وَتَعَاظَمَ: تَفَاعَلَ بِمَعْنَى الْمُبَالَغَةِ؛ لِأَنَّ زِيَادَةَ الْمَبْنَى لِزِيَادَةِ الْمَعْنَى، فَإِنَّ الْفِعْلَ الْوَاحِدَ إِذَا جَرَى بَيْنَ اثْنَيْنِ يَكُونُ مُزَاوَلَتُهُ أَشَقَّ مِنْ مُزَاوَلَتِهِ وَحْدَهُ، وَلِذَا قِيلَ: الْمُفَاعَلَةُ إِذَا لَمْ تَكُنْ لِلْمُبَالَغَةِ فَهِيَ لِلْمُبَالَغَةِ أَيْ: نَسْتَعْظِمُ غَايَةَ الِاسْتِعْظَامِ، وَقَوْلُهُ: أَحَدُنَا؛ رُوِيَ بِرَفْعِ الدَّالِ، وَمَعْنَاهُ يَجِدُ أَحَدُنَا التَّكَلُّمَ بِهِ عَظِيمًا لِقُبْحِهِ، وَيَجُوزُ النَّصْبُ عَلَى نَزْعِ الْخَافِضِ أَيْ: يَعْظُمُ، وَيَشُقُّ التَّكَلُّمُ بِهِ عَلَى أَحَدِنَا (قَالَ: (أَوَقَدْ وَجَدْتُمُوهُ) ؟ الْهَمْزَةُ لِلِاسْتِفْهَامِ التَّقْرِيرِيِّ، وَالْوَاوُ الْمَقْرُونَةُ بِهَا لِلْعَطْفِ عَلَى مُقَدَّرٍ أَيْ: (حَصَلَ ذَلِكَ) ، وَقَدْ وَجَدْتُمُوهُ، وَالضَّمِيرُ لِمَا يَتَعَاظَمُ أَيْ: ذَلِكَ الْخَاطِرُ فِي أَنْفُسِكُمْ تَقْرِيرًا وَتَأْكِيدًا، فَالْوِجْدَانُ بِمَعْنَى الْمُصَادَفَةِ، أَوِ الْمَعْنَى أَحَصَلَ ذَلِكَ الْخَاطِرُ الْقَبِيحُ، وَعَلِمْتُمْ أَنَّ ذَلِكَ مَذْمُومٌ غَيْرُ مَرْضِيٍّ فَالْوِجْدَانُ بِمَعْنَى الْعِلْمِ. (قَالُوا: نَعَمْ) . قَالَ: (ذَاكَ) : إِشَارَةٌ إِلَى مَصْدَرِ وَجَدَ أَيْ: وِجْدَانُكُمْ قُبْحَ ذَلِكَ الْخَاطِرِ، أَوْ مَصْدَرُ يَتَعَاظَمُ أَيْ: عِلْمُكُمْ بِفَسَادِ تِلْكَ الْوَسَاوِسَ، وَامْتِنَاعُ نُفُوسِكُمْ، وَتَجَافِيهَا عَنِ التَّفَوُّهِ بِهَا (صَرِيحُ الْإِيمَانِ) أَيْ: خَالِصُهُ يَعْنِي أَنَّهُ أَمَارَتُهُ الدَّالَّةُ صَرِيحًا عَلَى رُسُوخِهِ فِي قُلُوبِكُمْ، وَخُلُوصِهَا مِنَ التَّشْبِيهِ، وَالتَّعْطِيلِ؛ لِأَنَّ الْكَافِرَ يُصِرُّ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ مِنْ تَشْبِيهِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ بِالْمَخْلُوقَاتِ، وَيَعْتَقِدُهُ حَسَنًا، وَمَنِ اسْتَقْبَحَهَا، وَتَعَاظَمَهَا لِعِلْمِهِ بِقُبْحِهَا، وَأَنَّهَا لَا تَلِيقُ بِهِ تَعَالَى كَانَ مُؤْمِنًا حَقًّا، وَمُوقِنًا صِدْقًا فَلَا تُزَعْزِعُهُ شُبْهَةٌ، وَإِنْ قَوِيَتْ، وَلَا تَحُلُّ عُقَدَ قَلْبِهِ رِيبَةٌ، وَإِنْ مُوِّهَتْ، وَلِأَنَّ مَنْ كَانَ إِيمَانُهُ مَشُوبًا يَقْبَلُ الْوَسْوَسَةَ، وَلَا يَرُدُّهَا. وَقِيلَ الْمَعْنَى أَنَّ الْوَسْوَسَةَ أَمَارَةُ الْإِيمَانِ؛ لِأَنَّ اللِّصَّ لَا يَدْخُلُ الْبَيْتَ الْخَالِيَ، وَلِذَا رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَكَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ: أَنَّ الصَّلَاةَ الَّتِي لَا وَسْوَسَةَ فِيهَا إِنَّمَا هِيَ صَلَاةُ الْيَهُودِ، وَالنَّصَارَى (رَوَاهُ مُسْلِمٌ
) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute