الْوَهْمِ فِي [الصَّدْرِ] ، (قَالَ) ، أَيْ: مُعَاوِيَةُ ( «قُلْتُ: وَمِنَّا رِجَالٌ يَخُطُّونَ، قَالَ: كَانَ نَبِيٌّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ يَخُطُّ» ") ، أَيْ: فَيُعْرَفُ بِالْفِرَاسَةِ بِتَوَسُّطِ تِلْكَ الْخُطُوطِ، قِيلَ: هُوَ إِدْرِيسُ أَوْ دَانْيَالُ عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، (" فَمَنْ وَافَقَ ") : ضَمِيرُ الْفَاعِلِ رَاجِعٌ إِلَى " مِنْ "، أَيْ: فَمَنْ وَافَقَ فِيمَا يَخُطُّهُ (" خَطَّهُ ") : بِالنَّصْبِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَنَقَلَ السَّيِّدُ جَمَالُ الدِّينِ عَنِ الْبَيْضَاوِيِّ أَنَّ الْمَشْهُورَ خَطَّهُ بِالنَّصْبِ، فَيَكُونُ الْفَاعِلُ مُضْمَرًا وَرُوِيَ مَرْفُوعًا، فَيَكُونُ الْمَفْعُولُ مَحْذُوفًا اهـ.
أَيْ: مَنْ وَافَقَ خَطُّهُ خَطَّهُ أَيْ خَطَّ ذَلِكَ النَّبِيِّ فِي الصُّورَةِ وَالْحَالَةِ، وَهِيَ قُوَّةُ الْخَاطِّ فِي الْفِرَاسَةِ وَكَمَالُهُ فِي الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ الْمُوجِبَةِ لَهَا، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: أَيْ فِي الصُّورَةِ وَقُوَّةِ الْفِرَاسَةِ الَّتِي هِيَ نُورٌ فِي الْقَلْبِ يُلْقِيهِ اللَّهُ فِيهِ حَتَّى يَنْكَشِفَ بَعْضُ الْمُغَيَّبَاتِ عِيَانًا، وَإِنَّمَا نَشَأَ ذَلِكَ عَنِ التَّحَلِّي بِكَمَالِ مَرْتَبَتَيِ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ، كَمَا يُشِيرُ إِلَيْهِ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ " «إِنَّ فِي أُمَّتِي مُلْهَمُونَ» " وَقَوْلُهُ: " «مَنْ أَخْلَصَ لِلَّهِ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا ظَهَرَتْ يَنَابِيعُ الْحِكْمَةِ مِنْ قَلْبِهِ عَلَى لِسَانِهِ» "، (" فَذَاكَ ") ، أَيْ: فَذَاكَ مُصِيبٌ أَوْ يُصِيبُ أَوْ يَعْرِفُ الْحَالَ بِالْفِرَاسَةِ كَذَاكَ النَّبِيِّ، وَهُوَ كَالتَّعْلِيقِ بِالْمُحَالِ، قَالَ الْخَطَّابُ: إِنَّمَا قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: مَنْ وَافَقَ خَطَّهُ فَذَاكَ " عَلَى سَبِيلِ الزَّجْرِ، وَمَعْنَاهُ لَا يُوَافِقُ خَطُّ أَحَدٍ خَطَّ ذَلِكَ النَّبِيِّ ; لِأَنَّ خَطَّهُ كَانَ مُعْجِزَةً، قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: لِأَنَّهُمْ مَا كَانُوا صَادَفُوا خَطَّ ذَلِكَ النَّبِيِّ حَتَّى يُعْرَفَ الْمُوَافَقَةُ مِنَ الْمُخَالَفَةِ لِأَنَّ خَطَّهُ كَانَ عَلَمًا لِنُبُوَّتِهِ، وَقَدِ انْقَضَتْ وَالشَّيْءُ إِذَا عُلِّقَ بِأَمْرٍ مُمْتَنِعٍ فَهُوَ مُمْتَنِعٌ.
قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَلَمْ يُصَرِّحْ بِالنَّهْيِ عَنِ الِاشْتِغَالِ بِالْخَطِّ لِنِسْبَتِهِ لِبَعْضِ الْأَنْبِيَاءِ لِئَلَّا يَتَطَرَّقَ الْوَهْمُ إِلَى مَا لَا يَلِيقُ بِكَمَالِهِمْ، وَإِنْ كَانَتْ فُرُوعُ الْأَحْكَامِ مُخْتَلِفَةً بِاخْتِلَافِ الشَّرَائِعِ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الْمُحَرِّمُونَ لِعِلْمِ الرَّمْلِ - وَهُمْ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ -: لَا يُسْتَدَلُّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى إِبَاحَتِهِ لِأَنَّهُ عَلَّقَ الْإِذْنَ فِيهِ عَلَى مُوَافَقَةِ خَطِّ ذَلِكَ النَّبِيِّ، وَمُوَافَقَتُهُ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ، إِذْ لَا تُعْلَمُ إِلَّا مِنْ تَوَاتُرٍ أَوْ نَصٍّ مِنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، أَوْ مِنْ أَصْحَابِهِ أَنَّ الْأَشْكَالَ الَّتِي لِأَهْلِ عِلْمِ الرَّمْلِ كَانَتْ لِذَلِكَ النَّبِيِّ، وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ فَاتَّضَحَ تَحْرِيمُهُ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْخَطُّ مَا يَخُطُّهُ الْحَازِي، وَهُوَ عِلْمٌ قَدْ تَرَكَهُ النَّاسُ يَعْنِي لِعَدَمِ فَائِدَتِهِ يَأْتِي صَاحِبُ الْحَاجَةِ الْحَازِيَ فَيُعْطِيهِ حَلْوَانًا أَوْ شَيْئًا مِنَ الْأُجْرَةِ، وَبَيْنَ يَدَيِ الْحَازِي غُلَامٌ مَعَهُ مَيْلٌ، فَيَأْتِي إِلَى أَرْضٍ رَخْوَةٍ أَوْ خَشَبٍ فَيَخُطُّ خُطُوطًا بِالْعَجَلَةِ كَيْلَا يَلْحَقَهَا الْعَدَدُ، ثُمَّ يَمْحُو مِنْهَا خَطَّيْنِ خَطَّيْنِ عَلَى مُهْلَةٍ، فَإِنْ بَقِيَ خَطَّانِ فَهُوَ عَلَّامَةُ النَّجْحِ، وَإِنْ بَقِيَ وَاحِدٌ فَهُوَ عَلَّامَةُ الْخَيْبَةِ، قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ، الْمُشَارُ إِلَيْهِ عِلْمٌ مَعْرُوفٌ، وَلِلنَّاسِ فِيهِ تَصَانِيفُ كَثِيرَةٌ، وَهُوَ مَعْمُولٌ بِهِ إِلَى الْآنِ، وَلَهُمْ فِيهِ أَوْضَاعٌ وَعَلَامَاتٌ وَاصْطِلَاحَاتٌ وَأَسْهَامٌ وَأَعْمَالٌ كَثِيرَةٌ، وَيَسْتَخْرِجُونَ بِهِ الضَّمِيرَ وَغَيْرَهُ، وَكَثِيرًا مَا يُصِيبُونَ فِيهِ أَيْ بِحَسَبِ الِاتِّفَاقِ كَمَا أَنَّ كَثِيرًا مَا يُخْطِئُونَ فِيهِ، بَلِ الْخَطَأُ أَكْثَرُ ; لِأَنَّ كَذِبَهُمْ أَظْهَرُ، قَالَ مِيرَكُ: وَالْحَازِي بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالزَّايِ الَّذِي يَحْزِرُ الْأَشْيَاءَ وَيُقَدِّرُهَا بِظَنِّهِ، وَيُقَالُ لِلْمُنَجِّمِ: الْحَازِي لِأَنَّهُ يَنْظُرُ فِي النُّجُومِ وَأَحْكَامِهَا بِظَنِّهِ وَتَقْدِيرِهِ، وَالْحَازِي أَيْضًا الْكَاهِنُ، (رَوَاهُ مُسْلِمٌ: قَالَ مِيرَكُ: وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَأَحْمَدُ، (قَوْلُهُ: لَكِنِّي سَكَتُّ، هَكَذَا وُجِدَتْ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، وَكِتَابِ الْحُمَيْدِيِّ، وَصُحِّحَ فِي جَامِعِ الْأُصُولِ بِلَفْظَةِ: كَذَا، فَوْقَ: لَكِنِّي) ، أَيْ: كَذَا فِي الرِّوَايَةِ لَفْظُ لَكِنِّي مَسْطُورٌ دَفْعًا لِوَهْمِ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ بِمَذْكُورٍ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ " لَكِنِّي " ثَابِتٌ فِي الْأُصُولِ، لَكِنَّهُ سَاقِطٌ فِي الْمَصَابِيحِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute