[٤٢] بَابُ الْجُمُعَةِ
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ
١٣٥٤ - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «نَحْنُ الْآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، بَيْدَ أَنَّهُمْ أُوتُوا الْكُتَّابَ مِنْ قَبْلِنَا، وَأُوتِينَاهُ مِنْ بَعْدِهِمْ، ثُمَّ هَذَا فِي يَوْمِهِمُ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْهِمْ - يَعْنِي الْجُمُعَةَ - فَاخْتَلَفُوا فِيهِ، فَهَدَانَا اللَّهُ لَهُ، وَالنَّاسُ لَنَا فِيهِ تَبَعٌ، الْيَهُودُ غَدًا، وَالنَّصَارَى بَعْدَ غَدٍ» ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ، قَالَ: " نَحْنُ الْآخِرُونَ الْأَوَّلُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَنَحْنُ أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ، بَيْدَ أَنَّهُمْ " وَذَكَرَ نَحْوَهُ إِلَى آخِرِهِ.
ــ
بِضَمِّ الْجِيمِ وَالْمِيمِ هِيَ اللُّغَةُ الْفُصْحَى، وَتُخَفَّفُ الْمِيمُ بِالْإِسْكَانِ، أَيِ الْيَوْمُ الْمَجْمُوعُ فِيهِ ; لِأَنَّ فُعْلَةً بِالسُّكُونِ لِلْمَفْعُولِ كَهُمْزَةٍ، وَبِفَتْحِهَا بِمَعْنَى فَاعِلٍ، أَيِ الْيَوْمُ الْجَامِعُ، فَتَاؤُهَا لِلْمُبَالَغَةِ كَضُحْكَةٍ لِلْمُكْثِرِ مِنْ ذَلِكَ لَا لِلتَّأْنِيثِ، وَإِلَّا لَمَا وُصِفَ بِهَا الْيَوْمُ، قِيلَ: سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ خَلْقَ آدَمَ جُمِعَ فِيهَا، وَقِيلَ: لِاجْتِمَاعِهِ بِحَوَّاءَ فِي الْأَرْضِ فِي يَوْمِهَا، وَقِيلَ: لِمَا جُمِعَ فِيهِ مِنَ الْخَيْرِ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَحُكِيَ كَسْرُ الْمِيمِ. أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا وَهَمٌ مِنْهُ، وَإِنَّمَا هُوَ الْفَتْحُ، فَفِي الْقَامُوسِ، الْجُمُعَةُ بِضَمَّةٍ وَبِضَمَّتَيْنِ وَكَهُمزَةٍ اهـ. وَالضَّمُّ وَالْفَتْحُ قِرَاءَتَانِ شَاذَّتَانِ أَيْضًا فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ، وَحَيْثُ إِنَّهُ لَمْ يَذْكُرِ الْفَتْحَ، وَحَكَى الْكَسْرَ وَهُوَ فِي صَدَدِ الِاسْتِيعَابِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ وَهَمٌ، نَعَمْ لَوْ حَكَى الثَّلَاثَةَ ثُمَّ قَالَ: وَحُكِيَ الْكَسْرُ لَاحْتَمَلَ وُقُوعُهُ، مَعَ أَنَّ الْمَفْهُومَ مِنَ الْكُتُبِ الصَّرْفِيَّةِ أَنَّ هَذَا الْوَزْنَ لَيْسَ مِنَ الْأَوْزَانِ الْعَرَبِيَّةِ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ: بِفَتْحِ الْمِيمِ وَضَمِّهَا وَإِسْكَانِهَا حَكَاهُ الْفَرَّاءُ، وَجْهُ الْفَتْحِ أَنَّهَا مَجْمَعُ النَّاسِ وَيَكْثُرُونَ فِيهَا، كَمَا يُقَالُ: {هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ} [الهمزة: ١] وَكَانَتْ تُسَمَّى فِي الْجَاهِلِيَّةِ بِالْعَرُوبَةِ.
١٣٥٤ - (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " نَحْنُ) ، أَيْ: أَنَا وَأُمَّتِي (الْآخِرُونَ) : فِي الدُّنْيَا وُجُودًا (السَّابِقُونَ) : شُهُودًا (يَوْمَ الْقِيَامَةِ) : أَوْ آخِرُ أُمَمِ الْأَنْبِيَاءِ فِي الدُّنْيَا السَّابِقُونَ عَلَيْهِمْ بِدُخُولِ الْجَنَّةِ فِي الْعُقْبَى، وَقَالَ مِيرَكُ، أَيْ نَحْنُ آخِرُ الْأَنْبِيَاءِ بَعْثًا أَوْ خُرُوجًا فِي الدُّنْيَا، السَّابِقُونَ فَضْلًا عَلَيْهِمْ فِي الْأُخْرَى، فَإِنَّ أُمَّتَهُ تُحْشَرُ قَبْلَ سَائِرِ الْأُمَمِ وَتَمُرُّ عَلَى الصِّرَاطِ أَوَّلًا، وَيُقْضَى لَهُمْ قَبْلَ الْخَلَائِقِ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى. (بَيْدَ) : بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ التَّحْتَانِيَّةِ، أَيْ: غَيْرَ (أَنَّهُمْ) ، أَيْ: غَيْرُنَا مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَغَيْرُهُمْ مِنَ الْمُتَدَيِّنِينَ بِأَدْيَانِ الْأَنْبِيَاءِ السَّابِقِينَ، أَوْ عَلَى أَنَّهُمْ، أَوْ مَعَ أَنَّهُمْ، أَوْ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمْ، قَالَ الْمَالِكِيُّ: الْمُخْتَارُ عِنْدِي أَنَّهُ بِمَعْنَى لَكِنْ. (أُوتُوا) ، أَيْ: أُعْطُوا (الْكِتَابَ) : الْمُرَادُ بِهِ الْجِنْسُ (مِنْ قَبْلِنَا) ، أَيْ فِي الدُّنْيَا (وَأُوتِينَاهُ) ، أَيِ الْكِتَابَ (مِنْ بَعْدِهِمْ) : فَإِنَّا وَإِيَّاهُمْ مُتَسَاوِيَةُ الْأَقْدَامِ فِي إِنْزَالِ الْكِتَابِ، وَالتَّقَدُّمِ الزَّمَانِيِّ لَا يُوجِبُ فَضْلًا وَلَا شَرَفًا، فَهَذَا رَدٌّ وَمَنْعٌ لِفَضْلِ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: ثُمَّ إِنَّهُ مِنْ بَابِ: " وَلَا عَيْبَ فِيهِمْ غَيْرَ أَنَّ سُيُوفَهُمْ "، أَيْ: نَحْنُ السَّابِقُونَ بِمَا مَنَحَنَا مِنَ الْكِمَالَاتِ غَيْرَ أَنَّهُمْ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا، وَأُوتِينَاهُ مِنْ بَعْدِهِمْ، وَتَأَخَّرَ كِتَابُنَا مِنْ صِفَاتِ الْمَدْحِ وَالْكَمَالِ ; لِأَنَّهُ نَاسِخٌ لِكِتَابِهِمْ وَمُعْلِمٌ لِفَضَائِحِهِمْ، فَهُوَ السَّابِقُ فَضْلًا وَإِنْ سَبَقَ وُجُودًا، قَالَ الْمَوْلَوِيُّ الرُّومِيُّ: وَمِنْ بَدِيعِ صُنْعِ اللَّهِ أَنْ جَعَلَهُمْ عِبْرَةً لَنَا، وَفَضَائِحَهُمْ نَصَائِحَنَا، وَتَعْذِيبَهُمْ تَأْدِيبَنَا، وَلَمْ يَجْعَلِ الْأَمْرَ مُنْعَكِسًا، وَالْحَالَ مُلْتَبِسًا، وَأَيْضًا فَنَحْنُ بِالتَّأْخِيرِ تَخَلَّصْنَا عَنْ الِانْتِظَارِ الْكَثِيرِ، فَفَضْلُهُ تَعَالَى عَلَيْنَا كَبِيرٌ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ.
(ثُمَّ) : أَتَى بِهَا إِشْعَارًا بِأَنَّ مَا قَبْلَهَا كَالتَّوْطِئَةِ وَالتَّأْسِيسِ لِمَا بَعْدَهَا. (هَذَا) ، أَيْ: هَذَا الْيَوْمُ وَهُوَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ (يَوْمِهِمْ) : الْإِضَافَةُ لِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ، فَإِنَّهُ (الَّذِي فَرَضَ عَلَيْهِمْ) : أَوَّلًا اسْتِخْرَاجَهُ بِأَفْكَارِهِمْ وَتَعْيِينَهُ بِاجْتِهَادِهِمْ، (يَعْنِي الْجُمُعَةِ) ، أَيْ: مُجْمَلًا تَفْسِيرٌ لِلرَّاوِي لِهَذَا يَوْمِهِمْ، وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ: " يَعْنِي يَوْمَ الْجُمُعَةِ "، أَيْ: يُرِيدُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute