[٢٣] بَابُ الْجَمَاعَةِ وَفَضْلِهَا
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ
١٠٥٢ - عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلَاةَ الْفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
[٢٣] بَابُ الْجَمَاعَةِ
أَيْ: أَحْكَامُهَا وَآدَابُهَا. (وَفَضْلُهَا) أَيْ: زِيَادَةُ ثَوَابِهَا.
١٠٥٢ - (عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ تَفْضُلُ) أَيْ: تَزِيدُ فِي الثَّوَابِ (صَلَاةَ الْفَذِّ) : بِتَشْدِيدِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ، أَيْ: الْفَرْدِ، بِمَعْنَى الْمُنْفَرِدِ، أَيْ: عَلَى صَلَاةِ الْوَاحِدِ الَّذِي تَرَكَ الْجَمَاعَةَ، قَالَ الطِّيبِيُّ: يُقَالُ فَذَّ الرَّجُلُ مِنْ أَصْحَابِهِ، أَيْ: انْفَرَدَ وَشَذَّ عَنْهُمْ، انْتَهَى. فَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْوَاحِدَ إِذَا صَلَّى مُنْفَرِدًا بِعُذْرٍ يَحْصُلُ لَهُ ثَوَابُ الْجَمَاعَةِ. (بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً) : قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا: " «أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ الْفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً» "، انْتَهَى. وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْجَمَاعَةَ لَيْسَتْ شَرْطَا لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ، وَلَا فَرْضَ عَيْنٍ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَتَيْهِ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لِمَنْ صَلَّى فَذًّا دَرَجَةٌ كَذَا قَالُوا، وَلَهُ أَنْ يَحْمِلَ هَذَا عَلَى الْمَعْذُورِ، أَوْ يَقُولَ: الْمُرَادُ بِهِ التَّرْغِيبُ فِي الْجَمَاعَةِ وَالْفَرْضِيَّةِ ; أَوِ الشَّرْطِيَّةُ لَهَا دَلِيلٌ آخَرُ، قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: ذَكَرَ هَاهُنَا سَبْعًا وَعِشْرِينَ دَرَجَةً، وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: خَمْسًا وَعِشْرِينَ، وَوَجْهُ التَّوْفِيقِ أَنْ نَقُولَ: عَرَفْنَا مِنْ تَفَاوُتِ الْفَضْلِ أَنَّ الزَّائِدَ مُتَأَخِّرٌ عَنِ النَّاقِصِ ; لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَزِيدُ عِبَادَهُ مِنْ فَضْلِهِ، وَلَا يُنْقِصُهُمْ مِنَ الْمَوْعِدِ شَيْئًا، فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَشَّرَ الْمُؤْمِنِينَ أَوَّلًا بِمِقْدَارٍ مِنْ فَضْلِهِ، ثُمَّ رَأَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَمُنُّ عَلَيْهِ وَعَلَى أُمَّتِهِ، فَبَشَّرَهُمْ بِهِ وَحَثَّهُمْ عَلَى الْجَمَاعَةِ، وَأَمَّا وَجْهُ قَصْرِ الْفَضِيلَةِ عَلَى خَمْسٍ وَعِشْرِينَ تَارَةً وَعَلَى سَبْعٍ وَعِشْرِينَ أُخْرَى، فَمَرْجِعُهُ إِلَى الْعُلُومِ النَّبَوِيَّةِ الَّتِي لَا يُدْرِكُهَا الْعُقَلَاءُ إِجْمَالًا، فَضْلًا عَنِ التَّفْصِيلِ، وَلَعَلَّ الْفَائِدَةَ فِيمَا كَشَفَ بِهِ حَضْرَةُ النُّبُوَّةِ هِيَ اجْتِمَاعُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى إِظْهَارِ شِعَارِ الْإِسْلَامِ، وَذَكَرَ النَّوَوِيُّ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ، الْأَوَّلُ: أَنْ ذِكْرَ الْقَلِيلِ لَا يَنْفِي الْكَثِيرَ وَمَفْهُومَ اللَّقَبِ بَاطِلٌ، وَالثَّانِي: مَا ذَكَرَهُ التُّورِبِشْتِيُّ، وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ حَالِ الْمُصَلِّي وَالصَّلَاةِ، فَلِبَعْضِهِمْ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ، وَلِبَعْضِهِمْ سَبْعٌ وَعِشْرُونَ، بِحَسَبِ كَمَالِ الصَّلَاةِ وَالْمُحَافَظَةِ عَلَى قِيَامِهَا، وَالْخُشُوعِ فِيهَا، وَشَرَفِ الْبُقْعَةِ، وَالْإِمَامِ اهـ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذِهِ الْفَضِيلَةَ بِمُجَرَّدِ الْجَمَاعَةِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَمَّا ذُكِرَ، فَإِنَّ بَعْضَ الْبُقَعِ يَزِيدُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً، وَالدَّرَجَاتُ بَيْنَ الْمُصَلِّينَ وَالصَّلَوَاتِ مُتَبَايِنَةٌ بَعِيدَةٌ، فَالْمُعْتَمَدُ مَا ذَكَرَهُ التُّورِبِشْتِيُّ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) : وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ، قَالَهُ مِيرَكُ ; وَاسْتَدَلَّ بِهِ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ عَلَى سُنِّيَّةِ الْجَمَاعَةِ.
قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَهُوَ وَجْهٌ عِنْدَنَا، وَرَجَّحَهُ كَثِيرُونَ، وَالْأَصَحُّ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ أَنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ لِلْخَبَرِ الْآتِي:
مَا مِنْ ثَلَاثَةٍ إِلَخْ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ: مَا يَقْنَعُ بِدَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ وَيَتْرُكُ دَرَجَاتٍ كَثِيرَةً إِلَّا غَيْرُ مُصَدِّقٍ لَهُ بِذَلِكَ، أَوْ سَفِيهٌ لَا يَهْتَدِي لِطَرِيقِ التِّجَارَةِ الرَّابِحَةِ، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَقَدْ عُلِمَ مِمَّا مَرَّ أَنَّ السَّبْعَةَ وَالْعِشْرِينَ تَحْصُلُ فِي جَمَاعَةِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ مُضَاعَفَةً فِي مِائَةِ أَلْفِ أَلْفِ صَلَاةٍ الْحَاصِلَةِ لِلْمُصَلِّي مُنْفَرِدًا، وَصَحَّ حَدِيثُ: " «الصَّلَاةُ فِي جَمَاعَةٍ تَعْدِلُ خَمْسًا وَعِشْرِينَ صَلَاةً، فَإِذَا صَلَّاهَا فِي فَلَاةٍ فَأَتَمَّ رُكُوعَهَا وَسُجُودَهَا بَلَغَتْ خَمْسِينَ صَلَاةً» "، وَصَحَّ أَيْضًا: " «صَلَاةُ الرَّجُلِ فِي جَمَاعَةٍ تَزِيدُ عَلَى صَلَاتِهِ وَحْدَهُ خَمْسًا وَعِشْرِينَ دَرَجَةً، فَإِذَا صَلَّاهَا بِأَرْضٍ فَلَاةٍ فَأَتَمَّ وُضُوءَهَا وَرُكُوعَهَا وَسُجُودَهَا بَلَغَتْ صِلَاتُهُ خَمْسِينَ دَرَجَةً» "، وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ: " «أَنَّ مَنْ بِالْفَلَاةِ إِنْ أَقَامَ صَلَّى مَعَهُ مَلَكَاهُ، وَإِنْ أَذَّنَ وَأَقَامَ صَلَّى خَلْفَهُ مِنْ جُنُودِ اللَّهِ مَا لَا يُرَى طَرَفَاهُ» "، وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ: " «صَلَّتْ مَعَهُ أَرْبَعَةُ آلَافِ مَلَكٍ، وَأَرْبَعَةُ آلَافِ أَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ» "، وَقَالَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ: صَلَّى وَرَاءَهُ أَمْثَالُ الْجِبَالِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute