الْمَقْصُودُ مَا بِهِ الْقِيَامٌ بِشُكْرِهَا عَلَى أَنْ جَعْلَ لَهُ مَا يَكُونُ بِهِ مُتَمَكِّنًا عَلَى الْحَرَكَاتِ وَالسَّكَنَاتِ، وَلَيْسَ الصَّدَقَةُ بِالْمَالِ فَقَطْ، بَلْ كُلُّ خَيْرٍ صَدَقَةٌ. (وَكُلُّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةٌ) : وَكَذَا سَائِرُ الْأَذْكَارِ، وَبَاقِي الْعِبَادَاتِ صَدَقَاتٌ عَلَى نَفْسِ الذَّاكِرِ، وَخَيْرَاتٌ وَمَبَرَّاتٌ عَلَيْهِ. (وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ، وَنَهْيٌ عَنِ الْمُنْكَرِ صَدَقَةٌ) ; لِأَنَّ مَنْفَعَتَهُمَا رَاجِعَةٌ إِلَيْهِ وَإِلَى غَيْرِهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَلَعَلَّ تَرْكَ ذِكْرِ (كُلُّ) هُنَا اسْتِغْنَاءٌ بِذِكْرِهِ أَوَّلًا.
وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ لِلْإِشَارَةِ إِلَى نُدْرَةِ وُقُوعِهِمَا بِالنِّسْبَةِ لِمَا قَبْلَهُمَا لَا سِيَّمَا مِنَ الْمُعْتَزِلِ عَنِ النَّاسِ اهـ. وَلِظُهُورِ الْكُلِّيَّةِ فِيهِمَا ; لِأَنَّهُمَا أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِمَا، وَفِي تَرْكِ ذِكْرِ الصَّدَقَةِ الْحَقِيقِيَّةِ تَسْلِيَةٌ لِلْفُقَرَاءِ وَالْعَاجِزِينَ عَنِ الْخَيْرَاتِ الْمَالِيَّةِ. (وَيُجْزِئُ) : بِالتَّذْكِيرِ أَوِ التَّأْنِيثِ، قَالَ النَّوَوِيُّ: ضَبَطْنَاهُ بِالضَّمِّ، أَيْ ضَمِّ الْيَاءِ مِنَ الْإِجْزَاءِ، وَبِالْفَتْحِ مِنْ جَزَى يَجْزِي، أَيْ يَكْفِي (مِنْ ذَلِكَ) : هِيَ بِمَعْنَى " عَنْ "، أَيْ: يَكْفِي عَمَّا ذَكَرَ مِمَّا وَجَبَ عَلَى السُّلَامَى مِنَ الصَّدَقَاتِ (رَكْعَتَانِ) ; لِأَنَّ الصَّلَاةَ عَمَلٌ بِجَمِيعِ أَعْضَاءِ الْبَدَنِ، فَيَقُومُ كُلُّ عُضْوٍ بِشُكْرِهِ، وَلِاشْتِمَالِ الصَّلَاةِ عَلَى الصَّدَقَاتِ الْمَذْكُورَةِ وَغَيْرِهَا، فَإِنَّ فِيهَا أَمْرًا لِلنَّفْسِ بِالْخَيْرِ وَنَهْيًا لَهَا عَنْ تَرْكِ الشُّكْرِ، وَأَنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ (يَرْكَعُهُمَا مِنَ الضُّحَى) ، أَيْ مِنْ صَلَاةِ الضُّحَى، أَوْ فِي وَقْتِ الضُّحَى، فَيَنْبَغِي الْمُدَاوَمَةُ عَلَيْهِمَا، وَلِذَا كَرِهَ جَمَاعَةٌ تَرَكَهَا، وَأَقَلُّهَا رَكْعَتَانِ، وَفِيهِ إِشَارَةٌ خَفِيَّةٌ إِلَى نَهْيِ الْبُتَيْرَاءِ، وَلَعَلَّ وَجْهَ تَخْصِيصِهِمَا بِالْإِجْزَاءِ أَنَّهُ وَقْتُ غَفْلَةِ أَكْثَرِ النَّاسِ عَنِ الطَّاعَةِ، وَالْقِيَامِ بِحَقِّ الْعُبُودِيَّةِ، وَلِذَا فُسِّرَ الشَّفْعُ وَالْوَتْرُ فِي الْآيَةِ بِهَذِهِ الصَّلَاةِ، وَالْوِتْرُ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ، لِكَوْنِهِمَا وَقْتَ الِاسْتِرَاحَةِ. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute