للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَفِي رِوَايَةٍ سَنَدُهَا حَسَنٌ عَنْ ذِي الْيَدَيْنِ نَفْسِهِ أَنَّهُ لَمَّا قَامَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - تَبِعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَخَرَجَ سَرَعَانُ النَّاسِ، (وَفِي الْقَوْمِ رَجُلٌ فِي يَدَيْهِ طُولٌ) ، أَيْ: كَانَتْ يَدَاهُ أَطْوَلُ مِنْ يَدَيِ الْقَوْمِ (يُقَالُ لَهُ: ذُو الْيَدَيْنِ) : وَفِي رِوَايَةٍ: يَدْعُوهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَا الْيَدَيْنِ إِمَّا لِطُولِ يَدِهِ حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا كِنَايَةً عَنِ الْبَذْلِ وَالْعَمَلِ، قِيلَ: اسْمُهُ: خِرْبَاقٌ السُّلَمِيُّ الْحِجَازِيُّ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ: خِرْبَاقٌ لَقَبٌ لَهُ وَاسْمُهُ: عُمَيْرٌ وَيُكَنَّى أَبَا مُحَمَّدٍ، وَقَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي جَامِعِ الْأُصُولِ: إِنَّ ذَا الْيَدَيْنِ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ يُقَالُ لَهُ الْخِرْبَاقُ، صَحَابِيٌّ حِجَازِيٌّ، شَهِدَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ سَهَا فِي صَلَاتِهِ، وَقِيلَ لَهُ أَيْضًا ذُو الشِّمَالَيْنِ، فِيمَا رَوَاهُ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: ذُو الْيَدَيْنِ غَيْرُ ذِي الشِّمَالَيْنِ، وَإِنَّ ذَا الْيَدَيْنِ هُوَ الَّذِي جَاءَ ذِكْرُهُ فِي سُجُودِ السَّهْوِ وَأَنَّهُ الْخِرْبَاقُ، وَأَمَّا ذُو الشِّمَالَيْنِ فَإِنَّهُ: عُمَيْرُ بْنُ عَبْدِ عَمْرٍو، قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: هُوَ خُزَاعِيٌّ قَدِمَ مَكَّةَ، أَبُوهُ شَهِدَ بَدْرًا وَقُتِلَ بِهَا، قَالَ: وَذُو الْيَدَيْنِ عَاشَ حَتَّى رَوَى عَنْهُ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنَ التَّابِعِينَ، وَحَدِيثُ سُجُودِ السَّهْوِ قَدْ شَهِدَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ وَرَوَاهُ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ. أَسْلَمَ عَامَ خَيْبَرَ بَعْدَ بَدْرٍ بِأَعْوَامٍ، فَبِهَذَا تَبَيَّنَ لَكَ أَنَّ ذَا الْيَدَيْنِ غَيْرُ ذِي الشِّمَالَيْنِ.

وَكَانَ الزُّهْرِيُّ مَعَ عِلْمِهِ بِالْمَغَازِي وَجَلَالَةِ قَدْرِهِ يَقُولُ: إِنَّ ذَا الْيَدَيْنِ هُوَ ذُو الشِّمَالَيْنِ الْمَقْتُولُ بِبَدْرٍ، وَإِنَّ قِصَّةَ السَّهْوِ كَانَتْ قَبْلَ بَدْرٍ ثُمَّ أُحْكِمَتِ الْأُمُورُ، قَالَ: وَذَلِكَ وَهْمٌ مِنْهُ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ: قَدِ اضْطَرَبَ الزُّهْرِيُّ فِي حَدِيثِ ذِي الْيَدَيْنِ اضْطِرَابًا يُوجِبُ رَدَّ الْحَدِيثِ مِنْ رِوَايَتِهِ خَاصَّةً، وَأَهْلُ الْحَدِيثِ تَرَكُوهُ لِاضْطِرَابِهِ، وَأَنَّهُ لَمْ يُتِمَّ لَهُ إِسْنَادًا وَلَا مَتْنًا وَإِنْ كَانَ إِمَامًا عَظِيمًا، فَإِنَّ الْغَلَطَ لَا يَسْلَمُ مِنْهُ بَشَرٌ، وَالْكَمَالُ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ، وَكُلُّ أَحَدٍ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ وَيُتْرَكُ إِلَا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَسِيتَ) : بِالْخِطَابِ (أَمْ قَصُرَتِ الصَّلَاةُ؟) : بِالْوَجْهَيْنِ وَأَمَّا بِفَتْحَتَيْنِ فَمُتَعَدٍّ فَـ " مِنْ " فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ} [النساء: ١٠١] إِمَّا زَائِدَةٌ أَوْ صِفَةٌ لِمَحْذُوفٍ أَيْ: شَيْئًا مِنَ الصَّلَاةِ، وَيُؤَيِّدُهُ قِرَاءَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ بِضَمٍّ فَكَسْرٍ، وَقِرَاءَةُ الزُّهْرِيِّ بِذَلِكَ مَعَ تَشْدِيدِ الصَّادِ مِنْ " قَصَّرَ " الْمُضَعَّفِ، فَهَذَانَ مُتَعَدِّيَانِ اتِّفَاقًا وَدَخَلَتْ مِنْ فِي حَيِّزِهِمَا، وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ حَجَرٍ أَنَّ الْفَتْحَتَيْنِ أَيْضًا نُسْخَةٌ، لَكِنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أُصُولِنَا وَيَأْبَى عَنْهَا أَيْضًا قَوْلُهُ: (فَقَالَ: " لَمْ أَنْسَ، وَلَمْ تُقْتَصَرْ ") : بِالْوَجْهَيْنِ بِنَاءً عَلَى ظَنِّهِ (فَقَالَ) ، أَيْ: بَعْدَ تَرَدُّدِهِ بِقَوْلِ السَّائِلِ (" أَكَمَا يَقُولُ ذُو الْيَدَيْنِ؟ ! ") ، أَيْ: أَتَقُولُونَ كَقَوْلِهِ، أَوْ أَكَانَ كَمَا يَقُولُ؟ وَفِي رِوَايَةٍ بَعْدَ قَوْلِهِ: " فَلَمْ أَنْسَ وَلَمْ تُقْصَرْ "، فَقَالَ: بَلَى قَدْ نَسِيتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ اهـ.

فَلَمَّا جَزَمَ بِالنِّسْيَانِ اسْتَثْبَتَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَقَالَ: أَوَقَعَ مِنِّي أَنِّي تَرَكْتُ نِصْفَ الصَّلَاةِ كَمَا يَقُولُ؟ وَعَدَلَ عَنْ قَالَ لِتَصْوِيرِ صُورَةِ الْحَالِ الْمَاضِيَةِ حَتَّى يَسْتَحْضِرَ وَيَتَأَمَّلَ، قَالَ الطِّيبِيُّ: وَفِي تَسْمِيَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَا الْيَدَيْنِ بِهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ التَّلْقِيبِ لِلتَّعْرِيفِ دُونَ التَّهْجِينِ، (فَقَالُوا: نَعَمْ) : وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ: صَدَقَ، لَمْ تُصَلِّ إِلَّا رَكْعَتَيْنِ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: فَحِينَئِذٍ تَيَقَّنَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ تَرَكَ رَكْعَتَيْنِ إِمَّا لِتَذَكُّرِهِ، أَوْ لِكَوْنِهِمْ عَدَدَ التَّوَاتُرِ، أَوْ لِإِخْبَارِ اللَّهِ لَهُ بِالْحَالِ كَمَا فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ، وَاحْتَجَّ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ بِقَوْلِهِمْ: نَعَمْ عَلَى جَوَازِ الْكَلَامِ لِمَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ، وَلَيْسَ كَمَا قَالَا لِمَا مَرَّ أَنَّ مِنْ خَصَائِصِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَمَا صَرَّحَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ الْمُصَحَّحَةُ، أَنَّهُ يَجِبُ إِجَابَتُهُ فِي الصَّلَاةِ بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ وَإِنْ كَثُرَ، وَلَا تَبْطُلُ بِهِ الصَّلَاةُ، وَحِينَئِذٍ لَا يُحْتَاجُ إِلَى مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّهُمْ لَمْ يَقُولُوا نَعَمْ، بَلْ أَوْمَئُوا بِالْإِشَارَةِ، ثُمَّ رَأَيْتُ رِوَايَةً صَحِيحَةً أَنَّهُمْ أَوْمَئُوا، أَيْ: نَعَمْ، (فَتَقَدَّمَ فَصَلَّى مَا تَرَكَ) .

قَالَ الْخَطَّابِيُّ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ تَحَوَّلَ عَنِ الْقِبْلَةِ سَهْوًا لَمْ تَكُنْ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ؛ قُلْتُ: لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى تَحَوُّلِ الْقِبْلَةِ: نَعَمْ هَذَا يَرِدُ فِي حَدِيثِ عِمْرَانَ فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ الثَّالِثِ، وَالْجَوَابُ أَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْمَنْسُوخَاتِ.

قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: فَتَقَدَّمَ أَيْ: مَشَى إِلَى مَحَلِّ صَلَاتِهِ إِمَّا لِقُرْبِهِ فَلَمْ يَمْشِ إِلَّا خُطْوَتَيْنِ، وَإِمَّا لِبُعْدِهِ لِكَوْنِهِ لَمْ تَتَوَالَ خُطُوَاتُهُ فَهِيَ وَاقِعَةُ حَالٍ فِعْلِيَّةٌ مُحْتَمَلَةٌ، فَلَا دَلِيلَ فِيهَا لِجَوَازِ الْفِعْلِ الْكَثِيرِ الْمُتَوَالِي فِي الصَّلَاةِ، قُلْتُ: مَعْنَاهُ تَقَدَّمَ

<<  <  ج: ص:  >  >>