(فَيَتَسَوَّكُ) : أَوَّلًا (وَيَتَوَضَّأُ وَيُصَلِّي تِسْعَ رَكَعَاتٍ، لَا يَجْلِسُ فِيهَا إِلَّا فِي الثَّامِنَةِ، فَيَذْكُرُ اللَّهَ) ، أَيْ: يَقْرَأُ التَّشَهُّدَ. (وَيَحْمَدُهُ) ، أَيْ: يُثْنِي عَلَيْهِ، قَالَ الطِّيبِيُّ، أَيْ يَتَشَهَّدُ، فَالْحَمْدُ إِذًا لِمُطْلَقِ الثَّنَاءِ إِذْ لَيْسَ فِي التَّحِيَّاتِ لَفْظُ الْحَمْدِ (وَيَدْعُوهُ) ، أَيِ: الدُّعَاءُ الْمُتَعَارَفُ (ثُمَّ يَنْهَضُ، وَلَا يُسَلِّمُ، فَيُصَلِّي التَّاسِعَةَ، ثُمَّ يَقْعُدُ، فَيَذْكُرُ اللَّهَ، وَيَحْمَدُهُ، وَيَدْعُوهُ، ثُمَّ يُسَلِّمُ تَسْلِيمًا يُسْمِعُنَا) : مِنَ الْإِسْمَاعِ، أَيْ: يَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالتَّسْلِيمِ بِحَيْثُ نَسْمَعُهُ، (ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ بَعْدَمَا يُسَلِّمُ وَهُوَ قَاعِدٌ) : ظَاهِرُهُ مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ. " «اجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِكُمْ بِاللَّيْلِ وَتْرًا» " وَغَيْرِهِ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْفِعْلِيَّةِ.
وَفِي شَرْحِ الطَّيِّبِيِّ قَالَ أَحْمَدُ: لَا أَفْعَلُهُمَا وَلَا أَمْنَعُ فِعْلَهُمَا. وَأَنْكَرَهُ مَالِكٌ، قَالَ النَّوَوِيُّ: هَاتَانِ الرَّكْعَتَانِ فَعَلَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسًا لِبَيَانِ جَوَازِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْوَتْرِ، وَبَيَانِ جَوَازِ النَّفْلِ جَالِسًا، وَلَمْ يُوَاظِبْ عَلَى ذَلِكَ، وَأَمَّا رَدُّ الْقَاضِي عِيَاضٍ رِوَايَةَ الرَّكْعَتَيْنِ فَلَيْسَ بِصَوَابٍ ; لِأَنَّ الْأَحَادِيثَ إِذَا صَحَّتْ وَأَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَهَا تَعَيَّنَ، وَقَدْ جَمَعْنَا ثُمَّ قَالَ: وَلَا تَغْتَرَّ بِمَنْ يَعْتَقِدُ سُنِّيَّةَ هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ وَيَدْعُو إِلَيْهِ لِجَهَالَتِهِ وَعَدَمِ أُنْسِهِ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: نَعَمْ يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ الْمُسَافِرُ، فَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ الْأَمْرَ بِالرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْوَتْرِ لِمُسَافِرٍ خَافَ أَنْ لَا يَسْتَيْقِظَ لِلتَّهَجُّدِ، ثُمَّ رَوَى عَنْ ثَوْبَانَ: «كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فَقَالَ: " إِنَّ هَذَا السَّفَرَ جُهْدٌ وَثِقَلٌ، فَإِذَا أَوْتَرَ أَحَدُكُمْ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ فَإِنِ اسْتَيْقَظَ وَإِلَّا كَانَتَا لَهُ» ".
(فَتِلْكَ إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً) : بِسُكُونِ الشِّينِ وَيُكْسَرُ هَذَا نَظِيرُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} [البقرة: ١٩٦] (يَا بُنَيَّ) : بِفَتْحِ الْيَاءِ، وَكَسْرِهَا (فَلَمَّا أَسَنَّ) ، أَيْ: كَبِرَ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَخَذَ اللَّحْمَ) : قِيلَ، أَيِ السِّمَنَ، وَقَالَ ابْنُ الْمَلَكِ، أَيْ ضَعُفَ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: إِنَّمَا كَانَ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ بِنَحْوِ سَنَةٍ. (أَوْتَرَ بِسَبْعٍ، وَصَنَعَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ مِثْلَ صَنِيعِهِ فِي الْأُولَى) : يَعْنِي: صَلَّاهُمَا قَاعِدًا كَمَا كَانَ يَصْنَعُ قَبْلَ أَنْ يَسَنَّ، (فَتِلْكَ تِسْعٌ يَا بُنَيَّ، وَكَانَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَلَّى صَلَاةً) : وَكَذَا كُلُّ عِبَادَةٍ (أَحَبَّ أَنْ يُدَاوِمَ عَلَيْهَا) : وَإِنَّمَا كَانَ يَتْرُكُهَا أَحْيَانًا لِعُذْرٍ أَوْ لِبَيَانِ الْجَوَازِ، وَهَذَا يَدُلُّ مِنْهَا عَلَى مُوَاظَبَةِ الرَّكْعَتَيْنِ، فَلَا يَصِحُّ تَأْوِيلُ النَّوَوِيِّ بِأَنَّهُ لِبَيَانِ الْجَوَازِ، وَلَعَلَّ الْقَاضِيَ عِيَاضًا لِهَذَا رَدَّ رِوَايَةَ الرَّكْعَتَيْنِ حَيْثُ تُعَارِضُ الْأَحَادِيثَ الثَّابِتَةَ عَلَى عَدَمِ مُوَاظَبَتِهِمَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
(وَكَانَ إِذَا غَلَبَهُ نَوْمٌ أَوْ وَجَعٌ) ، أَيْ: مَنَعَهُ مَرَضٌ أَوْ أَلَمٌ (عَنْ قِيَامِ اللَّيْلِ، صَلَّى بِالنَّهَارِ) ، أَيْ: فِي أَوَّلِهِ مَا بَيْنَ طُلُوعِ الشَّمْسِ إِلَى الزَّوَالِ لِمَا تَقَدَّمَ (ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً، وَلَا أَعْلَمُ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ الْقُرْآنَ كُلَّهُ فِي لَيْلَةٍ، وَلَا صَلَّى لَيْلَةً إِلَى الصُّبْحِ، وَلَا صَامَ شَهْرًا كَامِلًا غَيْرَ رَمَضَانَ) ، أَيْ: دَائِمًا فَلَا يُرَادُ أَنَّهُ وَرَدَ عَنْهَا أَنَّهُ كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ، وَإِنْ بَيِّنَتْهُ الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى عَنْهَا أَنَّهُ كَانَ يَصُومُ أَكْثَرَهُ، قَالَ الطِّيبِيُّ: مِنْ بَابِ نَفْيِ الشَّيْءِ بِنَفْيِ لَازِمِهِ دَلَّ الْكَلَامُ عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ مُتَرَقِّبَةً أَحْوَالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَهَا وَنَهَارَهَا وَحُضُورَهَا وَغَيْبَتَهَا، أَيْ: لَمْ يَكُنِ الْفِعْلُ الْمَذْكُورُ إِذْ لَوْ كَانَ لَعَلِمْتُهُ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَذَلِكَ لَا يَحْسُنُ إِلَّا مِمَّنْ أَحَاطَ عِلْمُهُ بِذَلِكَ الشَّيْءِ، وَتَمَكَّنَ مِنْهُ تَمَكُّنًا تَامًّا، وَمِنْ ثَمَّ اطَّرَدَ ذَلِكَ فِي حَقِّهِ تَعَالَى قَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ: {أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ} [يونس: ١٨] ، أَيْ: لَمْ يُوجَدْ وَإِلَّا تَعَلَّقُ عِلْمُ اللَّهِ بِهِ. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) : قَالَ مِيرَكُ: وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute