وَالتَّأَمُّلِ لِأَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْعِلْمَ بِاسْتِغْنَاءِ اللَّهِ تَعَالَى عَنِ الْمُؤَثِّرِ، وَالْمُوجِدِ ضَرُورِيٌّ لَا يَقْبَلُ احْتِجَاجًا، وَإِنَّمَا ذَلِكَ شَيْءٌ يُلْقِيهِ الشَّيْطَانُ إِمَّا لِيُحِجَّكَ إِنْ جَادَلَتْهُ؛ لِأَنَّهُ مُسَلَّطٌ عَلَى الْقُلُوبِ بِإِلْقَاءِ الْوَسَاوِسِ عَلَيْهَا لِيَخْتَبِرَ إِيمَانَهَا، وَوَسَاوِسُهُ غَيْرُ مُتَنَاهِيَةٍ فَمَتَى عَارَضْتَهُ بِمَسْلَكٍ وَجَدَ مَسْلَكًا آخَرَ إِلَى مَا يُرِيدُهُ مِنَ الْمُغَالَطَةِ، وَالتَّشْكِيكِ، وَإِمَّا لِيُضَيِّعَ وَقْتَكَ، وَيُكَدِّرَ عَيْشَكَ إِنِ اسْتَرْسَلَتْ مَعَهُ، وَإِنْ حَجَجْتَهُ فَلَا أَخْلَصَ لَكَ مِنَ الْإِعْرَاضِ عَنْهُ جُمْلَةً، وَالِالْتِجَاءِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِالِاسْتِعَاذَةِ مِنْهُ كَمَا قَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} [الأعراف: ٢٠٠] ثَانِيهُمَا: أَنَّ الْغَالِبَ فِي مَوَارِدَ هَذِهِ الْخَوَاطِرِ أَنَّهُ إِنَّمَا يَنْشَأُ مِنْ رُكُودِ النَّفْسِ، وَعَدَمِ اشْتِغَالِهَا بِالْمُهِمَّاتِ الْمَطْلُوبَةِ مِنْهَا، فَهَذَا لَا يَزِيدُهُ فِكْرُهُ فِي ذَلِكَ إِلَّا الزَّيْغَ عَنِ الْحَقِّ، فَلَا عِلَاجَ لَهُ إِلَّا الِالْتِجَاءَ بِحَوْلِ اللَّهِ وَقُوَّتِهِ، وَالِاعْتِصَامَ بِكِتَابِ اللَّهِ، وَسُنَّةِ رَسُولِهِ. قَالَ الْخَطَّابِيِّ: لَوْ أَذِنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مُحَاجَّتِهِ لَكَانَ الْجَوَابُ سَهْلًا عَلَى كُلِّ مُوَحَّدٍ أَيْ: بِإِثْبَاتِ الْبَرَاهِينِ الْقَاطِعَةِ عَلَى أَنْ لَا خَالِقَ لَهُ تَعَالَى بِإِبْطَالِ التَّسَلْسُلِ، وَنَحْوِهِ كَاسْتِحْضَارِ أَنَّ جَمِيعَ الْمَخْلُوقَاتِ دَاخِلَةٌ تَحْتَ اسْمِ الْخَلْقِ، فَلَوْ جَازَ أَنْ يُقَالَ: مَنْ خَلَقَ الْخَالِقِ لَأَدَّى إِلَى مَا لَا يَتَنَاهَى، وَهُوَ بَاطِلٌ قَطْعًا، وَفِيهِ إِشْعَارٌ بِمَذَمَّةِ عِلْمِ الْكَلَامِ، وَدَلَالَةٌ عَلَى حُرْمَةِ الْمِرَاءِ، وَالْمُجَادَلَةِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِذَاتِ اللَّهِ، وَصِفَاتِهِ، وَإِيمَاءٌ إِلَى صِحَّةِ إِيمَانِ الْمُقَلِّدِ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute