَمِنَ الْكَهَنَةِ مَنْ زَعَمَ أَنَّ جِنِّيًّا يُلْقِي إِلَيْهِ الْأَخْبَارَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَدَّعِي إِدْرَاكَ الْغَيْبِ بِفَهْمٍ أُعْطِيَهُ وَأَمَارَاتٍ يَسْتَدِلُّ بِهَا عَلَيْهِ، (قَالَ: " فَلَا تَأْتِهِمْ ") : قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «مَنْ أَتَى عَرَّافًا أَوْ كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ» "، رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ كَمَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلسُّيُوطِيِّ، (قُلْتُ: وَمِنَّا رِجَالٌ يَتَطَيَّرُونَ) : فِي النِّهَايَةِ: الطِّيَرَةُ بِكَسْرِ الطَّاءِ وَفَتْحِ الْيَاءِ وَقَدْ تُسَكَّنُ، هِيَ التَّشَاؤُمُ بِالشَّيْءِ وَهِيَ مَصْدَرُ تَطَيَّرَ طِيَرَةً، كَمَا تَقُولُ: تَخَيَّرَ خِيَرَةً وَلَمْ يَجِئْ مِنَ الْمَصَادِرِ غَيْرُهُمَا هَكَذَا قِيلَ، وَأَصْلُ التَّطَيُّرِ التَّفَاؤُلُ بِالطَّيْرِ، وَاسْتُعْمِلَ لِكُلِّ مَا يُتَفَاءَلُ بِهِ وَيُتَشَاءَمُ، وَقَدْ كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَتَطَيَّرُونَ بِالصَّيْدِ كَالطَّيْرِ وَالظَّبْيِ، فَيَتَيَمَّنُونَ بِالسَّوَانِحِ وَيَتَشَاءَمُونَ بِالْبَوَارِحِ، وَالْبَوَارِحُ عَلَى مَا فِي الْقَامُوسِ مِنَ الصَّيْدِ مَا مَرَّ مِنْ مَيَامِنِكَ إِلَى مَيَاسِرِكَ وَالسَّوَانِحُ ضِدُّهَا، وَكَانَ ذَلِكَ يَصُدُّهُمْ عَنْ مَقَاصِدِهِمْ وَيَمْنَعُهُمْ عَنِ السَّيْرِ إِلَى مَطَالِبِهِمْ فَنَفَاهُ الشَّرْعُ وَأَبْطَلَهُ وَنَهَاهُمْ عَنْهُ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ لَا تَأْثِيرَ لَهُ حَيْثُ قَالَ: " «اللَّهُمَّ لَا طَيْرَ إِلَّا طَيْرُكَ، وَلَا خَيْرَ إِلَّا خَيْرُكَ، وَلَا إِلَهَ غَيْرُكَ،» " «اللَّهُمَّ لَا يَأْتِي بِالْحَسَنَاتِ إِلَّا أَنْتَ وَلَا يَذْهَبُ بِالسَّيِّئَاتِ إِلَّا أَنْتَ» (" قَالَ: " ذَاكَ ") ، أَيِ: التَّطَيُّرُ (بِشَيْءٍ يَجِدُونَهُ فِي صُدُورِهِمْ ") : يَعْنِي: هَذَا وَهْمٌ يَنْشَأُ مِنْ نُفُوسِهِمْ لَيْسَ لَهُ تَأْثِيرٌ فِي اجْتِلَابِ نَفْعٍ أَوْ ضُرٍّ، وَإِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ يُسَوِّلُهُ الشَّيْطَانُ وَيُزَيِّنُهُ حَتَّى يَعْمَلُوا بِقَضِيَّتِهِ لِيَجُرَّهُمْ بِذَلِكَ إِلَى اعْتِقَادِ مُؤَثِّرٍ غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ كُفْرٌ صُرَاحٌ بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ، (" فَلَا يَصُدَّنَّهُمْ ") ، أَيْ: لَا يَمْنَعُهُمُ التَّطَيُّرُ مِنْ مَقَاصِدِهِمْ ; لِأَنَّهُ لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ مَا يَتَوَهَّمُونَهُ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ: أَيْ لَا يَمْنَعَنَّهُمْ عَمَّا يَتَوَجَّهُونَ إِلَيْهِ مِنَ الْمَقَاصِدِ، أَوْ مِنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ مَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ مِنَ الْوَهْمِ، فَالنَّهْيُ وَارِدٌ عَلَى مَا يَتَوَهَّمُونَهُ ظَاهِرًا وَهُمْ مَنْهِيُّونَ فِي الْحَقِيقَةِ عَنْ مُزَاوَلَةِ مَا يُوقِعُهُمْ مِنَ

<<  <  ج: ص:  >  >>