لِلْإِمَامَةِ، وَهُوَ فِي مَوْضِعِهِ فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى التَّكَلُّفَاتِ الْعَجِيبَةِ وَالتَّفْرِيعَاتِ الْغَرِيبَةِ وَفِي قَوْلِهِ: فَصَلَّى مَا تَرَكَ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: فِيهِ أَوْضَحُ حُجَّةٍ عَلَى بَعْضِ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي زَعْمِهِ أَنَّ سَلَامَ التَّحَلُّلِ سَهْوًا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ، وَمَا رَوَوْهُ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ لَمْ يَبْنِ، مُنْقَطِعٌ عَلَى أَنَّ سَبَبَهُ أَنَّهُ تَكَلَّمَ بِكَلَامٍ أَجْنَبِيٍّ، قُلْتُ: وَهُوَ غَيْرُ مَشْهُورٍ فِي الْمَذْهَبِ (ثُمَّ سَلَّمَ) : قَالَ الْقَاضِي: دَلَّ حَدِيثُ عَطَاءٍ عَلَى تَقْدِيمِ السُّجُودِ عَلَى السَّلَامِ، وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ عَلَى تَأْخِيرِهِ، قَالَ الزُّهْرِيُّ: كُلٌّ فِعْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَّا أَنَّ تَقْدِيمَ السُّجُودِ كَانَ آخِرَ الْأَمْرَيْنِ، وَقَالَ: قِصَّةُ ذِي الْيَدَيْنِ كَانَتْ قَبْلَ بَدْرٍ، وَحِينَئِذٍ لَمْ يُحْكَمْ أَمْرُ الصَّلَاةِ وَلَمْ يَزَلْ نَسْخُ الْكَلَامِ اهـ.
وَفِيهِ: أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ نَسْخِ الْكَلَامِ نَسْخُ جَمِيعِ مَا وَقَعَ فِي صَلَاتِهِ، وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى نَسْخِ السُّجُودِ بَعْدَ السَّلَامِ، وَعِنْدَ التَّعَارُضِ يُرَجَّحُ الْأَصَحُّ وَالْأَبْيَنُ وَالْأَقْيَسُ، فَإِنَّهُ أَمْرٌ زَائِدٌ عَلَى الصَّلَاةِ خَارِجٌ عَنْهَا تَتِمُّ الصَّلَاةُ بِدُونِهِ إِجْمَاعًا، مَعَ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْأَوْلَوِيَّةِ، حَتَّى لَوْ سَجَدَ قَبْلَ السَّلَامِ عِنْدَنَا يَجُوزُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْهَمَّامِ، وَمَا أَبْعَدَ قَوْلَ ابْنِ حَجَرٍ " ثُمَّ "، بِمَعْنَى " الْوَاوِ " وَقَعَ سَهْوًا أَيْضًا اهـ، وَفِيهِ جَرَاءَةٌ عَظِيمَةٌ كَمَا لَا يَخْفَى.
(ثُمَّ كَبَّرَ) ، أَيْ: بَعْدَ السَّلَامِ، وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُدَ: فَكَبَّرَ ثُمَّ كَبَّرَ وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ "، وَبِهَا أَخَذَ مَنْ قَالَ: لَا بُدَّ فِي سُجُودِ السَّهْوِ بَعْدَ السَّلَامِ مِنْ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ، وَالْجُمْهُورُ اكْتَفَوْا بِتَكْبِيرَةِ السُّجُودِ أَخْذًا بِمَا فِي غَالِبِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ، وَبِأَنَّ تِلْكَ الرِّوَايَةَ شَاذَّةٌ فَلَا يُعْمَلُ بِهَا، (وَسَجَدَ) ، أَيْ: لِلسَّهْوِ (مِثْلَ سُجُودِهِ) ، أَيْ: لِلْفَرْضِ مِنَ الصَّلَاةِ، يَعْنِي: لَبِثَ فِيهِ مَا لَبِثَ فِي سَجْدَةِ الْفَرْضِ، وَغَلَطَ مَنْ قَالَ: أَنَّهُ مِثْلُهُ فِي الْوَاجِبَاتِ وَالسُّنَنِ لِقَوْلِهِ: (أَوْ أَطْوَلَ) : أَيْ: أَكْثَرَ (ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ) : أَغْرَبَ ابْنُ حَجَرٍ وَقَالَ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ الْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، وَوَجْهُ غَرَابَتِهِ أَنَّ الْجُلُوسَ حَالَةٌ غَيْرُ الرَّفْعِ، (وَكَبَّرَ، ثُمَّ كَبَّرَ) : أَيْ لِلْهُوِيِّ (وَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ) : لِلْفَرْضِ (أَوْ أَطْوَلَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَكَبَّرَ، فَرُبَّمَا سَأَلُوهُ) : الضَّمِيرُ الْمَفْعُولُ إِلَى ابْنِ سِيرِينَ وَالْمَسْئُولُ عَنْهُ قَوْلُهُ: (ثُمَّ سَلَّمَ؟) : وَقَوْلُهُ (فَيَقُولُ: نُبِّئْتُ) : جَوَابُ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ سُؤَالِهِمْ (أَنَّ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ قَالَ: ثُمَّ سَلَّمَ) ، أَيْ: بَعْدَ سُجُودِ السَّهْوِ مَرَّةً أُخْرَى، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: لَا يُقَالُ هَذَا مُنْقَطِعٌ لَا يَحْتَجُّ بِهِ ; لِأَنَّ ابْنَ سِيرِينَ لَمْ يُدْرِكْ عِمْرَانَ، وَلَمْ يَذْكُرِ الْوَاسِطَةَ بَيْنَهُمَا ; لِأَنَّ الْحَدِيثَ مُتَّصِلٌ كَمَا يَأْتِي عَنْ مُسْلِمٍ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: فِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا تَشْهَدُ لِسَجْدَتَيِ السَّهْوِ إِنْ سَجَدَهُمَا بَعْدَ السَّلَامِ.
قُلْتُ: لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى التَّشَهُّدِ نَفْيًا وَلَا إِثْبَاتًا وَقَدْ ثَبَتَ فِي حَدِيثٍ رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ وَسَيَأْتِي فِي حَدِيثٍ فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ الثَّانِي، وَقَالَ ابْنُ الْهَمَّامِ، عِنْدَ قَوْلِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ: ثُمَّ يَتَشَهَّدُ -: أَشَارَ إِلَى أَنَّ سُجُودَ السَّهْوِ يَرْفَعُ التَّشَهُّدَ، وَأَمَّا رَفْعُ الْقَعْدَةِ فَلَا، ثُمَّ قِيلَ: حَدِيثُ ذِي الْيَدَيْنِ كَانَ قَبْلَ تَحْرِيمِ الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ، فَلِذَا لَمْ يَسْتَأْنِفُوا، وَقِيلَ: أَحْكَامُ هَذَا الْحَدِيثِ خُصَّتْ بِمَنْ شَهِدَ تِلْكَ الصَّلَاةِ فَلَمْ تَقُمِ الْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ يَوْمَئِذٍ، لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ شُرِعَتْ قَبْلَ ذَلِكَ، فَعُذِرُوا فِي مَبْدَأِ أَمْرِ السَّهْوِ فِيمَا فَعَلُوا، وَقَالُوا: وَكَانَ الْحُكْمُ فِيمَا امْتُحِنُوا بِهِ يَوْمَئِذٍ عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ تَغَيَّرَتْ أَحْكَامُ تِلْكَ الْحَادِثَةِ بَعْدَ ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ، (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) : قَالَ مِيرَكُ: وَرَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: أَيِ اتَّفَقَا عَلَى الْمَقْصُودِ مِنْهُ، فَلَا يُنَافِيهِ خُلُوُّ حَدِيثِ مُسْلِمٍ عَنْ ذِكْرِ وَضْعِ الْيَدِ وَالتَّشْبِيكِ، وَطُرُقُ حَدِيثِ ذِي الْيَدَيْنِ كَثِيرَةٌ جِدًّا، حَتَّى قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَيْسَ فِي أَخْبَارِ الْآحَادِ أَكْثَرَ مِنْهُ طُرُقًا إِلَّا قَلِيلًا اهـ، فَهُوَ مِنْ قِسْمِ الْمُسْتَفِيضِ الْمُسَمَّى بِالْمَشْهُورِ، (وَلَفْظُهُ لِلْبُخَارِيِّ) .
قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ سَهَا بِأَشْيَاءَ مُتَعَدِّدَةٍ فِي صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ لَمْ يَزِدْ عَلَى سَجْدَتَيْنِ، فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - سَلَّمَ وَتَكَلَّمَ، وَهُوَ مَذْهَبُ عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ، وَشَذَّ الْأَوْزَاعِيُّ فَقَالَ: يَلْزَمُهُ لِكُلِّ سَهْوٍ سَجْدَتَانِ، وَلَا حُجَّةَ لَهُ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute