للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

كَانَ الْإِخْرَاجُ مِنَ الْجَنَّةِ إِلَى السَّمَاءِ، وَالْإِهْبَاطُ مِنْهَا إِلَى الْأَرْضِ، فَيُفِيدُ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا كَانَ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ إِمَّا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، وَإِمَّا فِي يَوْمَيْنِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

(وَفِيهِ) ، أَيْ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ بِخُصُوصِهِ (تِيبَ عَلَيْهِ) : وَهُوَ مَاضٍ مَجْهُولٌ منْ تَابَ، أَيْ: وُفِّقَ لِلتَّوْبَةِ وَقُبِلَتِ التَّوْبَةُ مِنْهُ، وَهِيَ أَعْظَمُ الْمِنَّةِ عَلَيْهِ، قَالَ تَعَالَى: {ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى} [طه: ١٢٢] . (وَفِيهِ) ، أَيْ: فِي نَحْوِهِ مِنْ أَيَّامِ الْجُمُعَةِ (مَاتَ) : وَالْمَوْتُ تُحْفَةُ الْمُؤْمِنِ. كَمَا وَرَدَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا. رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا، قَالَ الْقَاضِي: لَا شَكَّ أَنَّ خَلْقَ آدَمَ فِيهِ يُوجِبُ لَهُ شَرَفًا، وَكَذَا وَفَاتَهُ فَإِنَّهُ سَبَبٌ لِوُصُولِهِ إِلَى الْجَنَابِ الْأَقْدَسِ، وَالْخَلَاصِ عَنِ النَّكَبَاتِ. (وَفِيهِ تَقُومُ السَّاعَةُ) : وَفِيهَا نِعْمَتَانِ عَظِيمَتَانِ لِلْمُؤْمِنِينَ، وُصُولُهُمْ إِلَى النَّعِيمِ الْمُقِيمِ، وَحُصُولُ أَعْدَائِهِمْ فِي عَذَابِ الْجَحِيمِ (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ) : زِيَادَةُ مِنْ لِإِفَادَةِ الِاسْتِغْرَاقِ فِي النَّفْيِ (إِلَّا وَهِيَ مُصِيخَةٌ) ، أَيْ: مُنْتَظِرَةٌ لِقِيَامِ السَّاعَةِ (يَوْمَ الْجُمُعَةِ) : وَفِي أَكْثَرِ نُسَخِ الْمَصَابِيحِ بِالسِّينِ وَهُمَا لُغَتَانِ، قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: أَيْ مُصْغِيَةٌ مُسْتَمِعَةٌ، وَيُرْوَى مُسِيخَةٌ بِالسِّين بِإِبْدَالِ الصَّادِ سِينًا، وَوَجْهُ إِصَاخَةِ كُلِّ دَابَّةٍ وَهِيَ مَا لَا يَعْقِلُ، هُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَجْعَلُهَا مُلْهَمَةً بِذَلِكَ مُسْتَشْعِرَةً عَنْهُ، فَلَا عَجَبَ فِي ذَلِكَ مِنْ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَعَلَّ الْحِكْمَةَ فِي الْإِخْفَاءِ عَنِ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ، أَنَّهُمْ لَوْ كُشِفُوا بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ اخْتَلَّتْ قَاعِدَةُ الِابْتِلَاءِ وَالتَّكْلِيفِ وَحَقَّ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ، وَتَبِعَهُ ابْنُ حَجَرٍ وَفِيهِ: أَنَّهُ لَوْ أُلْهِمُوا بِمَا أُلْهِمَتِ الدَّوَابُّ وَانْتَظَرُوا وُقُوعَ الْقِيَامَةِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ اخْتِلَالُ قَاعِدَةِ التَّكْلِيفِ، وَلَا وُقُوعُ الْقِيَامَةِ فَتَدَبَّرْ. (مِنْ حِينَ تُصْبِحُ) : قَالَ الطِّيبِيُّ: بُنِيَ عَلَى الْفَتْحِ لِإِضَافَتِهِ إِلَى الْجُمْلَةِ، وَيَجُوزُ إِعْرَابُهُ إِلَّا أَنَّ الرِّوَايَةَ بِالْفَتْحِ، (حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ) ; لِأَنَّ الْقِيَامَةَ تَظْهَرُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بَيْنَ الصُّبْحِ وَطُلُوعِ الشَّمْسِ. (شَفَقًا) ، أَيْ خَوْفًا (مِنَ السَّاعَةِ) ، أَيْ: مِنْ قِيَامِ الْقِيَامَةِ، وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ لِوُقُوعِهَا فِي سَاعَةٍ.

قُلْتُ: وَكَانَ هَذَا الْحَدِيثُ مَأْخَذَ مَنْ قَالَ: إِنَّ سَاعَةَ الْجُمُعَةِ بَيْنَ ظُهُورِ الصُّبُحِ وَطُلُوعِ الشَّمْسِ، يَعْنِي: أَنَّ الْحَيَوَانَاتِ إِذَا كَانَتْ ذَاكِرَاتٍ حَاضِرَاتٍ خَائِفَاتٍ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ الْكَامِلَ يَنْبَغِي بِالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ مُشْتَغِلًا بِذِكْرِ الْمَوْلَى، وَخَائِفًا عَمَّا وَقَعَ لَهُ فِي الْحَالَةِ الْأُولَى ; إِذْ خَوْفُ الدَّوَابِّ مِنْ تَصْيِيرِ التُّرَابِ، وَخَوْفِ أُولِي الْأَلْبَابِ مِنْ رَدِّ الْبَابِ، وَعَظِيمِ الْعِقَابِ، وَسُخْطِ الْحِجَابِ، فَخَوْفُهُنَّ أَهْوَنُ مَآبًا، وَلِذَا يَقُولُ الْكَافِرُ: {يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا} [النبأ: ٤٠] . (إِلَّا الْجِنَّ وَالْإِنْسَ) : قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ذَلِكَ اهـ.

وَالصَّوَابُ أَنَّهُمْ لَا يُلْهَمُونَ بِأَنَّ هَذَا يَوْمٌ يُحْتَمَلُ وُقُوعُ الْقِيَامَةِ فِيهِ، وَالْمَعْنَى أَنَّ غَالِبَهُمْ غَافِلُونَ عَنْ ذَلِكَ، لَا أَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ، قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: اسْتِثْنَاءٌ مِنْ (مُصِيخَةٌ) وَإِخْفَاؤُهَا عَنْهُمَا لِيَتَحَقَّقَ لَهُمُ الْإِيمَانُ بِالْغَيْبِ، وَلِأَنَّهُمْ لَوْ عَلِمُوهَا لَتَنَغَّصَ عَلَيْهِمْ عَيْشُهُمْ، وَلَمْ يَشْتَغِلُوا

بِتَحْصِيلِ كَفَافِهِمْ مِنَ الْقُوتِ خَوْفًا مِنْ ذَلِكَ اهـ. وَفِيهِ بَحْثٌ. (وَفِيهِ) ، أَيْ: فِي جِنْسِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ (سَاعَةٌ لَا يُصَادِفُهَا) ، أَيْ: لَا يُوَافِقُهَا (عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهُوَ يُصَلِّي) : حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا بِالِانْتِظَارِ، أَوْ مَعْنَاهُ يَدْعُو (يَسْأَلُ اللَّهَ) : حَالٌ أَوْ بَدَلٌ (شَيْئًا) : مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ (إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ) : بِالشُّرُوطِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي آدَابِ الدُّعَاءِ.

(قَالَ) : وَفِي نُسْخَةٍ: وَقَالَ (كَعْبٌ: ذَلِكَ فِي كُلِّ سَنَةٍ يَوْمٌ؟) : قَالَ الطِّيبِيُّ: الْإِشَارَةُ إِلَى الْيَوْمِ الْمَذْكُورِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى تِلْكَ السَّاعَةِ الشَّرِيفَةِ وَيَوْمٌ خَبَرُهُ، (فَقُلْتُ: بَلْ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ) : قَالَ الطِّيبِيُّ، أَيْ هِيَ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ أَوْ فِي كُلِّ أُسْبُوعٍ يَوْمٌ اهـ، أَيْ: ذَلِكَ الْيَوْمُ الْمُشْتَمِلُ عَلَى مَا ذُكِرَ كَائِنٌ فِي كُلِّ أُسْبُوعٍ، وَهَذَا أَظْهَرُ مُطَابَقَةً لِلْجَوَابِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>