وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ قَبْلَ زِيَادَةِ الصَّلَاةِ عَلَى مَا يُفْهَمُ مِنَ الْحِصْنِ، وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ الْهُمَامِ، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ، لَكِنْ صَحَّ أَيْضًا زِيَادَةُ وَاوٍ قَبْلَ إِنَّهُ، وَمِنْ ثَمَّ غَلَّطَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ حَذْفَ هَذِهِ الْوَاوِ وَالْفَاءِ قَبْلَ إِنَّكَ وَرَبَّنَا بِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا صَحَّ مِنْ إِثْبَاتِ الثَّلَاثِ، قَالَ مِيرَكُ: وَزَادَ الْحَاكِمُ فِي حَدِيثٍ بَعْدَ قَوْلِهِ فِي قُنُوتِ الْوَتْرِ فِي الْأَخِيرَةِ إِذَا رَفَعْتُ رَأْسِي مِنَ الرُّكُوعِ: اللَّهُمَّ اهْدِنِي وَسَاقَهُ. اهـ.
وَفِي رِوَايَةٍ ذَكَرَهَا الْبَيْهَقِيُّ أَنَّ مُحَمَّدَ ابْنَ الْحَنَفِيَّةِ قَالَ: إِنَّ هَذَا الدُّعَاءَ الَّذِي كَانَ أَبِي يَدْعُو بِهِ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ فِي قُنُوتِهِ، وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طُرُقٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يُعَلِّمُهُمْ هَذَا الدُّعَاءَ لِيَدْعُوا بِهِ فِي قُنُوتِ الصُّبْحِ، وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ كَانَ يَقْنُتُ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ وَوَتْرِ اللَّيْلِ بِهَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ تَعْلِيمَ هَذَا الدُّعَاءِ وَقَعَ لِقُنُوتِ الْوَتْرِ وَالصُّبْحِ، قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: هُنَا ثَلَاثُ خِلَافِيَّاتٍ: إِحْدَاهَا: أَنَّهُ إِذَا قَنَتَ فِي الْوَتْرِ يَقْنُتُ قَبْلَ الرُّكُوعِ أَوْ بَعْدَهُ؟ وَالثَّانِيَةُ: أَنَّ الْقُنُوتَ فِي الْوَتْرِ فِي جَمِيعِ السَّنَةِ أَوْ فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ؟ وَالثَّالِثَةُ: هَلْ يَقْنُتُ فِي غَيْرِ الْوَتْرِ أَوْ لَا؟ لِلشَّافِعِيِّ مَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ وَصَحَّحَهُ، قَالَ: «عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَلِمَاتٍ أَقَوْلُهُنَّ فِي وَتْرِي إِذَا رَفَعْتُ رَأْسِي وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا السُّجُودُ» . الْحَدِيثَ، وَلَنَا: مَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُوتِرُ فَيَقْنُتُ قَبْلَ الرُّكُوعِ» ، وَأَخْرَجَ الْخَطِيبُ فِي كِتَابِ الْقُنُوتِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَنَتَ فِي الْوَتْرِ قَبْلَ الرُّكُوعِ» ، وَذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ وَسَكَتَ عَنْهُ، وَأَخْرَجَ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «أَوْتَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِثَلَاثٍ فَقَنَتَ مِنْهَا قَبْلَ الرُّكُوعِ» ، وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُوتِرُ بِثَلَاثِ رَكَعَاتٍ» ، وَيَجْعَلُ الْقُنُوتَ قَبْلَ الرُّكُوعِ، وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَنَتَ بَعْدَ الرُّكُوعِ» ، فَالْمُرَادُ مِنْهُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ شَهْرًا فَقَطْ بِدَلِيلِ مَا سَيَأْتِي عَنْهُ قَرِيبًا فِي بَابِ الْقُنُوتِ، قَالَ: وَمِمَّا يُحَقِّقُ ذَلِكَ أَنَّ عَمَلَ الصَّحَابَةِ أَوْ أَكْثَرِهِمْ كَانَ عَلَى وَفْقِ مَا قُلْنَا، قَالَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ هِشَامٍ الدُّسْتُوَائِيِّ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ وَأَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُوا يَقْنُتُونَ فِي الْوَتْرِ قَبْلَ الرُّكُوعِ، وَلَمَّا تَرَجَّحُ ذَلِكَ خَرَجَ مَا بَعْدَ الرُّكُوعِ مِنْ كَوْنِهِ مُحَلِّلًا لِلْقُنُوتِ، فَلِذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَوْ سَهَا عَنِ الْقُنُوتِ فَتَذَكَّرَهُ بَعْدَ الِاعْتِدَالِ لَا يَقْنُتُ، وَلَوْ تَذَكَّرَهُ فِي الرُّكُوعِ فَعَنْهُ رِوَايَتَانِ، إِحْدَاهُمَا: لَا يَقْنُتُ، وَالْأُخْرَى يَعُودُ إِلَى الْقِيَامِ فَيَقْنُتُ، وَالَّذِي فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانٍ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَقْنُتُ فِي الرُّكُوعِ، وَلَا يَعُودُ إِلَى الْقِيَامِ فَإِنْ عَادَ إِلَى الْقِيَامِ وَقَنَتَ وَلَمْ يُعِدِ الرُّكُوعَ لَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُ ; لِأَنَّ رُكُوعَهُ قَائِمٌ لَمْ يَرْتَفِضْ إِلَّا إِذَا اقْتَدَى بِمَنْ يَقْنُتُ فِي الْوَتْرِ بَعْدَ الرُّكُوعِ فَإِنَّهُ يُتَابِعُهُ اتِّفَاقًا، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْمَسْبُوقَ بِرَكْعَتَيْنِ إِذَا قَنَتَ مَعَ الْإِمَامِ فِي الثَّالِثَةِ لَا يَقْنُتُ مَرَّةً أُخْرَى، وَلَوْ سَبَقَهُ الْإِمَامُ فَرَكَعَ وَهُوَ لَمْ يَفْرَغْ يُتَابِعُهُ، وَلَوْ رَكَعَ الْإِمَامُ وَتَرَكَ الْقُنُوتَ وَلَمْ يَقْرَأِ الْمَأْمُومُ مِنْهُ شَيْئًا إِنْ خَافَ فَوْتَ الرُّكُوعِ يَرْكَعُ وَإِلَّا قَنَتَ ثُمَّ رَكَعَ. اهـ. وَالْخِلَافِيَّتَانِ الْأُخْرَيَانِ سَنَذْكُرُهُمَا فِي بَابِ الْقُنُوتِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَاعْلَمْ أَنَّ قُنُوتَ الْوَتْرِ مُخْتَصٌّ عِنْدَنَا بِنِصْفِ رَمَضَانَ الثَّانِي لِمَا صَحَّ كَمَا قَالَهُ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ، «عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: السُّنَّةُ إِذَا انْتَصَفَ رَمَضَانُ أَنْ يَلْعَنَ الْكَفَرَةَ فِي الْوَتْرِ بَعْدَمَا يَقُولُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، وَمِنْ ثَمَّ لَمَّا جَمَعَ النَّاسَ عَلَى أُبَيٍّ لَمْ يَقْنُتْ بِهِمْ إِلَى النِّصْفِ الثَّانِي» .
رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. وَالِاعْتِرَاضُ عَلَى الْمُنْذِرِيِّ بِأَنَّ مَا صَحَّحَهُ غَرِيبٌ مَرْدُودٌ بِأَنَّهُ جَاءَ مِنْ طُرُقٍ أُخْرَى، قُلْتُ: لَا يَلْزَمُ مِنْ مَجِيئِهِ بِطُرُقٍ أُخْرَى صِحَّتُهُ، وَبِفَرْضِ تَسْلِيمِهِ يُحْمَلُ عَلَى زِيَادَةِ قُنُوتٍ خَاصٍّ مَخْصُوصٍ بِوَقْتِ غَلَبَةِ الْكَفَّارِ وَدَفْعِهِمْ بِالدُّعَاءِ، وَهُوَ لَا يُنَافِي دَوَامَ الْقُنُوتِ الْمَذْكُورِ فِي جَمِيعِ السَّنَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute