مَرَضُهُ (فَقَالَ: " أَصَلَّى النَّاسُ؟ " فَقُلْنَا) : وَفِي نُسْخَةٍ: قُلْتُ: (لَا) أَيْ: مَا صَلَّوْا (يَا رَسُولَ اللَّهِ وَهُمْ يَنْتَظِرُونَكَ) أَيْ: خُرُوجَكَ أَوْ أَمْرَكَ، قَالَ الطِّيبِيُّ: حَالٌ مِنَ الْمُقَدَّرِ، أَيْ: لَمْ يُصَلُّوا، وَالْحَالُ أَنَّهُمْ يَنْتَظِرُونَكَ (فَقَالَ) : وَفِي نُسْخَةِ عَفِيفٍ قَالَ: (ضَعُوا) : أَمْرٌ مِنَ الْوَضْعِ (لِي) أَيْ: لِأَجْلِي (مَاءً فِي الْمِخْضَبِ) : بِكَسْرِ الْمِيمِ شِبْهُ الْمِرْكَنِ وَهِيَ إِجَانَةٌ يُغْسَلُ فِيهَا الثِّيَابُ. (قَالَتْ: فَفَعَلْنَا) أَيْ: نَحْنُ مَعَ الْخَدَمِ (فَاغْتَسَلَ، فَذَهَبَ) أَيْ: شَرَعَ (لِيَنُوءَ) أَيْ: يَقُومُ، قَالَ الطِّيبِيُّ: النَّوْءُ النُّهُوضُ وَالطُّلُوعُ. (فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ) أَيْ: لِشِدَّةِ مَا حَصَلَ لَهُ مِنْ تَنَاهِي الضَّعْفِ وَفُتُورِ الْأَعْضَاءِ عَنْ تَمَامِ الْحَرَكَةِ، وَفِيهِ جَوَازُ الْإِغْمَاءِ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ، وَحِكْمَةُ مَا يَعْتَرِيهِمْ مِنَ الْمَرَضِ وَمَصَائِبِ الدُّنْيَا تَكْثِيرُ أُجُورِهِمْ وَتَسْلِيَةُ النَّاسِ بِأَحْوَالِهِمْ وَأُمُورِهِمْ، وَلِئَلَّا يُفْتَنُوا بِهِمْ لِمَا ظَهَرَ عَلَى يَدَيْهِمْ مِنْ خَوَارِقِ الْمُعْجِزَاتِ. (ثُمَّ أَفَاقَ فَقَالَ: " أَصَلَّى النَّاسُ؟ " فَقُلْنَا) : بِلَا فَاءٍ (لَا، هُمْ) : وَفِي نُسْخَةٍ: وَهُمْ (يَنْتَظِرُونَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ! قَالَ: " ضَعُوا لِي مَاءً فِي الْمِخْضَبِ ". قَالَتْ) : كَذَا فِي النُّسَخِ الْمُصَحَّحَةِ (فَقَعَدَ فَاغْتَسَلَ) : قَالَ الطِّيبِيُّ: فِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْغُسْلِ مِنَ الْإِغْمَاءِ، وَإِذَا تَكَرَّرَ الْإِغْمَاءُ اسْتُحِبَّ تَكْرَارُ الْغُسْلِ، وَلَوِ اغْتَسَلَ مَرَّةً لِتَعَدُّدِ الْإِغْمَاءِ جَازَ اهـ.
وَجَازَ أَنْ يَكُونَ الِاغْتِسَالُ لِأَجْلِ التَّبْرِيدِ وَالتَّقْوِيَةِ عَلَى الِاغْتِسَالِ (ثُمَّ ذَهَبَ لِيَنُوءَ، فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَفَاقَ، فَقَالَ: " أَصَلَّى النَّاسُ؟ " فَقُلْنَا: لَا ; هُمْ يَنْتَظِرُونَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: " ضَعُوا لِي مَاءً فِي الْمِخْضَبِ "، فَقَعَدَ فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ ذَهَبَ لِيَنُوءَ، فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَفَاقَ) : مِنْ وَقْعِ الْإِغْمَاءِ وَالْإِفَاقَةِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ قَالَ الْأَسَنَوِيُّ فِي الْمُهِمَّاتِ: نَقَلَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ أَنَّ الْإِغْمَاءَ لَا يَجُوزُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ إِلَّا سَاعَةً أَوْ سَاعَتَيْنِ، فَأَمَّا الشَّهْرُ أَوِ الشَّهْرَيْنِ فَلَا يَجُوزُ كَالْجُنُونِ، (فَقَالَ: " أَصَلَّى النَّاسُ؟ " قُلْنَا: لَا. هُمْ يَنْتَظِرُونَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ) : وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِكُلِّيَّةِ بَاطِنِهِ مُتَوَجِّهٌ إِلَيَّ أَدَاءِ الصَّلَاةِ مَعَ أُمَّتِهِ، (وَالنَّاسُ عُكُوفٌ) : بِضَمِّ الْعَيْنِ جَمْعٌ، أَيْ: عَاكِفُونَ مُقِيمُونَ (فِي الْمَسْجِدِ) : قَالَ الطِّيبِيُّ: الْعُكُوفُ: الْإِقَامَةُ عَلَى الشَّيْءِ أَوْ بِالْمَكَانِ وَلُزُومُهُمَا، (يَنْتَظِرُونَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيْ: خُرُوجَهُ (لِصَلَاةِ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ) : قَالَ الشَّيْخُ: كَذَا لِلْأَكْثَرِ بِلَامِ التَّعْلِيلِ، وَفِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي وَالسَّرْخَسِيِّ: الْعِشَاءِ الْأَخِيرَةِ، وَتَوْجِيهُهُ أَنَّ الرَّاوِيَ كَأَنَّهُ فَسَّرَ الصَّلَاةَ الْمَسْئُولَ عَنْهَا فِي قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: " أَصَلَّى النَّاسُ " فَذَكَرَ أَنَّ الصَّلَاةَ الْمَسْئُولَ عَنْهَا هِيَ الْعِشَاءُ الْأَخِيرَةُ، كَذَا ذَكَرَهُ الْأَبْهَرِيُّ.
(فَأَرْسَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ: بِأَنْ) : وَفِي نُسْخَةٍ لِأَنْ (يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ، فَأَتَاهُ الرَّسُولُ) أَيْ: رَسُولُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ بِلَالٌ الْمُؤَذِّنُ، قَالَهُ الْعَسْقَلَانِيُّ. (فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ) : وَفِي نُسْخَةٍ: النَّبِيَّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُكَ أَنْ تُصَلِّيَ بِالنَّاسِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ - وَكَانَ رَجُلًا) : جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ مَقُولُ عَائِشَةَ (رَقِيقًا -) أَيْ: رَقِيقَ الْقَلْبِ فَلَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَقُومَ مَقَامَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوْ كَانَ رَحِيمًا لَطِيفًا مُتَوَاضِعًا خَلِيقًا، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: أَيْ هَيِّنًا لَيِّنًا ضَعِيفًا، وَفِي رِوَايَةٍ: إِنَّهُ رَجُلٌ أَسِيفٌ مِنَ الْأَسَفِ وَهُوَ شِدَّةُ الْحُزْنِ وَالْبُكَاءِ، وَالْمُرَادُ بِهِ رَقِيقُ الْقَلْبِ، وَفَسَّرَهُ أَحَدُ رُوَاتِهِ بِأَنَّهُ رَقِيقٌ رَحِيمٌ (يَا عُمَرُ! صَلِّ بِالنَّاسِ) : كَأَنَّهُ عُلِمَ بِالْقَرَائِنِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يُعَيِّنْهُ عَلَى جِهَةِ الْإِلْزَامِ لَهُ، كَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ حَجَرٍ، أَوْ بِنَاءً عَلَى تَوَاضُعِهِ وَجَوَازِ الْإِذْنِ لِغَيْرِهِ، سِيَّمَا مَعَ ظُهُورِ عُذْرِهِ مِمَّا يُوجِبُ الْبُكَاءَ فِي قِيَامِهِ مَقَامَهُ مَعَ كَمَالِ رِقَّةِ قَلْبِهِ، وَرَأَى أَنَّ عُمَرَ أَقْوَى قَلْبًا مِنْهُ (فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: أَنْتَ أَحَقُّ بِذَلِكَ) أَيْ: فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، أَوْ لِاخْتِصَاصِهِ بِالْأَمْرِ الَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْأُمُورُ (فَصَلَّى أَبُو بَكْرٍ تِلْكَ الْأَيَّامَ) أَيْ: أَيَّامَ الْمَرَضِ كُلَّهَا مِنَ الصَّلَوَاتِ السَّبْعَةَ عَشَرَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute