١٣٠٣ - وَعَنِ الْأَعْرَجِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: مَا أَدْرَكْنَا النَّاسَ إِلَّا وَهُمْ يَلْعَنُونَ الْكَفَرَةَ فِي رَمَضَانَ قَالَ: وَكَانَ الْقَارِئُ يَقْرَأُ سُورَةَ الْبَقَرَةِ فِي ثَمَانِ رَكَعَاتٍ، وَإِذَا قَامَ بِهَا فِي ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً رَأَى النَّاسُ أَنَّهُ قَدْ خَفَّفَ. رَوَاهُ مَالِكٌ.
ــ
١٣٠٣ - (وَعَنِ الْأَعْرَجِ) : مِنْ مَشَاهِيرِ التَّابِعِينَ (قَالَ: مَا أَدْرَكْنَا النَّاسَ) ، أَيْ: الصَّحَابَةَ وَكُبَرَاءَ التَّابِعِينَ، (إِلَّا وَهُمْ يَلْعَنُونَ الْكَفَرَةَ فِي رَمَضَانَ) ، أَيْ: فِي وِتْرِهِمْ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْجَزَرِيُّ فِي الْحِصْنِ فِي الْقُنُوتِ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُسْلِمِينَ وَالْمُسَلِّمَاتِ، وَأَلَّفَ بَيْنِ قُلُوبِهِمْ، وَأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِهُمْ، وَانْصُرْهُمْ عَلَى عَدُوِّهِمْ، اللَّهُمَّ الْعَنِ الْكَفَرَةَ الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِكَ وَيُكَذِّبُونَ رُسُلَكَ، وَيُقَاتِلُونَ أَوْلِيَاءَكَ، اللَّهُمَّ خَالِفْ بَيْنَ كَلِمَتِهِمْ، وَزَلْزِلْ أَقْدَامَهُمْ، وَأَنْزِلْ بِهِمْ بَأْسَكَ الَّذِي لَا تَرُدُّهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ. رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ، وَلَعَلَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ مَخْصُوصَةٌ بِالنِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ، وَبِهَذَا يَحْصُلُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ، وَيَرْتَفِعُ الْخِلَافُ بَيْنَ الْمَذَاهِبِ، فَلَا يُنَافِي مَا صَحَّ عَنْ عُمَرَ رِضَى اللَّهُ عَنْهُ: السّنَّةُ إِذَا انْتَصَفَ رَمَضَانُ أَنْ تَلْعَنَ الْكَفَرَةَ فِي الْوِتْرِ، وَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ: أَنَّهُ لَمَّا جُمِعَ النَّاسُ عَلَى أُبَيٍّ لَمْ يَقْنُتْ بِهِمْ إِلَّا فِي النِّصْفِ الثَّانِي، مَحْمُولٌ عَلَى الْقُنُوتِ الْمَخْصُوصِ الَّذِي فِيهِ لَعْنُ الْكَفَرَةِ عَلَى الْعُمُومِ.
قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَلِهَذَا الْحَدِيثِ اسْتَحْسَنَ أَصْحَابُنَا لِلْإِمَامِ أَنْ يَذْكُرَ فِي قُنُوتِ الْوِتْرِ: اللَّهُمَّ اهْدِنَا فِيمَنْ هَدَيْتَ إِلَخْ. وَاللَّهُمَّ إِنَّا نَسْتَعِينُكَ وَنَسْتَغْفِرُكَ وَنَسْتَهْدِيكَ وَنُؤْمِنُ بِكَ إِلَخْ. وَهُوَ مَشْهُورٌ، وَاللَّهُمَّ الْعَنْ كَفَرَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِكَ، قَالَ الطِّيبِيُّ: لَعَلَّ الْمُرَادَ أَنَّهُمْ لَمَّا لَمْ يُعَظِّمُوا مَا عَظَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنَ الشَّهْرِ، وَلَمْ يَهْتَدُوا بِمَا أُنْزِلَ فِيهِ مِنَ الْفُرْقَانِ، اسْتَوْجَبُوا بِأَنْ يُدْعَى عَلَيْهِمْ، وَيُطْرَدُوا عَنْ رَحْمَةِ اللَّهِ الْوَاسِعَةِ، قُلْتُ: وَلَعَلَّ فِي تَخْصِيصِ النِّصْفِ الْأَخِيرِ إِشَارَةً إِلَى زَوَالِهِمْ، وَتُزَلْزُلِهِمْ عَنْ مَحَالِلِهِمْ، وَانْتِقَالِهِمْ عَنْ حَالِهِمْ إِلَى سُوءِ مَآلِهِمْ.
(قَالَ) ، أَيْ: الْأَعْرَجُ (وَكَانَ الْقَارِئُ يَقْرَأُ سُورَةَ الْبَقَرَةِ فِي ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ) : بِفَتْحِ الْيَاءِ، وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ: بِحَذْفِ الْيَاءِ (فَإِذَا قَامَ بِهَا فِي ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً رَأَى النَّاسُ) : فَاعِلٌ (أَنَّهُ قَدْ خَفَّفَ) ، أَيْ: الْإِمَامُ فِي الْإِطَالَةِ، سَدَّ مَسَدَّ مَفْعُولَيْ رَأَى، وَقِيلَ: الثَّانِي مَحْذُوفٌ، أَيْ تَخْفِيفُهُ وَاقِعًا. (رَوَاهُ مَالِكٌ) .
قَالَ ابْنُ تَيْمِيَةَ الْحَنْبَلِيُّ: اعْلَمْ أَنَّهُ لَمْ يُوَقِّتْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي التَّرَاوِيحِ عَدَدًا مُعَيَّنًا، بَلْ لَا يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ، وَلَا فِي غَيْرِهِ عَلَى ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، لَكِنْ كَانَ يُطِيلُ الرَّكَعَاتِ، فَلَمَّا جَمَعَهُمْ عُمَرُ عَلَى أُبَيٍّ كَانَ يُصَلِّي بِهِمْ عِشْرِينَ رَكْعَةً، ثُمَّ يُوتِرُ بِثَلَاثٍ، وَكَانَ يُخَفِّفُ الْقِرَاءَةَ، بِقَدْرِ مَا زَادَ مِنَ الرَّكَعَاتِ ; لِأَنَّ ذَلِكَ أَخْفُ عَلَى الْمَأْمُومِينَ مِنْ تَطْوِيلِ الرَّكْعَةِ الْوَاحِدَةِ، ثُمَّ كَانَ طَائِفَةٌ مِنَ السَّلَفِ يَقُومُونَ بِأَرْبَعِينَ رَكْعَةً وَيُوتِرُونَ بِثَلَاثٍ، وَآخَرُونَ بِسِتٍّ وَثَلَاثِينَ وَأَوْتَرُوا بِثَلَاثٍ، وَهَذَا كُلُّهُ حَسَنٌ سَائِغٌ، وَمَنْ ظَنَّ أَنَّ قِيَامَ رَمَضَانَ فِيهِ عَدَدٌ مُعَيَّنٌ مُوَقَّتٌ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ، فَقَدْ أَخْطَأَ.
وَذَكَرَ السُّيُوطِيُّ فِي رِسَالَتِهِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ سِتًّا وَثَلَاثِينَ رَكْعَةً تَشْبِيهًا بِأَهْلِ مَكَّةَ، حَيْثُ كَانُوا يَطُوفُونَ بَيْنَ كُلِّ تَرْوِيحَتَيْنِ طَوَافًا وَيُصَلُّونَ رَكْعَتَيْهِ، وَلَا يَطُوفُونَ بَعْدَ الْخَامِسَةِ، فَأَرَادَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ مُسَاوَاتَهُمْ، فَجَعَلُوا مَكَانَ كُلِّ طَوَافٍ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، وَلَوْ ثَبَتَ عَدَدُهَا بِالنَّصِّ لَمْ تَجُزْ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ، وَلَأَهْلُ الْمَدِينَةِ وَالصَّدْرُ الْأَوَّلُ كَانُوا أَوْرَعَ مِنْ ذَلِكَ.
وَقَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: قَدَّمْنَا فِي بَابِ النَّوَافِلِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، سَأَلْتُ عَائِشَةَ: كَيْفَ كَانَتْ صَلَاةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَمَضَانَ؟ فَقَالَتْ: مَا كَانَ يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ وَلَا غَيْرِهِ عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً الْحَدِيثَ، وَأَمَّا مَا رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ، وَالطَّبَرَانِيُّ، وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يُصَلِّي فِي رَمَضَانَ عِشْرِينَ رَكْعَةً سِوَى الْوَتْرِ» ، فَضَعِيفٌ بِأَبِي شَيْبَةَ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُثْمَانَ جَدِّ الْإِمَامِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، مُتَّفَقٌ عَلَى ضَعْفِهِ، مَعَ مُخَالَفَتِهِ لِلصَّحِيحِ، نَعَمْ ثَبَتَ الْعِشْرُونَ مِنْ زَمَنٍ عُمَرَ، فَفِي الْمُوَطَّأِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ، قَالَ: كَانَ النَّاسُ يَقُومُونَ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بِثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ رَكْعَةً، وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: كُنَّا نَقُومُ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بِعِشْرِينَ رَكْعَةً وَالْوِتْرِ، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ: إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute