[٢٦] بَابُ الْإِمَامَةِ
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ
١١١٧ - «عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ ; فَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ سَوَاءً، فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ ; فَإِنْ كَانُوا فِي السُّنَّةِ سَوَاءً، فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً ; فَإِنْ كَانُوا فِي الْهِجْرَةِ سَوَاءً، فَأَقْدَمُهُمْ سِنًّا، وَلَا يَؤُمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي سُلْطَانِهِ. وَلَا يَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ» ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ: " «وَلَا يَؤُمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي أَهْلِهِ» ".
[٢٦]
بَابُ الْإِمَامَةِ
قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: مَصْدَرُ أَمَّ الْقَوْمَ فِي صَلَاتِهِمْ.
١١١٧ - (عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ) أَيِ: الْأَنْصَارِيِّ، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: أَيِ: الْبَدْرِيِّ (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَؤُمُّ الْقَوْمَ) : قَالَ الطِّيبِيُّ: بِمَعْنَى الْأَمْرِ، أَيْ: لِيَؤُمَّهُمْ (أَقْرَؤُهُمْ) : قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ، أَيْ أَحْسَنُهُمْ قِرَاءَةً (لِكِتَابِ اللَّهِ) اهـ. وَالْأَظْهَرُ أَنَّ مَعْنَاهُ أَكْثَرُهُمْ قِرَاءَةً. بِمَعْنَى أَحْفَظُهُمْ لِلْقُرْآنِ، كَمَا وَرَدَ: أَكْثَرُكُمْ قُرْآنًا، قِيلَ: إِنَّمَا قَدَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَقْرَأَ ; لِأَنَّ الْأَقْرَأَ فِي زَمَانِهِ كَانَ أَفْقَهَ ; إِذْ لَوْ تَعَارَضَ فَضْلُ الْقِرَاءَةِ فَضْلَ الْفِقْهِ قُدِّمَ الْأَفْقَهُ إِذَا كَانَ يُحْسِنُ مِنَ الْقِرَاءَةِ مَا تَصِحُّ لَهُ الصَّلَاةُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ، فَيَئُولُ الْمَعْنَى إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ أَعْلَمُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ، وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى تَقَدُّمِ الْقِرَاءَةِ عَلَى الْفِقْهِ، وَبِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ عَمَلًا بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي أَنَّ الْقِرَاءَةَ وَالْفِقْهَ مُقَدَّمَانِ عَلَى غَيْرِهِمَا، وَاخْتَلَفُوا فِي الْفِقْهِ مَعَ الْقِرَاءَةِ، فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى تَقَدُّمِهَا عَلَى الْفِقْهِ، وَبِهِ قَالَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْ بَعْضُهُمْ عَمَلًا بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ، وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ الْفِقْهَ أَوْلَى إِذَا كَانَ يُحْسِنُ مِنَ الْقِرَاءَةِ مَا تَصِحُّ بِهِ الصَّلَاةُ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ ; لِأَنَّ الْفَقِيهَ يَعْلَمُ مَا يَجِبُ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ ; لِأَنَّهُ مَحْصُورٌ وَمَا يَقَعُ فِيهَا مِنَ الْحَوَادِثِ غَيْرُ مَحْصُورٍ، وَقَدْ يَعْرِضُ لِلْمُصَلِّي مَا يُفْسِدُ صَلَاتَهُ، وَهُوَ لَا يَعْلَمُ إِذَا لَمْ يَكُنْ فَقِيهًا، (فَإِنْ كَانُوا) أَيِ: الْقَوْمُ (فِي الْقِرَاءَةِ) أَيْ: فِي مِقْدَارِهَا، أَوْ حُسْنِهَا، أَوْ عَمَلِهَا، أَوْ فِي الْعِلْمِ بِهَا (سَوَاءً) أَيْ: مُسْتَوِينَ (فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ) : قَالَ الطِّيبِيُّ: أَرَادَ بِهَا الْأَحَادِيثَ فَالْأَعْلَمُ بِهَا كَانَ هُوَ الْأَفْقَهَ فِي عَهْدِ الصَّحَابَةِ، وَاسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ قَالَ: إِنَّ الْقِرَاءَةَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْفِقْهِ كَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَبِهِ عَمِلَ أَبُو يُوسُفَ، وَخَالَفَهُ صَاحِبَاهُ وَقَالَا: الْفَقِيهُ أَوْلَى إِذَا كَانَ يَعْلَمُ مِنَ الْقُرْآنِ قَدْرَ مَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ ; لِأَنَّ الْحَاجَةَ فِي الصَّلَاةِ إِلَى الْفِقْهِ أَكْثَرُ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ. وَأَجَابُوا عَنِ الْحَدِيثِ: بِأَنَّ الْأَقْرَأَ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ كَانَ أَعْلَمَ بِأَحْوَالِ الصَّلَاةِ وَلَا كَذَلِكَ فِي زَمَانِنَا.
قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَبَعْضُ أَصْحَابِنَا يُقَدِّمُ الْأَقْرَأَ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ، وَقَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ: يُقَدَّمُ الْأَفْقَهُ لِتَقْدِيمِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَبَا بَكْرٍ فِي الصَّلَاةِ عَلَى غَيْرِهِ، مَعَ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ نَصَّ عَلَى أَنَّ غَيْرَهُ أَقْرَأُ مِنْهُ، بَلْ لَمْ يَجْمَعِ الْقُرْآنَ فِي حَيَاتِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَّا أَرْبَعَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ: أُبَيٌّ، وَمُعَاذٌ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَأَبُو زَيْدٍ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
وَقَالَ النَّوَوِيُّ: لَكِنْ فِي قَوْلِهِ: فَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ سَوَاءً فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ، دَلِيلٌ عَلَى تَقْدِيمِ الْأَقْرَأِ مُطْلَقًا. وَأَجَابَ عَنْهُ غَيْرُ وَاحِدٍ ; بِأَنَّهُ قَدْ عُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَقْرَأِ فِي الْخَبَرِ الْأَفْقَهُ فِي الْقُرْآنِ، فَإِذَا اسْتَوَوْا فِي الْقُرْآنِ فَقَدِ اسْتَوَوْا فِي فِقْهِهِ، فَإِذَا زَادَ أَحَدُهُمْ بِفِقْهِ السُّنَّةِ فَهُوَ أَحَقُّ، فَلَا دَلَالَةَ فِي الْخَبَرِ عَلَى تَقْدِيمِ الْأَقْرَأِ مُطْلَقًا، بَلْ عَلَى تَقْدِيمِ الْأَقْرَأِ الْأَفْقَهِ فِي الْقِرَاءَةِ عَلَى مَنْ دُونَهُ، وَلَا نِزَاعَ فِيهِ. وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَجَرَى عَلَيْهِ جَمْعٌ مِنْ أَصْحَابِهِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَقْرَأِ الْأَكْثَرُ حِفْظًا لَا قُرْآنًا، وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: " أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ "، " وَأَكْثَرُهُمْ قِرَاءَةً "، فَقَوْلُهُ: وَأَكْثَرُهُمْ قِرَاءَةً يُؤَيِّدُ الْقَوْلَ الثَّانِيَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْأَكْثَرُ قُرْآنًا، وَفِي خَبَرِ الْبُخَارِيِّ: " «وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْثَرُكُمْ قُرْآنًا» " اهـ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا قَدَّمَ أَبَا بَكْرٍ لِكَوْنِهِ جَامِعًا لِلْقُرْآنِ، وَالسُّنَّةِ، وَالسَّبْقِ، وَالْهِجْرَةِ، وَالسِّنِّ، وَالْوَرَعِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مَا لَمْ يَجْتَمِعْ فِي غَيْرِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَبِهَذَا صَارَ أَفْضَلَهُمْ، وَلَا يُنَافِي أَنْ يَكُونَ فِي الْمَفْضُولِ مَزِيَّةٌ مِنْ وَجْهٍ عَلَى الْأَفْضَلِ فَتَأَمَّلْ، فَإِنَّهُ مَوْضِعُ زَلَلٍ وَمَحَلُّ خَطَلٍ. (فَإِنْ كَانُوا) أَيْ: بَعْدَ اسْتِوَائِهِمْ فِي الْقِرَاءَةِ (فِي السُّنَّةِ) أَيْ: فِي الْعِلْمِ بِهَا ; لِأَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِالرِّوَايَةِ دُونَ الدِّرَايَةِ فِي هَذَا الْمَقَامِ (سَوَاءً، فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً) أَيْ: انْتِقَالًا مِنْ مَكَّةَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute