[٤٤] بَابُ التَّنْظِيفِ وَالتَّبْكِيرِ
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ.
١٣٨١ - عَنْ سَلْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «لَا يَغْتَسِلُ رَجُلٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَيَتَطَهَّرُ مَا اسْتَطَاعَ مِنْ طُهْرٍ، وَيَدَّهِنُ مِنْ دُهْنِهِ، أَوْ يَمَسُّ مِنْ طِيبِ بَيْتِهِ، ثُمَّ يَخْرُجُ فَلَا يُفَرِّقُ بَيْنَ اثْنَيْنِ، ثُمَّ يُصَلِّي مَا كُتِبَ لَهُ، ثُمَّ يُنْصِتُ إِذَا تَكَلَّمَ الْإِمَامُ، إِلَّا غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى» ". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
ــ
أَيْ: تَطْهِيرِ الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ مِنَ الْوَسَخِ وَالدَّرَنِ، وَمِنْ كَمَالِهِ التَّدْهِينُ وَالتَّطَيُّبُ. (وَالتَّبْكِيرِ) : فِي النِّهَايَةِ: بَكَّرَ بِالتَّشْدِيدِ أَتَى الصَّلَاةَ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا، وَكُلُّ مَنْ أَسْرَعَ إِلَى شَيْءٍ فَقَدْ بَكَّرَ إِلَيْهِ، وَفِي حَدِيثِ الْجُمُعَةِ: " مَنْ بَكَّرَ وَابْتَكَرَ " فَقِيلَ مَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ وَكُرِّرَ لِلْمُبَالَغَةِ، وَقِيلَ مَعْنَى ابْتَكَرَ أَدْرَكَ أَوَّلَ الْخُطْبَةِ، وَأَوَّلُ كُلِّ شَيْءٍ بَاكُورَتُهُ.
الفصل الأول.
١٣٨١ - (عَنْ سَلْمَانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا يَغْتَسِلُ ") : بِالرَّفْعِ (" رَجُلٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ") : قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَمِثْلُهُ الْمَرْأَةُ كَمَا أَفَادَهُ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ: «مَنْ أَتَى الْجُمُعَةَ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ النِّسَاءِ فَلْيَغْتَسِلْ» ، وَمَنْ لَمْ يَأْتِهَا فَلَيْسَ عَلَيْهِ غُسْلٌ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَفِيهِ أَنَّ حُكْمَ النِّسَاءِ تَغَيَّرَ فِي زَمَانِنَا ; إِذْ لَا يُسْتَحَبُّ لَهُنَّ الْخُرُوجُ إِلَى الْجُمُعَةِ (" وَيَتَطَهَّرُ ") : وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ: " فَيَتَطَهَّرُ "، أَيْ يَتَنَظَّفُ (" مَا اسْتَطَاعَ ") ، أَيْ: مَا قَدَرَ (" مِنْ طُهْرٍ ") : التَّنْوِينُ لِلتَّكْثِيرِ، قَالَهُ الطِّيبِيُّ، وَقَالَ الْمُظْهِرُ: أَرَادَ بِالطُّهْرِ قَصَّ الشَّارِبَ، وَقَلْمَ الْأَظْفَارِ، وَحَلْقَ الْعَانَةِ، وَنَتْفَ الْإِبِطِ، وَتَنْظِيفَ الثِّيَابِ، (" وَيَدَّهِنُ ") : بِتَشْدِيدِ الدَّالِ، أَيْ: يَتَدَهَّنُ (" مِنْ دُهْنِهِ ") : بِضَمِّ أَوَّلِهِ (" أَوْ يَمَسُّ ") : قِيلَ: " أَوْ " لِلتَّنْوِيعِ، وَالْمَعْنَى إِنْ لَمْ يَجِدِ الدُّهْنَ يَمَسَّ، وَقِيلَ: أَوْ لِلشَّكِّ اهـ. وَالْأَظْهَرُ أَنَّ " أَوْ " بِمَعْنَى " الْوَاوِ " ; لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ اجْتِمَاعُهُمَا أَوْ لِمَنْعِ الْخُلُوِّ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يَسْتَعْمِلُ (" مِنْ طِيبِ بَيْتِهِ ") : قَالَ الطِّيبِيُّ: قَيَّدَهُ إِمَّا تَوْسِعَةً كَمَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ: وَمَسَّ مِنْ طِيبِهِ إِنْ كَانَ عِنْدَهُ، أَوِ اسْتِحْبَابًا لِيُؤْذِنَ بِأَنَّ السُّنَّةَ أَنْ يَتَّخِذَ الطِّيبَ لِنَفْسِهِ، وَيَجْعَلَ اسْتِعْمَالَهُ عَادَةً لَهُ، فَيَدَّخِرَهُ فِي بَيْتِهِ، فَلَا تَخْتَصُّ الْجُمُعَةُ بِالِاسْتِعْمَالِ، قَالَ السَّيِّدُ جَمَالُ الدِّينِ: لَكِنْ يُفْهَمُ مِنَ الْحَدِيثِ الِاهْتِمَامُ بِاسْتِعْمَالِ الطِّيبِ فِي خُصُوصِيَّةِ هَذَا الْيَوْمِ اهـ.
وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ التَّطَيُّبَ مُسْتَحَبٌّ دَائِمًا، لَكِنْ أُكِّدَ زِيَادَةَ تَأْكِيدٍ فِي خُصُوصِ وَقْتِ إِرَادَةِ حُضُورِ الْجُمُعَةِ، قَالَ زَيْنُ الْعَرَبِ: مَعْنَى الدُّهْنِ هُنَا الطِّيبُ، وَ (أَوْ يَمَسُّ) لِلتَّرَدُّدِ مِنَ الرَّاوِي، وَقِيلَ: تَخَيَّرَ لِأَنَّ أَكْثَرَ أَدْهَانِهِمْ كَانَ مُطَيَّبًا، وَقَالَ الْعَسْقَلَانِيُّ: أَوْ يَمَسُّ مِنْ طِيبِ بَيْتِهِ، أَيْ: إِنْ لَمْ يَجِدْ دُهْنًا. أَوْ تَكُونُ " أَوْ " بِمَعْنَى الْوَاوِ وَإِضَافَتُهُ إِلَى الْبَيْتِ حَقِيقَةٌ، لَكِنْ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِي دَاوُدَ: " يَمَسُّ مِنْ طِيبِ امْرَأَتِهُ "، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ، قَالَ: وَلَوْ مِنْ طِيبِ الْمَرْأَةِ اهـ.
وَفِيهِ أَنَّ بَيْتَ الرَّجُلِ يُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ الْمَرْأَةُ، وَفِيهِ بَحْثٌ لِأَنَّ رِوَايَةَ: " وَلَوْ مِنْ طِيبِ الْمَرْأَةِ " تَقْتَضِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالْبَيْتِ حَقِيقَتُهُ، تَأْمَّلْ، قَالَهُ مِيرَكُ. فَتَأَمَّلْنَا فَوَجَدْنَا الْأَمْرَ أَوْسَعَ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ: مِنْ طِيبِ بَيْتِهِ حَقِيقَةُ بَيْتِ الرَّجُلِ، وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُتَزَوِّجًا أَوْ عَزَبًا، وَلَا يُنَافِيهِ مِنْ طِيبِ امْرَأَتِهِ ; لِأَنَّ طِيبَهَا غَالِبًا مِنْ عِنْدِهِ، وَيُطْلَقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ مِنْ طِيبِ بَيْتِهِ، فَإِنَّ الْإِضَافَةَ تَصِحُّ لِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ، وَلَمَّا كَانَ طِيبُهَا غَالِبًا مُتَمَيِّزًا عَنْ طِيبِ الرَّجُلِ مُتَعَيِّنًا مُتَبَيِّنًا لَهَا، أَشَارَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لِلرَّجُلِ طِيبٌ مُخْتَصٌّ لِاسْتِعْمَالِهِ، وَأَكَدَّ فِي التَّطَيُّبِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ، وَبَالَغَ حَتَّى قَالَ: " وَلَوْ مِنْ طِيبِ الْمَرْأَةِ "، أَيْ: وَلَوْ مِنْ طِيبِهَا حَقِيقَةً، أَيْ: مِنْ مِلْكِهَا، فَإِنَّ حُسْنَ الْمُعَاشَرَةِ بَيْنَهُمَا يَقْتَضِي هَذَا الِانْبِسَاطَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
(" ثُمَّ يَخْرُجُ ") ، أَيِ: ابْتِغَاءً لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى لَا لِسُمْعَةٍ وَرِيَاءٍ وَلَا لِخَوْفٍ وَحَيَاءٍ، (" فَلَا يُفَرِّقُ ") : بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ الْمَكْسُورَةِ (" بَيْنَ اثْنَيْنِ ") : كَالْوَالِدِ وَالْوَلَدِ، أَوِ الصَّاحِبَيْنِ الْمُسْتَأْنِسَيْنِ، أَوْ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ اثْنَيْنِ لَا فُرْجَةَ بَيْنَهُمَا، فَيَحْصُلَ الْأَذَى لَهُمَا، وَقَالَ الطِّيبِيُّ: هُوَ عِبَارَةٌ عَنِ التَّبْكِيرِ، أَيْ: عَلَيْهِ أَنْ يُبَكِّرَ فَلَا يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ، وَيُفَرِّقَ بَيْنَ اثْنَيْنِ، أَوْ عِبَارَةٌ عَنِ الْإِبْطَاءِ، أَيْ: لَا يُبْطِئُ حَتَّى لَا يُفَرِّقَ، فَحِينَئِذٍ يَنْطَبِقُ الْحَدِيثُ عَلَى الْبَابِ يَعْنِي مِنَ الْجَمْعِ بَيْنَ التَّنْظِيفِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute