الْفَصْلُ الثَّانِي
١٢٠٠ - عَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، «أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ، وَكَانَ يَقُولُ: " اللَّهُ أَكْبَرُ " " ذُو الْمَلَكُوتِ وَالْجَبَرُوتِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْعَظَمَةِ "، ثُمَّ اسْتَفْتَحَ فَقَرَأَ الْبَقَرَةَ. ثُمَّ رَكَعَ، فَكَانَ رُكُوعُهُ نَحْوًا مِنْ قِيَامِهِ، فَكَانَ يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ: " سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ "، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ، فَكَانَ قِيَامُهُ نَحْوًا مِنْ رُكُوعِهِ، يَقُولُ: " لِرَبِّيَ الْحَمْدُ ". ثُمَّ سَجَدَ، فَكَانَ سُجُودُهُ نَحْوًا مِنْ قِيَامِهِ، فَكَانَ يَقُولُ فِي سُجُودِهِ: " سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى ". ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ السُّجُودِ، وَكَانَ يَقْعُدُ فِيمَا بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ نَحْوًا مِنْ سُجُودِهِ، وَكَانَ يَقُولُ: " رَبِّ اغْفِرْ لِي، رَبِّ اغْفِرْ لِي ". فَصَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ قَرَأَ فِيهِنَّ (الْبَقَرَةَ) وَ (آلَ عِمْرَانَ) وَ (النِّسَاءَ) وَ (الْمَائِدَةَ) أَوِ (الْأَنْعَامَ) ،» شَكَّ شُعْبَةُ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
ــ
١٢٠٠ - (عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّهُ، رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ، فَكَانَ) : الْفَاءُ لِلتَّفْصِيلِ قَالَهُ الطِّيبِيُّ، وَفِي نُسْخَةٍ بِالْوَاوِ (يَقُولُ) ، أَيْ بَعْدَ النِّيَّةِ الْقَلْبِيَّةِ (" اللَّهُ أَكْبَرُ ") ، أَيْ: مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، أَيْ أَعْظَمُ، وَتَفْسِيرُهُمْ إِيَّاهُ بِالْكَبِيرِ ضَعِيفٌ، كَذَا قَالَهُ صَاحِبُ الْمُغْرِبِ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَكْبَرُ مِنْ أَنْ يُعْرَفَ كُنْهُ كِبْرِيَائِهِ وَعَظَمَتِهِ، وَإِنَّمَا قُدِّرَ لَهُ ذَلِكَ، وَأُوِّلَ لِأَنَّ أَفْعَلَ فُعْلَى يَلْزَمُهُ الْأَلِفُ وَاللَّامُ، أَوِ الْإِضَافَةُ كَالْأَكْبَرِ وَأَكْبَرِ الْقَوْمُ. كَذَا فِي النِّهَايَةِ. (ثَلَاثًا " ذُو الْمَلَكُوتِ ") ، أَيْ: صَاحِبُ الْمُلْكِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا وَالصِّيغَةُ لِلْمُبَالَغَةِ، (" وَالْجَبَرُوتِ ") : قَالَ الطِّيبِيُّ: فَعَلُوتٌ مِنَ الْجَبْرِ: الْقَهْرِ، وَالْجَبَّارُ: الَّذِي يَقْهَرُ الْعِبَادَ عَلَى مَا أَرَادَ، وَقِيلَ: هُوَ الْعَالِي فَوْقَ خَلْقِهِ، (" وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْعَظَمَةِ ") ، أَيْ: غَايَةِ الْكِبْرِيَاءِ، وَنِهَايَةِ الْعَظَمَةِ وَالْبَهَاءِ، وَلِذَا قِيلَ: لَا يُوصَفُ بِهِمَا إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى، وَمَعْنَاهُمَا التَّرَفُّعُ عَنْ جَمِيعِ الْخَلْقِ مَعَ انْقِيَادِهِمْ لَهُ، وَقِيلَ: عِبَارَةٌ عَنْ كَمَالِ الذَّاتِ وَالصِّفَاتِ، قَالَ: الْكِبْرِيَاءُ: التَّرَفُّعُ وَالتَّنَزُّهُ عَنْ كُلِّ نَقْصِ، وَالْعَظَمَةُ: تَجَاوُزُ الْقَدْرِ عَنِ الْإِحَاطَةِ، وَالتَّحْقِيقُ: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا لِلْحَدِيثِ الْقُدُسِيِّ فِي الصَّحِيحِ: (الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي وَالْعَظْمَةُ إِزَارِي، فَمَنْ نَازَعَنِي فِيهِمَا قَصَمْتُهُ) ، أَيْ: كَسَرْتُهُ وَأَهْلَكْتُهُ. (ثُمَّ اسْتَفْتَحَ) ، أَيْ: قَرَأَ الثَّنَاءَ فَإِنَّهُ يُسَمَّى دُعَاءَ الِاسْتِفْتَاحِ، أَوِ اسْتَفْتَحَ بِالْقِرَاءَةِ، أَيْ بَدَأَ بِهَا مِنْ غَيْرِ الْإِتْيَانِ بِالثَّنَاءِ لِبَيَانِ الْجَوَازِ، أَوْ بَعْدَ الثَّنَاءِ جَمْعًا بَيْنَ الرِّوَايَاتِ، وَحَمْلًا عَلَى أَكْمَلِ الْحَالَاتِ، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ، أَيْ يَقُولُهُ فِي صَلَاتِهِ فِي مَحَلِّ دُعَاءِ الِافْتِتَاحِ ثُمَّ اسْتَفْتَحَ. (فَقَرَأَ الْبَقَرَةَ) ، أَيْ: كُلَّهَا، وَيُحْتَمَلُ بَعْضُهَا بَعْدَ الْفَاتِحَةِ، كَمَا فِي الْأَزْهَارِ، أَوِ الْفَاتِحَةَ وَفَاتِحَةَ الْبَقَرَةِ مَعَهَا، كَمَا قِيلَ. وَإِنَّمَا حُذِفَ لِلْعِلْمِ بِهِ. (ثُمَّ رَكَعَ، فَكَانَ رُكُوعُهُ) ، أَيْ: طُولُهُ (نَحْوًا) ، أَيْ: قَرِيبًا (مِنْ قِيَامِهِ) : قَالَ مِيرَكُ: وَالْمُرَادُ أَنَّ رُكُوعَهُ مُتَجَاوِزٌ عَنِ الْمَعْهُودِ كَالْقِيَامِ، (فَكَانَ يَقُولُ) : حِكَايَةُ الْمَاضِيَةِ اسْتِحْضَارًا. قَالَهُ ابْنُ حَجَرٍ (فِي رُكُوعِهِ: " سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ ") : بِفَتْحِ الْيَاءِ وَيُسَكَّنُ (ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ، فَكَانَ قِيَامُهُ) بَعْدَ الرُّكُوعِ، أَيِ: اعْتِدَالُهُ (نَحْوًا) ، أَيْ: قَرِيبًا (مِنْ رُكُوعِهِ) : قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَفِي نُسَخٍ مِنْ قِيَامِهِ، وَفِيهِ تَطْوِيلُ الِاعْتِدَالِ، مَعَ أَنَّهُ رُكْنٌ قَصِيرٌ عِنْدَنَا، وَمِنْ ثَمَّ اخْتَارَ النَّوَوِيُّ أَنَّهُ طَوِيلٌ، بَلْ جَزَمَ بِهِ جَزْمَ الْمَذْهَبِ فِي بَعْضِ كُتُبِهِ. اهـ.
وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ: " «إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ لِنَفْسِهِ فَلْيُطَوِّلْ مَا شَاءَ» ". اهـ. وَفِيهِ أَنَّ مَا نَسَبَ الشَّيْخُ إِلَى بَعْضِ النُّسَخِ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي الْأُصُولِ الْمُقَرَّرَةِ الْمُصَحَّحَةِ. (يَقُولُ) ، أَيْ: بَعْدَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ: (" لِرَبِّيَ الْحَمْدُ " ثُمَّ سَجَدَ، فَكَانَ سُجُودُهُ نَحْوًا مِنْ قِيَامِهِ) ، أَيْ: لِلْقِرَاءَةِ، قَالَهُ عِصَامُ الدِّينِ، وَكَأَنَّهُ أَرَادَ أَنْ لَا يَكُونَ سُجُودُهُ أَقَلَّ مِنْ رُكُوعِهِ، وَالْأَظْهَرُ: الْأَقْرَبُ مِنْ قِيَامِهِ مِنَ الرُّكُوعِ لِلِاعْتِدَالِ، ثُمَّ رَأَيْتُ ابْنَ حَجَرٍ قَالَ، أَيْ: مِنِ اعْتِدَالِهِ (فَكَانَ يَقُولُ فِي سُجُودِهِ: سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى ". ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ السُّجُودِ، وَكَانَ يَقْعُدُ فِيمَا بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ نَحْوًا مِنْ سُجُودِهِ) ، أَيْ: سُجُودِهِ الْأَوَّلِ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: فِيهِ مَا مَرَّ فِي الِاعْتِدَالِ (وَكَانَ يَقُولُ) ، أَيْ: فِي جُلُوسِهِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ: (" رَبِّ اغْفِرْ لِي، رَبِّ اغْفِرْ لِي ") : يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ قَوْلُهُ: رَبِّ اغْفِرْ لِي مَرَّتَيْنِ لِتَكْرَارِهِ كَرَّتَيْنِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ إِكْثَارَهُ كَمَا فِي نَظَائِرِهِ السَّابِقَةِ، (فَصَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ قَرَأَ فِيهِنَّ) ، أَيْ: فِي الرَّكَعَاتِ الْأَرْبَعِ (الْبَقَرَةَ، وَآلَ عِمْرَانَ، وَالنِّسَاءَ، وَالْمَائِدَةَ، أَوِ الْأَنْعَامَ، شَكَّ شُعْبَةُ) ، أَيْ: رَاوِي الْحَدِيثِ، وَالْأَظْهَرُ الْأَوَّلُ مَرْضَاةً لِلتَّرْتِيبِ الْمُقَرَّرِ، مَعَ أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ التَّرْتِيبَ فِي جَمِيعِ السُّورِ تَوْقِيفِيٌّ وَهُوَ مَا عَلَيْهِ الْآنَ مَصَاحِفُ الزَّمَانِ، كَمَا ذَكَرَهُ السُّيُوطِيُّ فِي الْإِتْقَانِ فِي عُلُومِ الْقُرْآنِ. (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) : قَالَ مِيرَكُ: وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ فِي الشَّمَائِلِ، كُلُّهُمْ مِنْ طَرِيقِ أَبِي حَمْزَةَ مَوْلَى الْأَنْصَارِ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي عَنْبَسٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: أَبُو حَمْزَةَ عِنْدَنَا طَلْحَةُ بْنُ زَيْدٍ، وَقَالَ النَّسَائِيُّ: أَبُو حَمْزَةَ عِنْدَنَا طَلْحَةُ بْنُ يَزِيدَ. اهـ. وَقَوْلُ النَّسَائِيِّ أَصَحُّ، وَهُوَ مِنْ رِجَالِ الْبُخَارِيِّ، وَالرَّجُلُ الْمُبْهَمُ هُوَ صِلَةُ بْنُ زُفَرَ الْعَنْبَسِيُّ الْكُوفِيُّ، وَقَدِ احْتَجَّ بِهِ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute