للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَفِي الْمُوَطَّأِ رِوَايَةٌ بِإِحْدَى عَشْرَةَ، وَجُمِعَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُ وَقَعَ أَوَّلًا ثُمَّ اسْتَقَرَّ الْأَمْرُ عَلَى الْعِشْرِينَ، فَإِنَّهُ الْمُتَوَارَثُ، فَتَحْصُلُ مِنْ هَذَا كُلِّهِ أَنَّ قِيَامَ رَمَضَانَ سُنَّةً إِحْدَى عَشْرَةَ بِالْوِتْرِ فِي جَمَاعَةِ فِعْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ثُمَّ تَرَكَهُ لِعُذْرٍ أَفَادَ أَنَّهُ لَوْلَا خَشْيَةُ ذَلِكَ لَوَاظَبْتُ بِكُمْ، وَلَا شَكَّ فِي تَحَقُّقِ الْأَمْنِ مِنْ ذَلِكَ بِوَفَاتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَيَكُونُ سُنَّةً، وَكَوْنُهَا عِشْرِينَ سُنَّةُ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: " «عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ» " نَدْبٌ إِلَى سُنَّتِهِمْ، وَلَا يَسْتَلْزِمُ كَوْنُ ذَلِكَ سُنَّتِهِ ; إِذْ سُنَّتُهُ بِمُوَاظَبَتِهِ بِنَفْسِهِ، أَوْ إِلَّا لِعُذْرٍ، وَبِتَقْدِيرِ عَدَمِ ذَلِكَ الْعُذْرِ إِنَّمَا اسْتَفَدْنَا أَنَّهُ كَانَ يُوَاظِبُ عَلَى مَا وَقَعَ مِنْهُ وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا، فَيَكُونُ الْعِشْرُونَ مُسْتَحَبًّا، وَذَلِكَ الْقَدْرُ مِنْهَا هُوَ السُّنَّةُ كَالْأَرْبَعِ بَعْدَ الْعِشَاءِ مُسْتَحَبَّةً، وَرَكْعَتَانِ مِنْهَا هِيَ السُّنَّةُ.

وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمَشَايِخِ أَنَّ السُّنَّةَ عِشْرُونَ، وَمُقْتَضَى الدَّلِيلِ مَا قُلْنَا، فَالْأَوْلَى حِينَئِذٍ مَا هُوَ عِبَارَةُ الْقَدُورِيِّ مِنْ قَوْلِهِ: مُسْتَحَبٌّ لَا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِيهِ، أَيْ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي كِتَابِهِ مِنْ قَوْلِهِ: يُسَنُّ، لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَ الْقَدُورِيِّ أَيْضًا يُوهِمُ أَنَّ الْكُلَّ مُسْتَحَبٌّ، كَمَا أَنَّ عِبَارَةَ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ تُوهِمُ أَنَّ الْكُلَّ مَسَنُونٌ، فَلَا بُدَّ أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُ كُلٍّ مِنْهُمَا لِتَصْحِيحِهِمَا عَلَى التَّغْلِيبِ، وَهُوَ فِي كَلَامِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ أَظْهَرُ إِمَّا بِنَاءً عَلَى غَلَبَةِ الْأَكْثَرِ مَنْ عَدَدِ الرَّكَعَاتِ الْمَسْنُونَةِ عَلَى الْمُسْتَحَبَّةِ، أَوْ عَلَى الْأَفْضَلِ مِنْ فِعْلِهِ عَلَى فِعْلِ الصَّحَابَةِ، أَوْ عَلَى الْأَقْوَى مِنْ إِطْلَاقِ سُنَّتِهِ عَلَى سُنَّةِ خُلَفَائِهِ، فَقَوْلُ الْهِدَايَةِ أَوْلَى مَعَ مَا يُسْتَفَادُ مِنْهُ لِلْعَامَّةِ مِنْ زِيَادَةِ الْحَثِّ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوْلَى وَالطَّرِيقِ الْأَعْلَى.

وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَقَوْلُ بَعْضِ أَئِمَّتِنَا أَنَّهُ صَلَّى بِالنَّاسِ عِشْرِينَ رَكْعَةً، لَعَلَّهُ أَخَذَهُ مِمَّا فِي مُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ «أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ كَانَ يُصَلِّي فِي رَمَضَانَ عِشْرِينَ رَكْعَةً سِوَى الْوِتْرِ» ، وَمِمَّا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ «أَنَّهُ صَلَّى بِهِمْ عِشْرِينَ رَكْعَةً بِعَشْرِ تَسْلِيمَاتٍ لَيْلَتَيْنِ، وَلَمْ يَخْرُجْ فِي الثَّالِثَةِ» ، لَكِنِ الرِّوَايَتَانِ ضَعِيفَتَانِ، وَفِي صَحِيحَيْ ابْنِ خُزَيْمَةَ وَابْنِ حِبَّانَ أَنَّهُ صَلَّى بِهِمْ ثَمَانِ رَكَعَاتٍ وَالْوِتْرِ، لَكِنْ أَجْمَعَ الصَّحَابَةُ عَلَى أَنَّ التَّرَاوِيحَ عِشْرُونَ رَكْعَةً.

<<  <  ج: ص:  >  >>