١٠٥٣ - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِحَطَبٍ فَيُحْطَبَ، ثُمَّ آمُرَ بِالصَّلَاةِ فَيُؤَذَّنَ لَهَا، ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا فَيَؤُمَّ النَّاسَ، ثُمَّ أُخَالِفَ إِلَى رِجَالٍ وَفِي رِوَايَةٍ: لَا يَشْهَدُونَ الصَّلَاةَ فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ يَعْلَمُ أَحَدُهُمْ أَنَّهُ يَجِدُ عَرْقًا سَمِينًا، أَوْ مِرْمَاتَيْنِ حَسَنَتَيْنِ لَشَهِدَ الْعِشَاءَ» ". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَلِمُسْلِمٍ نَحْوُهُ.
ــ
١٠٥٣ - (وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَالَّذِي نَفْسِي) أَيْ: ذَاتِي أَوْ رُوحِي، يَعْنِي إِيجَادَهَا وَإِمْدَادَهَا (بِيَدِهِ) أَيْ: بِقَبْضَةِ قُدْرَتِهِ وَإِرَادَتِهِ (لَقَدْ هَمَمْتُ) أَيْ: قَصَدْتُ وَأَرَدْتُ (أَنْ آمُرَ) أَيْ: بَعْضَ الْخَدَمِ لِمَا فِي رِوَايَةِ " فِتْيَتِي " (بِحَطَبٍ) أَيْ: يُجْمَعُ حَطَبٌ عَظِيمٌ (فَيُحْطَبُ) : بِالرَّفْعِ وَيُنْصَبُ، وَفِي الْمَصَابِيحِ، فَيُحْتَطَبُ، أَيْ: فَيُجْمَعُ الْحَطَبُ، قَالَ الطِّيبِيُّ: يُقَالُ: حَطَبْتُ الْحَطَبَ وَاحْتَطَبْتُهُ أَيْ: جَمَعْتُهُ، قَالَ الْمُؤَلِّفُ: فَيُحْطَبُ كَذَا وَجَدْنَاهُ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ، وَالْجَمْعِ لِلْحُمَيْدِيِّ، وَجَامِعِ الْأُصُولِ، وَشُعَبِ الْإِيمَانِ (ثُمَّ آمُرَ) : بِالنَّصْبِ (بِالصَّلَاةِ) أَيِ الْعِشَاءِ لِمَا يَقْتَضِيهِ آخِرُ الْحَدِيثِ، وَالتَّصْرِيحُ بِهِ الْآتِي فِي خَبَرِ مُسْلِمٍ، وَيَحْتَمِلُ بَقَاؤُهُ عَلَى عُمُومِهِ إِنْ تَعَدَّدَتِ الْقِصَّةُ، (فَيُؤَذَّنَ) : بِالرَّفْعِ وَيُنْصَبُ (لَهَا، ثُمَّ آمُرَ) : بِالنَّصْبِ (رَجُلًا) : فِيهِ دَلِيلٌ لِجَوَازِ اسْتِخْلَافِ الْإِمَامِ وَانْصِرَافِهِ لِعُذْرٍ (فَيَؤُمَّ) : بِالرَّفْعِ وَالنَّصْبِ (النَّاسَ) : ظَاهِرُهُ أَنَّهُ فِي الْجَمَاعَةِ لَا فِي الْجُمُعَةِ، وَإِنْ جَاءَتِ الرِّوَايَةُ بِهِمَا وَهُمَا صَحِيحَتَانِ. (ثُمَّ أُخَالِفَ) : بِالنَّصْبِ، أَيْ: أَذْهَبَ (إِلَى رِجَالٍ) أَيْ آتِيهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ، قَالَ الطِّيبِيُّ، أَيْ: أُخَالِفُ مَا أَظْهَرْتُ مِنْ إِقَامَةِ الصَّلَاةِ وَاشْتِغَالِ بَعْضِ النَّاسِ، وَأَقْصِدُ إِلَى بُيُوتِ مَنْ أَمَرْتُهُمْ بِالْخُرُوجِ عَنْهَا لِلصَّلَاةِ، فَلَمْ يَخْرُجُوا عَنْهَا فَأُحَرِّقُهَا عَلَيْهِمْ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: مِنْ خَالَفْتُ إِلَى كَذَا إِذَا قَصَدْتَهُ وَأَنْتَ مُوَلِّ عَنْهُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ} [هود: ٨٨] . (وَفِي رِوَايَةٍ: " لَا يَشْهَدُونَ) أَيْ: لَا يَحْضُرُونَ (الصَّلَاةَ) : مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، قَالَ الْمُؤَلِّفُ: وَلَيْسَ فِي الصَّحِيحِ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ: " لَا يَشْهَدُونَ الصَّلَاةَ " بَلْ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى، نَقَلَهُ الطِّيبِيُّ، وَكَأَنَّ صَاحِبَ الْمَصَابِيحِ جَعَلَ الرِّوَايَتَيْنِ رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَفِي رِوَايَةٍ: " «يُصَلُّونَ فِي بُيُوتِهِمْ لَيْسَتْ بِهِمْ عِلَّةٌ» "، فَيَكُونُ الْوَعِيدُ عَلَى تَرْكِ الْجَمَاعَةِ بِغَيْرِ عُذْرٍ لَا عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ (فَأُحَرِّقَ) : بِالتَّشْدِيدِ (عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ) : بِضَمِّ الْبَاءِ وَكَسْرِهَا. قِيلَ: هَذَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونُ عَامًّا فِي جَمِيعِ النَّاسِ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهِ الْمُنَافِقُونَ فِي زَمَانِهِ، نَقَلَهُ ابْنُ الْمَلَكِ، وَالظَّاهِرُ الثَّانِي إِذْ مَا كَانَ أَحَدٌ يَتَخَلَّفُ عَنِ الْجَمَاعَةِ فِي زَمَانِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَّا مُنَافِقٌ ظَاهِرُ النِّفَاقِ، أَوِ الشَّاكُّ فِي دِينِهِ، قَالَ الْإِمَامُ النَّوَوِيُّ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْعُقُوبَةَ كَانَتْ فِي بَدْءِ الْإِسْلَامِ بِإِحْرَاقِ الْمَالِ، وَقِيلَ: أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى مَنْعِ الْعُقُوبَةِ بِالتَّحْرِيقِ فِي غَيْرِ الْمُتَخَلِّفَةِ عَنِ الصَّلَاةِ وَالْغَالِّ، وَالْجُمْهُورُ عَلَى مَنْعِ تَحْرِيقِ مَتَاعِهِمَا، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: لَا دَلِيلَ فِيهِ لِوُجُوبِ الْجَمَاعَةِ عَيْنًا، الَّذِي قَالَ بِهِ أَحْمَدُ وَدَاوُدُ ; لِأَنَّهُ وَارِدٌ فِي قَوْمٍ مُنَافِقِينَ. اهـ.
وَفِيهِ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ، وَيُؤَيِّدُ التَّعْمِيمَ قَوْلُهُ: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ) : تَأْكِيدٌ لِقَسَمٍ سَابِقٍ، أَوِ ابْتِدَاءُ كَلَامٍ لَاحِقٍ (لَوْ يَعْلَمُ أَحَدُهُمْ) أَيِ: الَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الصَّلَاةَ مَعَ فَضِيلَتِهَا فِي الدُّنْيَا وَثَوَابِهَا فِي الْعُقْبَى (أَنَّهُ يَجِدُ) أَيْ: فِي الْمَسْجِدِ (عَرْقًا) : بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَسُكُونِ الرَّاءِ، أَيْ: عَظْمًا عَلَيْهِ لَحْمٌ (سَمِينًا) : قَالَ الطِّيبِيُّ: الْعَرْقُ بِالسُّكُونِ الْعَظْمُ الَّذِي أُخِذَ مِنْهُ اللَّحْمُ، أَيْ: مُعْظَمُهُ، قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: مَصْدَرُ عَرَقْتُ الْعَظْمَ إِذَا أَكَلْتَهُ، أَوْ أَخَذْتَ أَكْثَرَ مَا عَلَيْهِ مِنَ اللَّحْمِ، وَوَصَفَهُ بِالسَّمِينِ ; لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُنْزَعَ عَنْهُ أَكْثَرُ اللَّحْمِ، وَهُوَ يَكُونُ فِي نَفْسِهِ سَمِينًا، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: قُيِّدَ بِهِ لِأَنَّ الْعَظْمَ السَّمِينَ فِيهِ دُسُومَةٌ قَدْ يُرْغَبُ فِي مَضْغِهِ لِأَجْلِهَا. (أَوْ مِرْمَاتَيْنِ) : بِكَسْرِ مِيمِهِ وَتُفْتَحُ: ظِلْفُ الشَّاةِ، وَ " أَوْ " بِمَعْنَى " بَلْ ". وَقِيلَ: لَحْمُ مَا بَيْنَ ظِلْفَيْهَا لِأَنَّهُ مِمَّا يُرْمَى، وَقِيلَ: هِيَ الْعَظْمُ الَّذِي لَا لَحْمَ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: بِكَسْرِ الْمِيمِ: السَّهْمُ الصَّغِيرُ الَّذِي يُتَعَلَّمُ الرَّمْيُ بِهِ، أَوْ يُرْمَى بِهِ فِي السَّبْقِ، وَهُوَ أَحْقَرُ السِّهَامِ وَأَرْذَلُهَا. (حَسَنَتَيْنِ) : بِفَتْحَتَيْنِ أَيْ جَيِّدَتَيْنِ، قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: إِنَّمَا وَصَفَهُمَا بِالْحَسَنَتَيْنِ لِيَكُونَ مُشْعِرًا بِبَقَاءِ الرَّغْبَةِ فِيهِمَا. وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ: الْحُسْنُ وَالْحَسَنُ: الْعَظْمُ الَّذِي فِي الْمِرْفَقِ مِمَّا يَلِي الْبَطْنَ، وَالْقُبْحُ وَالْقَبِيحُ: الْعَظْمُ الَّذِي فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute