(- قَالَ ابْنُ سِيرِينَ: قَدْ سَمَّاهَا أَبُو هُرَيْرَةَ) ، أَيْ: تِلْكَ الصَّلَاةُ بِالْخُصُوصِ، (وَلَكِنْ نَسِيتُ أَنَا -) : قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ: وَظَنِّي أَنَّهَا الْعَصْرُ أَوِ الْعِشَاءُ، ثُمَّ قَالَ: وَإِحْدَى صَلَاتَيْهِ هُنَا الظُّهْرُ أَوِ الْعَصْرُ، كَمَا أَفْصَحَتْ بِهِ رِوَايَةُ مُسْلِمٍ، لَكِنْ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لَهُ أَيْضًا: بَيْنَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَاةَ الْعَصْرِ، وَلِصِحَّةِ الرِّوَايَتَيْنِ قَالَ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ: إِنَّ وَاقِعَةَ أَبِي هُرَيْرَةَ مُتَعَدِّدَةٌ، فَكَانَتْ مَرَّةً فِي الظُّهْرِ وَمَرَّةً فِي الْعَصْرِ، قُلْتُ: الْأَظْهَرُ أَنَّ الْقَضِيَّةَ مُتَّحِدَةٌ وَالصَّلَاةَ هِيَ الْعَصْرُ، فَإِنَّهَا مَجْزُومَةٌ فِي جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ، وَإِنَّمَا التَّرَدُّدُ فِي غَيْرِهَا فَيُتْرَكُ الشَّكُّ وَيُعْمَلُ بِالْمُتَيَقَّنِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
(قَالَ) ، أَيْ: أَبُو هُرَيْرَةَ (فَصَلَّى بِنَا رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ فَقَامَ) ، أَيْ: مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَأَتَى (إِلَى خَشَبَةٍ مَعْرُوضَةٍ) ، أَيْ: مَطْرُوحَةٍ وَمَوْضُوعَةٍ بِالْعَرْضِ، كَقَوْلِهِمْ: عَرَّضْتُ الْعُودَ عَلَى الْإِنَاءِ، (فِي الْمَسْجِدِ) ، أَيْ، بِمُقَدَّمِهِ كَمَا فِي رِوَايَةٍ، قِيلَ: يُحْتَمَلُ أَنَّهَا الْجِذْعُ الَّذِي كَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَخْطُبُ مُسْتَنِدًا إِلَيْهِ قَبْلَ اتِّخَاذِ الْمِنْبَرِ اهـ، وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ مُسْلِمٍ: جِذْعًا فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ، لَكِنْ يَبْعُدُ ذَلِكَ التَّعْبِيرُ بِنَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ، (فَاتَّكَأَ عَلَيْهَا كَأَنَّهُ غَضْبَانُ) : وَلَعَلَّ غَضَبَهُ لِتَأْثِيرِ التَّرَدُّدِ وَالشَّكِّ فِي فِعْلِهِ، وَكَأَنَّهُ كَانَ غَضْبَانَ فَوَقَعَ لَهُ الشَّكُّ لِأَجْلِ غَضَبِهِ (وَوَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ) ، أَيْ: أَدْخَلَ بَعْضَهَا فِي بَعْضٍ مِنْ فَوْقِ الْكَفِّ (وَوَضَعَ خَدَّهُ الْأَيْمَنَ عَلَى ظَهْرِ كَفِّهِ الْيُسْرَى) : وَفِي نُسْخَةٍ: الْأَيْسَرِ، وَهَذَا كُلُّهُ مَبْنِيٌّ مِنْهُ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ فَرَغَ مِنَ الصَّلَاةِ، فَلَا يُنَافِي مَا سَبَقَ مِنَ النَّهْيِ عَنِ الِتَّشْبِيكِ فِي الْمُتَوَجِّهِ إِلَى الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ فِي الصَّلَاةِ حُكْمًا وَثَوَابًا، قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: تَشْبِيكُ الْأَصَابِعِ إِنْ كَانَ لِمَدِّ الْأَصَابِعِ وَالِاسْتِرَاحَةِ، أَوْ لِأَخْذِ الْيَدَيْنِ عَلَى الرُّكْبَتَيْنِ لِيَتَمَكَّنَ مِنَ الْجُلُوسِ، أَوْ لِوَضْعِ الْوَجْهِ أَوِ الرَّأْسِ عَلَى الرُّكْبَتَيْنِ فَغَيْرُ مَكْرُوهٍ، وَإِنْ كَانَ لِلَعِبٍ فَمَكْرُوهٌ اهـ.
وَهُوَ عَجِيبٌ ; لِأَنَّ التَّشْبِيكَ مُطْلَقٌ فِي الصَّلَاةِ وَحَالِ الْقَصْدِ إِلَيْهَا مَكْرُوهٌ، وَأَمَّا خَارِجَ الصَّلَاةِ وَلَوْ كَانَ لِلَعِبٍ فَمُبَاحٌ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ: صَلَّى الْعَصْرَ فَسَلَّمَ فِي ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ، ثُمَّ دَخَلَ مَنْزِلَهُ، وَسَيَأْتِي مَعَ بَيَانِ أَنَّهَا وَاقِعَةٌ أُخْرَى، (وَخَرَجَتْ سَرَعَانُ النَّاسِ) : بِفَتْحِ السِّينِ وَالرَّاءِ وَيُسَكَّنُ جَمْعُ: سَرِيعٍ، وَرُوِيَ بِكَسْرٍ فَسُكُونٍ وَرُدَّ بِأَنَّهُ خَطَأٌ، وَفِي نُسْخَةٍ " الْقَوْمِ " بَدَلَ " النَّاسِ "، (مِنْ أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ) : قَالَ الطِّيبِيُّ: سَرَعَانُ مَرْفُوعٌ عَلَى أَنَّهُ فَاعِلُ خَرَجَتْ تَدُلُّ عَلَيْهِ الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى لِلْبُخَارِيِّ " خَرَجَ سَرَعَانُ "، وَفِيهِ أَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَ الْفَاعِلِيَّةِ حَتَّى يَحْتَاجَ إِلَى الْأَدِلَّةِ النَّقْلِيَّةِ، وَفِي النِّهَايَةِ: السَّرَعَانُ، بِفَتْحِ السِّينِ وَالرَّاءِ: أَوَائِلُ النَّاسِ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ إِلَى الشَّيْءِ، وَيَجُوزُ تَسْكِينُ الرَّاءِ نَقَلَهُ الطِّيبِيُّ، قَالَ الْعَسْقَلَانِيُّ: وَحَكَى عِيَاضٌ أَنَّ الْأَصِيلِيَّ ضَبَطَ بِضَمٍّ ثُمَّ إِسْكَانٍ كَأَنَّهُ جَمْعُ سَرِيعٍ، (فَقَالُوا: قَصُرَتْ) : بِالْفَتْحِ وَالضَّمِّ، أَيْ: صَارَتْ قَصِيرَةً، قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهَذَا أَرْجَحُ وَأَكْثَرُ نَقَلَهُ الْعَسْقَلَانِيُّ، وَقِيلَ بِالضَّمِّ وَالْكَسْرِ، أَيْ: إِنَّ اللَّهَ قَصَرَهَا (الصَّلَاةُ) : بِالرَّفْعِ عَلَى الْفَاعِلِيَّةِ أَوِ النِّيَابَةِ (وَفِي الْقَوْمِ) : أَيِ الْبَاقِي فِي الْمَسْجِدِ (أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، فَهَابَاهُ) ، أَيْ: عَظَّمَاهُ فَضْلًا عَنْ غَيْرِهِمَا (أَنْ يُكَلِّمَاهُ) ، مِمَّا وَقَعَ لَهُ أَنَّهُ سَهْوٌ أَوْ عَمْدٌ، فَـ " أَنْ يُكَلِّمَاهُ ": بَدَلُ اشْتِمَالٍ مِنْ ضَمِيرِ " هَابَاهُ " لِبَيَانِ أَنَّ الْمَقْصُودَ هَيْبَةُ تَكْلِيمِهِ، لَا نَحْوَ نَظَرِهِ وَاتِّبَاعِهِ، فَلَا يُنَافِي الْحَدِيثَ الْحَسَنَ: " «كَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَخْرُجُ عَلَى أَصْحَابِهِ فَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِ أَحَدٌ مِنْهُمْ سِوَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَإِنَّهُمَا كَانَا يَنْظُرَانِ إِلَيْهِ وَيَنْظُرُ إِلَيْهِمَا وَيَتَبَسَّمَانِ إِلَيْهِ وَيَتَبَسَّمُ إِلَيْهِمَا» "، قَالَ الطِّيبِيُّ، أَيْ: فَخَشِيَا أَنْ يُكَلِّمَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي نُقْصَانِ الصَّلَاةِ، قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: إِعْظَامًا لِمَا ظَهَرَ عَلَيْهِ مِنْ أَثَرِ الْغَضَبِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute