١٢٧٣ - وَعَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَلِمَاتٍ أَقُولُهُنَّ فِي قُنُوتِ الْوَتْرِ: " «اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ، وَعَافِنِي فَيَمَنْ عَافَيْتَ، وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ، وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ، وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ، فَإِنَّكَ تَقْضِي وَلَا يُقْضَى عَلَيْكَ، إِنَّهُ لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ، تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ» ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَالدَّارِمِيُّ
ــ
١٢٧٣ - (وَعَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَلِمَاتٍ) ، أَيْ: جُمَلًا مُفِيدَةً (أَقُولُهُنَّ) ، أَيْ: أَدْعُو بِهِنَّ (فِي قُنُوتِ الْوَتْرِ) : وَفِي رِوَايَةٍ: فِي الْوَتْرِ، وَظَاهِرُهُ الْإِطْلَاقُ فِي جَمِيعِ السُّنَّةِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُنَا، وَالشَّافِعِيَّةُ يُقَيِّدُونَ الْقُنُوتَ فِي الْوَتْرِ بِالنِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ (" اللَّهُمَّ اهْدِنِي ") ، أَيْ: ثَبِّتْنِي عَلَى الْهِدَايَةِ، أَوْ زِدْنِي مِنْ أَسْبَابِ الْهِدَايَةِ إِلَى الْوُصُولِ بِأَعْلَى مَرَاتِبِ النِّهَايَةِ، (" فِيمَنْ هَدَيْتَ ") ، أَيْ: فِي جُمْلَةِ مَنْ هَدَيْتَهُمْ أَوْ هَدَيْتَهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ، كَمَا قَالَ سُلَيْمَانُ: {وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ} [النمل: ١٩] ، وَقَالَ ابْنُ الْمَلَكِ، أَيِ: اجْعَلْنِي مِمَّنْ هَدَيْتَهُمْ إِلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، وَقِيلَ (فِي) فِيهِ وَفِيمَا بَعْدَهُ بِمَعْنَى " مَعَ " قَالَ تَعَالَى: {فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} [النساء: ٦٩] (" وَعَافِنِي فَيَمَنْ عَافَيْتَ ") ، أَيْ: مِنْ أَسْوَأِ الْأَدْوَاءِ وَالْأَخْلَاقِ وَالْأَهْوَاءِ، وَقَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: مِنَ الْمُعَافَاةِ الَّتِي هِيَ دَفْعُ السُّوءِ (" وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ ") ، أَيْ تَوَلَّ أَمْرِي وَلَا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي فِي جُمْلَةِ مَنْ تَفَضَّلْتَ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ، قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: يَعْنِي أَحْبَبْتَهُمْ أَوْ مِمَّنْ تَقُومُ بِحِفْظِ أُمُورِهِمْ، قَالَ الْمُظْهِرُ: أَمْرُ مُخَاطَبٍ مِنْ تَوَلَّى إِذَا أَحَبَّ عَبْدًا وَقَامَ بِحِفْظِهِ وَحَفِظَ أَمْرَهُ. (" وَبَارِكْ ") ، أَيْ: أَكْثِرِ الْخَيْرَ. (" لِي ") ، أَيْ: لِمَنْفَعَتِي (" فِيمَا أَعْطَيْتَ ") ، أَيْ: فِيمَا أَعْطَيْتَنِي مِنَ الْعُمُرِ وَالْمَالِ وَالْعُلُومِ وَالْأَعْمَالِ، قَالَ الطِّيبِيُّ: (فِي) فِيهِ لَيْسَتْ كَمَا هِيَ فِي السَّوَابِقِ ; لِأَنَّ مَعْنَاهَا أَوْقِعِ الْبَرَكَةَ فِيمَا أَعْطَيْتَنِي مِنْ خَيْرِ الدَّارَيْنِ، وَمَعْنَاهَا فِي قَوْلِهِ فِيمَنْ هَدَيْتَ اجْعَلْ لِي نَصِيبًا وَافِرًا مِنَ الِاهْتِدَاءِ مَعْدُودًا فِي زُمْرَةِ الْمُهْتَدِينَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ. (" وَقِنِي ") ، أَيِ: احْفَظْنِي. (" شَرَّ مَا قَضَيْتَ ") ، أَيْ: مَا قَدَّرْتَ لِي مِنْ قَضَاءٍ وَقَدَرٍ، فَسَلِّمْ لِيَ الْعَقْلَ وَالدِّينَ، قَالَ الطِّيبِيُّ: وَهَذَا مِنْ قَبِيلِ: أَفِرُّ مِنْ قَضَاءِ اللَّهِ تَعَالَى بِقَدَرِهِ (" فَإِنَّكَ ") : وَقَعَ كَالتَّعْلِيلِ لِسُؤَالِ مَا قَبْلَهُ (" تَقْضِي ") ، أَيْ: تُقَدِّرُ أَوْ تَحْكُمُ بِكُلِّ مَا أَرَدْتَ (" وَلَا يُقْضَى عَلَيْكَ ") : فَإِنَّهُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِكَ وَلَا يَجِبُ عَلَيْكَ شَيْءٌ (" إِنَّهُ ") ، أَيِ: الشَّأْنُ (" لَا يَذِلُّ ") : بِفَتْحٍ فَكَسْرٍ، أَيْ لَا يَصِيرُ ذَلِيلًا، أَيْ حَقِيقَةً وَلَا عِبْرَةَ بِالصُّورَةِ (" مَنْ وَالَيْتَ ") : الْمُوَالَاةُ ضِدُّ الْمُعَادَاةِ. وَجَاءَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ: وَلَا يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ.
قَالَ ابْنُ حَجَرٍ، أَيْ لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ مِنْ عِبَادِكَ فِي الْآخِرَةِ أَوْ مُطْلَقًا وَإِنِ ابْتُلِيَ بِمَا ابْتُلِيَ بِهِ، وَسُلِّطَ عَلَيْهِ مَنْ أَهَانَهُ وَأَذَلَّهُ بِاعْتِبَارِ الظَّاهِرِ ; لِأَنَّ ذَلِكَ غَايَةُ الرِّفْعَةِ وَالْعِزَّةِ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ أَوْلِيَائِهِ، وَلَا عِبْرَةَ إِلَّا بِهِمْ، وَمِنْ ثَمَّ وَقَعَ لِلْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مِنَ الِامْتِحَانَاتِ الْعَجِيبَةِ مَا هُوَ مَشْهُورٌ، كَقَطْعِ زَكَرِيَّا بِالْمِنْشَارِ، وَذَبْحِ وَلَدِهِ يَحْيَى، وَزَادَ الْبَيْهَقِيُّ، وَكَذَا الطَّبَرَانِيُّ مِنْ عِدَّةِ طُرُقٍ: وَلَا يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ، أَيْ: لَا يَعِزُّ فِي الْآخِرَةِ أَوْ مُطْلَقًا وَإِنْ أُعْطِيَ مِنْ نَعِيمِ الدُّنْيَا وَمُلْكِهَا مَا أُعْطِيَ، لِكَوْنِهِ لَمْ يَمْتَثِلْ أَوَامِرَكَ وَلَمْ يَجْتَنِبْ نَوَاهِيَكَ، وَوَرَدَ عِنْدَ ابْنِ أَبِي عَاصِمٍ بَعْدَ ذَلِكَ: نَسْتَغْفِرُكَ وَنَتُوبُ إِلَيْكَ. اهـ كَلَامُهُ.
(" تَبَارَكْتَ ") ، أَيْ: تَكَاثَرَ خَيْرُكَ فِي الدَّارَيْنِ (" رَبَّنَا ") : بِالنَّصْبِ، أَيْ: يَا رَبَّنَا (" وَتَعَالَيْتَ ") ، أَيِ: ارْتَفَعَ عَظْمَتُكَ وَظَهَرَ قَهْرُكَ وَقُدْرَتُكَ عَلَى مَنْ فِي الْكَوْنَيْنِ، وَقَالَ ابْنُ الْمَلَكِ، أَيِ ارْتَفَعْتَ عَنْ مُشَابَهَةِ كُلِّ شَيْءٍ. (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَالدَّارِمِيُّ) : وَفِي التَّصْحِيحِ: وَرَوَاهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ، وَالْحَاكِمُ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ وَلَا نَعْرِفُ فِي الْقُنُوتِ شَيْئًا أَحْسَنَ مِنْ هَذَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ: (فَإِنَّكَ) بِالْفَاءِ وَالْبَاقُونَ (إِنَّكَ) بِغَيْرِ فَاءٍ. وَزَادَ النَّسَائِيُّ: وَلَا يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ، وَفِي آخِرِهِ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ. وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي عَاصِمٍ وَزَادَ: نَسْتَغْفِرُكَ وَنَتُوبُ إِلَيْكَ. اهـ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute