وَقَالَ الشَّيْخُ الْجَزَرِيُّ: " لَا تَعُدْ " بِفَتْحِ التَّاءِ وَضَمِّ الْعَيْنِ وَإِسْكَانِ الدَّالِ مِنَ الْعَوْدِ، أَيْ: لَا تَعُدْ ثَانِيًا إِلَى مِثْلِ ذَلِكَ الْفِعْلِ، وَهُوَ الْمَشْيُ إِلَى الصَّفِّ فِي الصَّلَاةِ، وَإِنْ كَانَتِ الْخُطْوَةُ وَالْخُطْوَتَانِ لَا تُفْسِدُ الصَّلَاةَ، فَالْأَوْلَى التَّحَرُّزُ عَنْ ذَلِكَ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ نَهَاهُ عَنِ اقْتِدَائِهِ مُنْفَرِدًا، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَنْ رُكُوعِهِ قَبْلَ الْوُصُولِ إِلَى الصَّفِّ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ نَهَى عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ، وَقَدْ أَبْعَدَ مَنْ قَالَ: وَلَا تُعِدْ بِضَمِّ التَّاءِ وَكَسْرِ الْعَيْنِ مِنَ الْإِعَادَةِ، أَيْ: لَا تُعِدْ، وَأَبْعَدُ مِنْهُ مَنْ قَالَ: إِنَّهُ بِإِسْكَانِ الْعَيْنِ، وَضَمِّ الدَّالِ مِنَ الْعَدْوِ، أَيْ: لَا تُسْرِعْ، وَكِلَاهُمَا لَمْ يَأْتِ بِهِ رِوَايَةٌ، وَإِنَّمَا يَحْمِلُهُمْ عَلَى ذَلِكَ فِي أَمْثَالِهِ مِنْ تَحْرِيفِهِمْ أَلْفَاظَ النُّبُوَّةِ وَتَغْيِيرِهَا كَوْنُهُمْ لَمْ يَحْفَظُوهَا أَوْ مَا وَصَلَتْ إِلَيْهِمْ بِالرِّوَايَةِ، فَيَذْكُرُونَ مَا يَحْتَمِلُهُ الْخَطُّ لِعَدَمِ مَعْرِفَتِهِمْ بِاللَّفْظِ الْمَرْوِيِّ، وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ، نَقَلَهُ مِيرَكُ.
قَالَ الْقَاضِي: ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ الِانْفِرَادَ خَلْفَ الصَّفِّ مَكْرُوهٌ غَيْرُ مُبْطِلٍ، وَقَالَ النَّخَعِيُّ، وَحَمَّادٌ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَوَكِيعٌ، وَأَحْمَدُ: مُبْطِلٌ، وَالْحَدِيثُ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ، فَإِنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمْ يَأْمُرْهُ بِالْإِعَادَةِ وَلَوْ كَانَ الِانْفِرَادُ مُفْسِدًا لَمْ تَكُنْ صَلَاتُهُ مُنْعَقِدَةً لِاقْتِرَانِ الْمُفْسِدِ بِتَحْرِيمِهَا، وَمَعْنَى لَا تَعُدْ لَا تَفْعَلْ ثَانِيًا مِثْلَ مَا فَعَلْتَ إِنْ جُعِلَ نَهْيًا عَنِ اقْتِدَائِهِ مُنْفَرِدًا، أَوْ رُكُوعُهُ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَى الصَّفِّ لَا يَدُلُّ عَلَى فَسَادِ الصَّلَاةِ ; إِذْ لَيْسَ كُلُّ مُحَرَّمٍ يُفْسِدُ الصَّلَاةَ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَائِدًا إِلَى الْمَشْيِ إِلَى الصَّفِّ فِي الصَّلَاةِ، فَإِنَّ الْخُطْوَةَ وَالْخُطْوَتَيْنِ وَإِنْ لَمْ تُفْسِدِ الصَّلَاةَ لَكِنَّ الْأَوْلَى التَّحَرُّزُ عَنْهَا. قِيلَ: فَعَلَى هَذَا النَّهْيِ عَنِ الْعَوْدِ أُمِرَ بَأَنْ يَقِفَ حَيْثُ أَحْرَمَ وَيُتِمَّ الصَّلَاةَ مُنْفَرِدًا، قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ وَمُحْيِي السُّنَّةِ: فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الِانْفِرَادَ خَلْفَ الصَّفِّ لَا يُبْطِلُ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُ بِالْإِعَادَةِ، وَأَرْشَدَهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ بِمَا هُوَ أَفْضَلُ بِقَوْلِهِ: وَلَا تَعُدْ، فَإِنَّهُ نَهْيُ تَنْزِيهٍ لَا تَحْرِيمٍ ; إِذْ لَوْ كَانَ لِلتَّحْرِيمِ لِأَمَرَهُ بِالْإِعَادَةِ، ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ، أَيْ: أَمَرَهُ بِالْإِعَادَةِ وُجُوبًا لِأَدَاءِ صَلَاتِهِ عَلَى وَجْهِ الْحُرْمَةِ لَا لِأَجْلِ فَسَادِهَا، فَإِنَّ التَّحْرِيمَ لَا يُوجِبُ الْفَسَادَ لِمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الْقَاضِي. (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) : قَالَ مِيرَكُ: وَرَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute