٦٥ - وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يَأْتِي الشَّيْطَانُ أَحَدَكُمْ، فَيَقُولُ: مَنْ خَلَقَ كَذَا؟ حَتَّى يَقُولَ: مَنْ خَلَقَ رَبَّكَ؟ فَإِذَا بَلَغَهُ، فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ، وَلْيَنْتَهِ» ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ــ
٦٥ - (وَعَنْهُ) أَيْ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (يَأْتِي الشَّيْطَانُ) أَيْ: يُوَسْوِسُ إِبْلِيسُ، أَوْ أَحَدُ أَعْوَانِهِ مِنْ شَيَاطِينِ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ عَلَى طَرِيقِ التَّلْبِيسِ (أَحَدَكُمْ فَيَقُولُ: مَنْ خَلَقَ كَذَا؟) : يَعْنِي السَّمَاءَ مَثَلًا (مَنْ خَلَقَ كَذَا؟) : يَعْنِي الْأَرْضَ، وَغَرَضُهُ أَنْ يُوقِعَهُ فِي الْغَلَطِ، وَالْكُفْرِ، وَيُكْثِرُ السُّؤَالَ عَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ (حَتَّى يَقُولَ: مَنْ خَلَقَ رَبَّكَ؟) : وَهُوَ قَدِيمٌ خَالِقٌ كُلِّ شَيْءٍ (فَإِذَا بَلَغَهُ) : ضَمِيرُ الْفَاعِلِ لِأَحَدِكُمْ، وَضَمِيرُ الْمَفْعُولِ رَاجِعٌ إِلَى مَصْدَرِ يَقُولُ أَيْ: إِذَا بَلَغَ أَحَدُكُمْ هَذَا الْقَوْلَ يَعْنِي مَنْ خَلَقَ رَبَّكَ، أَوِ التَّقْدِيرُ بَلَغَ الشَّيْطَانُ هَذَا الْقَوْلَ (فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ) : طَرْدًا لِلشَّيْطَانِ إِشَارَةً إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} [الحجر: ٤٠] وَإِيمَاءً إِلَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: (لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ) فَإِنَّ الْعَبْدَ بِحَوْلِهِ، وَقُوَّتِهِ لَيْسَ لَهُ قُوَّةُ الْمُغَالَبَةِ مَعَ الشَّيْطَانِ، وَمُجَادَلَتِهِ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَلْتَجِئَ إِلَى مَوْلَاهُ، وَيَعْتَصِمَ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الَّذِي أَوْقَعَهُ فِي هَذَا الْخَاطِرِ الَّذِي لَا أَقْبَحَ مِنْهُ؛ فَيَقُولُ بِلِسَانِهِ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، وَيَلُوذُ بِجَنَابِهِ إِلَى جَنَابِهِ أَنْ يَدْفَعَ عَنْهُ شَرَّهُ، وَكَيْدَهُ، فَإِنَّهُ مَعَ اللُّطْفِ الْإِلَهِيِّ لَا أَضْعَفَ مِنْهُ، وَلَا أَذَلَّ، فَإِنَّهُ مُشَبَّهٌ بِالْكَلْبِ الْوَاقِفِ عَلَى الْبَابِ، وَلِذَا قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا} [النساء: ٧٦] أَيْ: بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْقُوَّةِ الْإِلَهِيَّةِ فَلَا يُنَافِي قَوْلَهُ تَعَالَى حِكَايَةً: {إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ} [يوسف: ٢٨] (وَلْيَنْتَهِ) : بِسُكُونِ اللَّامِ، وَتُكْسَرُ؛ أَيْ: لِيَتْرُكِ التَّفَكُّرَ فِي هَذَا الْخَاطِرِ، وَلْيَشْتَغِلْ بِأَمْرٍ آخَرَ؛ لِئَلَّا يَسْتَحْوِذَ عَلَيْهِ الشَّيْطَانُ، فَإِنَّهُ إِنَّمَا أَوْقَعَهُ فِيهِ رَجَاءَ أَنْ يَقِفَ مَعَهُ، وَيَتَمَكَّنَ فِي نَفْسِهِ فَيَحْصُلَ لَهَا شَكٌّ وَرَيْبٌ فِي تَنْزِيهِهِ تَعَالَى عَنْ سِمَاتِ الْحُدُوثِ، وَإِنْ دَقَّتْ وَخَفِيَتْ، فَمَنْ تَنَبَّهَ، وَكَفَّ عَنِ الِاسْتِرْسَالِ مَعَ ذَلِكَ الْخَاطِرِ، وَأَشْغَلَ نَفْسَهُ حَتَّى انْصَرَفَتْ عَنْهُ فَقَدْ خَلَصَ، وَمَنْ لَا فَقَدِ ارْتَبَكَ فَيُخْشَى عَلَيْهِ مَزَلَّةُ الْقَدَمِ فِي قَعْرِ جَهَنَّمَ، وَإِنَّمَا أُمِرَ بِذَيْنِكَ دُونَ الِاحْتِجَاجِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute