للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

١٣٥٦ - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ، وَفِيهِ أُخْرِجَ مِنْهَا، وَلَا تَقُومُ السَّاعَةُ إِلَّا فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ» ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

ــ

١٣٥٦ - (وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ) ، أَيْ: عَلَى مَا سَكَنَ فِيهِ، قَالَ تَعَالَى: {وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} [الأنعام: ١٣] ، ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: خَيْرُ يَوْمٍ ظَهَرَ بِظُهُورِ الشَّمْسِ إِذِ الْيَوْمُ لُغَةً مِنْ طُلُوعِهَا إِلَى غُرُوبِهَا، وَفِيهِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْيَوْمِ هُنَا النَّهَارُ الشَّرْعِيُّ ; لِأَنَّهُ الْأَصْلُ عَلَى لِسَانِ الشَّارِعِ، وَلِمَا سَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ: إِنَّ سَاعَتَهَا بَعْدَ الْفَجْرِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الشَّارِحِ، ثُمَّ وَجَّهَهُ بِمَا لَا طَائِلَ تَحْتَهُ، وَالْحَالُ أَنَّهُ خَارِجٌ عَنْ قَصْدِ الشَّارِحِ فِي مُعَالَجَةِ تَصْحِيحِ " عَلَى " لِيَكُونَ عَلَى بَابِهِ، وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي أَنَّ " عَلَى " لِلظَّرْفِيَّةِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ} [القصص: ١٥] كَمَا صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْقَامُوسِ، وَتَبِعَهُ الْمُغْنِيُّ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي نُسْخَةٍ: طَلَعَتْ فِيهِ. (الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ) : الَّذِي هُوَ أَشْرَفُ جِنْسِ الْعَالَمِ وَزَادَ بَعْضُ الْحُفَّاظِ: وَحَوَّاءُ. (وَفِيهِ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ) : أَوَّلًا لِلْفَضْلِ السَّابِقِ (وَفِيهِ أُخْرِجَ مِنْهَا) : لِتَلَاحُقِ اللَّاحِقِ وَظُهُورِ حَالِ أَوْلَادِهِ مِنَ الْمُبْطِلِ وَالْمُحِقِّ، قَالَ بَعْضُهُمْ: وَالْإِخْرَاجُ مِنْهَا لِمَا كَانَ لِلْخِلَافَةِ فِي الْأَرْضِ، وَإِنْزَالُ الْكُتُبِ الشَّرِيفَةِ عَلَيْهِ وَعَلَى أَوْلَادِهِ يَصْلُحُ دَلَالَةً لِفَضِيلَةِ هَذَا الْيَوْمِ اهـ.

فَالْحَاصِلُ أَنَّ إِخْرَاجَهُ مَا كَانَ لِلْإِهَانَةِ، بَلْ لِمَنْصِبِ الْخِلَافَةِ فَهُوَ لِلْإِكْمَالِ لَا لِلْإِذْلَالِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إِنَّهُ لِمَا وَقَعَ مِنْهُ الْجَرِيمَةُ فِي هَذَا الْيَوْمِ الْمَوْصُوفِ بِالْعَظَمَةِ اسْتَحَقَّ الْإِخْرَاجَ مِنْ عُلُوِّ الْمَرْتَبَةِ فَفِيهِ تَنْبِيهٌ، وَإِيمَاءٌ نَبِيهٍ إِلَى تَعْظِيمِ هَذَا الْيَوْمِ بِالْمُحَافَظَةِ عَنِ السَّيِّئَةِ وَالْمُدَاوَمَةِ عَلَى تَحْصِيلِ الْحَسَنَةِ، ثُمَّ يُحْتَمَلُ أَنَّ خَلْقَهُ وَإِدْخَالَهُ كَانَا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ خُلِقَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، ثُمَّ أُمْهِلَ إِلَى يَوْمِ جُمُعَةٍ أُخْرَى، فَأُدْخِلُ فِيهِ الْجَنَّةَ، وَكَذَا الِاحْتِمَالُ فِي يَوْمِ الْإِخْرَاجِ، قَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ: لَمَّا كَانَ الْخُرُوجُ لِتَكْثِيرِ النَّسْلِ وَبَثِّ عِبَادِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْأَرَضِينَ وَإِظْهَارِ الصَّلَاةِ الَّتِي خَلَقَ الْخَلْقَ لِأَجْلِهَا، وَمَا أُقِيمَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا لَهَا، وَكَانَ لَا يَسْتَتِبُّ ذَلِكَ إِلَّا بِخُرُوجِهِ مِنْهَا، فَكَانَ أَحْرَى بِالْفَضْلِ مِنِ اسْتِمْرَارِهِ فِيهَا.

وَقَالَ عِيَاضٌ: الظَّاهِرُ أَنَّ هَذِهِ الْقَضَايَا الْمَعْدُودَةَ لَيْسَتْ لِذِكْرِ فَضِيلَتِهِ ; لِأَنَّ إِخْرَاجَ آدَمَ وَقِيَامَ السَّاعَةِ لَا يُعَدُّ فَضِيلَةً، وَإِنَّمَا هُوَ بَيَانٌ لِمَا وَقَعَ فِيهِ مِنَ الْأُمُورِ الْعِظَامِ، وَمَا سَيَقَعُ لِيَتَأَهَّبَ فِيهِ الْعَبْدُ بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ لِنَيْلِ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَدَفْعِ نَقْمِهِ اهـ.

وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ قَوْلِهِ وَقَوْلِ مَا بَعْدَهُ ; لِأَنَّهُ بَنَى كَلَامَهُ عَلَى الظَّاهِرِ، وَالشَّارِحُ أَوَّلُ وَالتَّأْوِيلُ إِنَّمَا يَكُونُ خِلَافَ الظَّاهِرِ، فَقَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ: إِنَّ قَوْلَ عِيَاضٍ بِكَلَامِ الشَّارِحِ مَرْدُودٌ، مَعَ أَنَّ كَلَامَهُ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ حُجَّةً عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: وَمِمَّا صَرَّحَ بِالرَّدِّ عَلَيْهِ مَا يَأْتِي فِي الْحَدِيثِ، أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - جَعَلَ هَذَا الْإِخْرَاجَ وَقِيَامَ السَّاعَةِ مِنْ جُمْلَةِ خِلَالِ الْخَيْرِ اهـ.

وَفِيهِ أَنَّ عِيَاضًا مَا عَدَّهُ مِنْ خِصَالِ الشَّرِّ وَلَمْ يَنْفِ كَوْنَهُ مِنْ خِصَالِ الْخَيْرِ، وَإِنَّمَا نَفَى عَدَّهُ فَضِيلَةً عَلَى مِنْوَالِ بَقِيَّةِ مَا ذُكِرَ مَعَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (وَلَا تَقُومُ السَّاعَةُ) ، أَيِ: الْقِيَامَةُ وَهِيَ مَا بَعْدَ النَّفْخَةِ الثَّانِيَةِ، (إِلَّا فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ) . وَهُوَ الْمَجْمَعُ الْأَعْظَمُ وَالْمَوْقِفُ الْأَفْخَمُ، وَالْمَظْهَرُ لِمَنْ هُوَ بَيْنَ الْخَلَائِقِ أَفْضَلُ وَأَكْرَمُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ: وَجْهُ عَدِّهِ أَنَّهُ يُوصِّلُ أَرْبَابَ الْكَمَالِ إِلَى مَا أُعِدِّ لَهُمْ مِنَ النَّعِيمِ الْمُقِيمِ، قُلْتُ: وَلِمَا يَرَوْا أَعْدَاءَهُمْ فِي الْحَمِيمِ وَالْجَحِيمِ، قَالَ الطِّيبِيُّ: أَفْضَلُ الْأَيَّامِ قِيلَ عَرَفَةُ، وَقِيلَ: الْجُمُعَةُ هَذَا إِذَا أُطْلِقَ، وَأَمَّا إِذَا قِيلَ: أَفْضَلُ أَيَّامِ السَّنَةِ فَهُوَ عَرَفَةُ، وَأَفْضَلُ أَيَّامِ الْأُسْبُوعِ فَهُوَ الْجُمُعَةِ تَمَّ كَلَامُهُ. وَإِذَا وَافَقَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ يَوْمَ عَرَفَةَ يَكُونُ أَفْضَلَ الْأَيَّامِ مُطْلَقًا، فَيَكُونُ الْعَمَلُ فِيهِ أَفْضَلَ وَأَبَرَّ، وَمِنْهُ الْحَجُّ الْأَكْبَرُ، وَقَالَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ: الْجُمُعَةُ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ حَجِّ التَّطَوُّعِ، وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: " «الْجُمُعَةُ حَجُّ الْمَسَاكِينِ» " وَفِي رِوَايَةٍ: " حَجُّ الْفُقَرَاءِ ". (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .

<<  <  ج: ص:  >  >>