وَلِذَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ ابْنُ حَجَرٍ. (فَقَرَأَ كَعْبٌ التَّوْرَاةَ) : بِالْحِفْظِ أَوْ بِالنَّظَرِ (فَقَالَ) ، أَيْ كَعْبٌ (صَدَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : وَفِي هَذَا مُعْجِزَةٌ عَظِيمَةٌ دَالَّةٌ عَلَى كَمَالِ عِلْمِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَعَ أَنَّهُ أُمِّيٌّ حَيْثُ أَخْبَرَ بِمَا خَفِيَ عَلَى أَعْلَمِ أَهْلِ الْكِتَابِ. (قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: لَقِيتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ) : وَهُوَ صَحَابِيٌّ جَلِيلٌ، كَانَ مِنْ عُلَمَاءِ الْيَهُودِ، فَدَخَلَ فِي الْإِسْلَامِ. (فَحَدَّثْتُهُ بِمَجْلِسِي) ، أَيْ بِجُلُوسِي (مَعَ كَعْبِ الْأَحْبَارِ وَمَا حَدَّثْتُهُ) ، أَيْ: وَبِالْحَدِيثِ الَّذِي حَدَّثْتُهُ (فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ) ، أَيْ: فِي شَأْنِهِ (فَقُلْتُ لَهُ) ، أَيْ لِعَبْدِ اللَّهِ (قَالَ كَعْبٌ: ذَلِكَ فِي كُلِّ سَنَةٍ يَوْمٌ؟ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ: كَذَبَ كَعْبٌ) ، أَيْ فِي هَذَا الْقَوْلِ، وَإِنَّمَا فُتِحَ لِعَبْدِ اللَّهِ هَذَا الْعِلْمُ الضَّرُورِيُّ الَّذِي هُوَ لِكَعْبٍ مِنَ الْأَمْرِ النَّظَرِيِّ بِبَرَكَةِ الصُّحْبَةِ النَّبَوِيَّةِ، وَسَبْقِ السَّعَادَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ، وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ: قَوْلُهُ: كَذَبَ كَعْبٌ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّ كَعْبًا مُخْبِرٌ بِذَلِكَ لَا مُسْتَفْهِمٌ، فَغَيْرُ صَحِيحٍ ; لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُسْتَفْهِمًا لَمَا أَجَابَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ بِقَوْلِهِ: بَلْ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ، فَالصَّوَابُ أَنَّهُ أَخْطَأَ فِي إِخْبَارِهِ، فَصَدَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ كَذَبَ، فَلَا يَسْتَقِيمُ الِاسْتِدْلَالُ هَذَا عَلَى جَوَازِ تَغْلِيظِ الْعَالِمِ عَلَى مَنْ بَلَغَهُ عَنْهُ الْخَطَأُ فِي الْإِفْتَاءِ، كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ حَجَرٍ.
(فَقُلْتُ لَهُ) ، أَيْ لِعَبْدِ اللَّهِ (ثُمَّ قَرَأَ كَعْبٌ التَّوْرَاةَ، فَقَالَ: بَلْ هِيَ) ، أَيْ: سَاعَةُ الْجُمُعَةِ، (فِي كُلِّ جُمُعَةٍ) : وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ، أَيِ الْجُمُعَةُ فِي كُلِّ أُسْبُوعٍ، فَهُوَ مِمَّا لَا طَائِلَ تَحْتَهُ، (فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ: صَدَقَ كَعْبٌ) ، أَيِ: الْآنَ (ثُمَّ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ: قَدْ عَلِمْتُ أَيَّةَ سَاعَةٍ هِيَ؟) : بِنَصْبٍ أَيَّةَ، أَيْ: عَرَفْتُ تِلْكَ السَّاعَةَ: وَفِي نُسْخَةٍ بِرَفْعِهَا، وَبَنَى عَلَيْهَا ابْنُ حَجَرٍ حَيْثُ قَالَ: هِيَ هُنَا كَهِيَ فِي: {لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ} [الكهف: ١٢] . (قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَقُلْتُ) ، أَيْ: لِعَبْدِ اللَّهِ (أَخْبِرْنِي بِهَا) ، أَيْ: بِتِلْكَ السَّاعَةِ (وَلَا تَضِنَّ) : بِكَسْرِ الضَّادِ وَتُفْتَحُ وَبِفَتْحِ النُّونِ الْمُشَدَّدَةِ، أَيْ: لَا تَبْخَلْ بِهَا (عَلَيَّ) : وَفِي نُسْخَةِ الْعَفِيفِ: بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ نَفْيٌ بِمَعْنَى النَّهْيِ، أَوْ عَلَى أَنَّهُ حَالٌ (فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ: هِيَ آخِرُ سَاعَةٍ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ) : قَالَ الْأَشْرَفُ: يَدُلُّ عَلَى قَوْلِهِ حَدِيثُ: " الْتَمِسُوا السَّاعَةَ " كَمَا سَيَأْتِي.
(قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَقُلْتُ: وَكَيْفَ تَكُونُ؟) ، أَيْ: تِلْكَ السَّاعَةُ (آخِرُ سَاعَةٍ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ) ، أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهُ قَالَ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) ، أَيْ: فِي شَأْنِهَا (لَا يُصَادِفُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهُوَ يُصَلِّي فِيهَا؟) : وَفِي نُسْخَةٍ: وَهُوَ يُصَلِّي وَتِلْكَ السَّاعَةُ لَا يُصَلَّى فِيهَا، قَالَ مِيرَكُ: هَكَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ فِي الْمُوَطَّأِ (فَقَالَ) : وَفِي نُسْخَةٍ قَالَ (عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ: أَلَمْ يَقُلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ جَلَسَ مَجْلِسًا) ، أَيْ جُلُوسًا أَوْ مَكَانَ جُلُوسٍ (يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ) ، أَيْ: فِيهِ (فَهُوَ فِي صَلَاةٍ) ، أَيْ حُكْمًا (حَتَّى يُصَلِّيَ؟) ، أَيْ: حَقِيقَةً (قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَقُلْتُ: بَلَى) ، أَيْ: بَلَى قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ. (قَالَ) ، أَيْ عَبْدُ اللَّهِ، وَوَهِمَ ابْنُ حَجَرٍ حَيْثُ قَالَ، أَيْ: كَعْبٌ (فَهُوَ) ، أَيِ الْمُرَادُ بِالصَّلَاةِ (ذَلِكَ) ، أَيْ: الِانْتِظَارُ، وَقِيلَ، أَيِ: السَّاعَةُ الْخَفِيفَةُ آخِرُ سَاعَةٍ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ، وَتَذْكِيرُ الضَّمِيرِ بِاعْتِبَارِ الْوَقْتِ (رَوَاهُ مَالِكٌ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ) ، أَيْ إِلَى آخِرِ الْحَدِيثِ. (وَرَوَى أَحْمَدُ إِلَى قَوْلِهِ: صَدَقَ كَعْبٌ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute