للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

(٢١) بَابُ سُجُودِ الْقُرْآنِ

الْفَصْلُ الْأَوَّلُ

١٠٢٣ - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَجَدَ (بِالنَّجْمِ) وَسَجَدَ مَعَهُ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ وَالْجِنُّ وَالْإِنْسُ» ؛ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

ــ

[٢١]- بَابِ سُجُودِ الْقُرْآنِ

أَيْ: سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ وَهِيَ سَجْدَةٌ مُفْرَدَةٌ مَنْوِيَّةٌ مَخْفُوفَةٌ بَيْنَ تَكْبِيرَتَيْنِ، مَشْرُوطٌ فِيهَا مَا شُرِطَ لِلصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ رَفْعِ يَدٍ وَقِيَامٍ وَتَشَهُّدٍ وَتَسْلِيمٍ، وَتَجِبُ عَلَى الْقَارِئِ وَالسَّامِعِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَمِعًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: سُنَّةٌ عَلَى الْقَارِئِ وَالْمُسْتَمِعِ، وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَمِعًا لِلْقِرَاءَةِ بَلْ حَصَلَ لَهُ سَمَاعٌ، عَلَى قَوْلَيْنِ هُمَا وَجْهَانِ لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، أَصَحُّهُمَا فِي الرَّوْضَةِ الِاسْتِحْبَابُ أَيْضًا، وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: قَالَ الْقَاضِي: وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْعَالِمِ وَالْمُتَعَلِّمِ إِذَا قَرَأَ السَّجْدَةَ، فَقِيلَ: عَلَيْهِمَا فِي أَوَّلِ مَرَّةٍ، وَقِيلَ: لَا سَجْدَةَ لَهُمَا اهـ، وَعِنْدَنَا تَتَدَاخَلُ السَّجَدَاتُ إِذَا كَانَتِ الْقِرَاءَةُ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ، سَوَاءٌ سَجَدَ أَوَّلًا أَوْ آخِرًا.

الْفَصْلُ الْأَوَّلُ

١٠٢٣ - (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: سَجَدَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالنَّجْمِ) : قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: الْمُرَادُ سُورَةُ النَّجْمِ، قُلْتُ: الْمُرَادُ آيَةُ السَّجْدَةِ مِنْهَا، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ سَجَدَاتِ الْمُفَصَّلِ خِلَافًا لِمَالِكٍ، (وَسَجَدَ مَعَهُ الْمُسْلِمُونَ، وَالْمُشْرِكُونَ، وَالْجِنُّ، وَالْإِنْسُ) : تَعْمِيمٌ بَعْدَ تَخْصِيصٍ، قَالَ مِيرَكُ: هَذِهِ اللَّامَاتُ فِي هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ لِلْعَهْدِ، أَيِ: الَّذِينَ كَانُوا عِنْدَهُ، وَهَذَا كَانَ بِمَكَّةَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَسَبَبُ تَقْدِيمِ الْجِنِّ لِمَا فِي سُجُودِهِمْ مِنَ الْغَرَابَةِ، وَسَبَبُ سُجُودِ الْمُشْرِكِينَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمَّا وَصَلَ فِيهَا إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى} [النجم: ١٩] الْآيَاتِ الثَّلَاثَ قَرَأَ الشَّيْطَانُ مُحَاكِيًا لِصَوْتِهِ فِي أَثْنَاءِ قِرَاءَتِهِ: تِلْكَ الْغَرَانِيقُ الْعُلَى وَإِنَّ شَفَاعَتَهُنَّ لَتُرْتَجَى وَأَدْخَلَ ذَلِكَ فِي جُمْلَةِ قِرَاءَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَظَنَّ الْمُشْرِكُونَ أَنَّهُ قَدْ أَثْنَى عَلَى آلِهَتِهِمْ فَفَرِحُوا، فَلَمَّا سَجَدَ سَجَدُوا، وَفِي ذَلِكَ نَزَلَ: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى} [الحج: ٥٢] ، أَيْ: قَرَأَ {أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ} [الحج: ٥٢] ، أَيْ: قِرَاءَتِهِ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ ; لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ مِنْ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - جَرَى عَلَى لِسَانِهِ فِي أَثْنَاءِ قِرَاءَتِهِ عَلَى سَبِيلِ السَّهْوِ، فَإِنَّ ذَلِكَ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَحَاشَا مَقَامِهِ عَنْ ذَلِكَ، كَذَا نَقَلَهُ عَنِ التَّصْحِيحِ، وَالْغَرَانِيقُ: بِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ مَفْتُوحَةٍ، طُيُورُ الْمَاءِ شُبِّهَتِ الْأَصْنَامُ الْمُعْتَقِدُونَ فِيهَا أَنَّهَا تَشْفَعُ لَهُمْ بِالطُّيُورِ، وَتَعْلُو فِي السَّمَاءِ وَتَرْتَفِعُ، وَقَالَ ابْنُ الْمَلَكِ فِي شَرْحِ الْمَصَابِيحِ: وَقِيلَ: أَنَّهُ شَقَّ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَوَلِّي قَوْمِهِ عَنْهُ وَمُبَاعَدَتُهُمْ عَمَّا جَاءَ بِهِ، فَجَلَسَ ذَاتَ يَوْمٍ فِي نَادِيَةٍ مِنْ أَنْدِيَةِ قُرَيْشٍ، وَتَمَنَّى فِي نَفْسِهِ أَنْ يَأْتِيَهُ اللَّهُ بِمَا يُقَارِبُ بِهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْمِهِ لِحِرْصِهِ عَلَى إِيمَانِهِمْ، وَأَنْ لَا يَأْتِيَهُ بِمَا يَنْفِرُونَ عَنْهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى سُورَةَ النَّجْمِ، فَقَرَأَ عَلَيْهِمْ حَتَّى بَلَغَ {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى - وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى} [النجم: ١٩ - ٢٠] أَلْقَى الشَّيْطَانُ عَلَى لِسَانِهِ: تِلْكَ الْغَرَانِيقَ الْعُلَى، وَإِنَّ شَفَاعَتَهُمْ لَتُرْتَجَى، فَفَرِحَتْ قُرَيْشٌ، وَمَضَى كُلٌّ عَلَى قِرَاءَتِهِ وَسَجَدَ فِي آخِرِ السُّورَةِ، فَسَجَدَ الْمُسْلِمُونَ لِسُجُودِهِ، وَسَجَدَ جَمِيعُ مَنْ كَانَ هُنَاكَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، وَتَفَرَّقُوا مَسْرُورِينَ بِمَا سَمِعُوا مِنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَمَا رَأَوْهُ مِنَ السَّجْدَةِ، وَقَالُوا: قَدْ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ آلِهَتَنَا فَأَحْسَنَ الذِّكْرَ، فَنَحْنُ نُوَافِقُهُ كَمَا وَافَقَنَا فِي مَدْحِ الْأَصْنَامِ، فَلَمَّا انْتَهَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتَاهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ: مَا صَنَعْتَ! تَلَوْتَ عَلَى النَّاسِ مَا لَمْ آتِكَ بِهِ عَنِ اللَّهِ، وَقُلْتَ مَا لَمْ أَقُلْ لَكَ؟ فَحَزِنَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حُزْنًا شَدِيدًا، فَخَافَ مِنْهُ تَعَالَى خَوْفًا بَلِيغًا فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ} [الحج: ٥٢] فَقَالَتْ قُرَيْشٌ: نَدِمَ مُحَمَّدٌ عَلَى مَا ذَكَرَ مِنْ مَدْحِ آلِهَتِنَا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، فَازْدَادُوا شَرًّا إِلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ، وَأَمَّا سُجُودُ الْجِنِّ، فَكَانَ مِنْهُمْ مُسْلِمُونَ وَمُشْرِكُونَ فَوَافَقُوا الرَّسُولَ كَمَا وَافَقَ الْإِنْسُ اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>