وَلَا يُعَارِضُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الزخرف: ٧٢] لِأَنَّ الْعَمَلَ سَبَبٌ صُورِيٌّ، وَسَبَبُهُ الْحَقِيقِيُّ هُوَ رَحْمَةُ اللَّهِ لَا غَيْرُ، عَلَى أَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الرَّحْمَةِ بِالْعَبْدِ، فَلَمْ يَدْخُلْ إِلَّا بِمَحْضِ الرَّحْمَةِ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ، وَقِيلَ دُخُولُهَا بِالرَّحْمَةِ، وَتَفَاوُتُ الدَّرَجَاتِ بِتَفَاوُتِ الطَّاعَاتِ وَالْخُلُودُ بِالنِّيَّاتِ. (ثَلَاثًا) ، أَيْ: قَالَ هَذَا الْقَوْلَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ لِلتَّأْكِيدِ، أَوْ بِاعْتِبَارِ الْحَالَاتِ الثَّلَاثِ مِنَ الْأُولَى وَالْوُسْطَى وَالْأُخْرَى، وَفِي نُسْخَةِ الْعَفِيفِ لَفْظُ ثَلَاثًا غَيْرُ مَذْكُورٍ. (قُلْتُ) : هَذَا رُجُوعٌ إِلَى الْأَصْلِ فِي الْكَلَامِ أَنْ يَكُونَ بِاللَّفْظِ لَا بِالْمَعْنَى، وَقَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ فِيهِ الْتِفَاتٌ مِنَ الرَّاوِي عَنْهَا لَا يَظْهَرُ لَهُ مَعْنى. (وَلَا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟) ، أَيْ: مَا تَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا بِرَحْمَتِهِ تَعَالَى مَعَ كَمَالِ مَرْتَبَتِكَ فِي الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ. (فَوَضَعَ يَدَهُ) ، أَيْ: تَوَاضُعًا (عَلَى هَامَتِهِ) ، أَيْ: رَأْسِهِ وَهُوَ مَوْضِعُ التَّكَبُّرِ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ: وَفِي وَضْعِ الْيَدِ عَلَى الرَّأْسِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ إِشَارَةٌ إِلَى افْتِقَارٍ كُلَّ الِافْتِقَارِ مِنْ شُمُولِ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ مِنْ رَأْسِهِ إِلَى قَدَمِهِ، (فَقَالَ: " وَلَا أَنَا) ، أَيْ: وَلَا أَدْخُلُهَا أَنَا فِي زَمَانٍ مِنَ الْأَزْمِنَةِ، (إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ) ، أَيْ: إِلَّا وَقْتَ أَنْ يَسْتُرَ ذَاتِي وَيُحِيطَ بِي مِنْ كُلِّ جِهَاتِي، مَأْخُوذٌ مِنَ الْغِمْدِ وَهُوَ غِلَافُ السَّيْفِ (مِنْهُ) ، أَيْ: مِنْ عِنْدِهِ وَفَضْلِهِ وَكَرَمِهِ (بِرَحْمَتِهِ) : لَا بِعِلْمٍ وَعَمَلٍ مِنِّي، مَعَ أَنَّهُمَا لَا يُتَصَوَّرَانِ مِنْ غَيْرِ جِهَةِ عِنَايَتِهِ (يَقُولُهَا) ، أَيْ: هَذِهِ الْجُمَلَ وَهِيَ: وَلَا أَنَا. إِلَخْ. (ثَلَاثَ مَرَّاتٍ) : طِبْقَ الْأَوَّلِ فِي التَّأْكِيدِ. (رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّعَوَاتِ الْكَبِيرِ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute