للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَالتَّبْكِيرِ، لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ الْعُنْوَانَ كُلَّهُ لَا يَلْزَمُ أَنْ يُوجَدَ فِي كُلِّ حَدِيثٍ مِنَ الْبَابِ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَيَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بِهِ ظَاهِرُهُ مِنْ طَلَبِ عَدَمِ التَّخَطِّي، وَإِنْ لَمْ يُبَكِّرْ بِأَنْ يَجْلِسَ آخِرَ النَّاسِ، وَلَا يَتَخَطَّى أَحَدًا مِنْهُمْ، ثُمَّ رَأَيْتُ الْحَدِيثَ الْآتِيَ أَوَّلَ الْفَصْلِ، وَهُوَ صَرِيحٌ فِي هَذَا الْمَعْنَى. (" ثُمَّ يُصَلِّيَ مَا كُتِبَ لَهُ ") : قَالَ ابْنُ حَجَرٍ، أَيْ: مَا فُرِضَ عَلَيْهِ مِنَ الْجُمُعَةِ وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ لِقَوْلِهِ الْآتِي: ثُمَّ يُنْصِتُ، وَلِقَوْلِهِ لَهُ: فَالصَّوَابُ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الْآتِي: مَا قُدِّرَ لَهُ، أَيْ مِنْ سُنَّةِ الْجُمُعَةِ، وَهِيَ أَرْبَعٌ، أَوْ غَيْرِهَا مِنَ الْقَضَاءِ أَوِ النَّوَافِلِ، وَأَقَلُّهُ رَكْعَتَانِ تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ إِنْ لَمْ يَكُنِ الْإِمَامُ فِي الْخُطْبَةِ وَيُشِيرُ إِلَيْهِ قَوْلُهُ: (" ثُمَّ يُنْصِتُ ") : بِضَمِّ الْيَاءِ يُقَالُ: أَنْصَتَ يُنْصِتُ إِنْصَاتًا إِذَا سَكَتَ سُكُوتَ مُسْتَمِعٍ، وَقَدْ نَصَتَ أَيْضًا وَأَنْصَتَهُ إِذَا أَسْكَتَهُ، فَهُوَ لَازِمٌ مُتَعَدٍّ كَذَا فِي النِّهَايَةِ. وَقَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ: وَبِالْفَتْحِ يُوهِمُ أَنَّهُ رِوَايَةٌ أَوْ نُسْخَةٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. (" إِذَا تَكَلَّمَ الْإِمَامُ ") ، أَيْ: خَطَبَ.

قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: يَحْرُمُ فِي الْخُطْبَةِ الْكَلَامُ، وَإِنْ كَانَ أَمْرًا بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْبِيحًا، وَالْأَكْلُ وَالشُّرْبُ وَالْكِتَابَةُ، وَيُكْرَهُ تَشْمِيتُ الْعَاطِسِ وَرَدُّ السَّلَامِ، وَهَلْ يَحْمِدُ إِذَا عَطَسَ؟ الصَّحِيحُ نَعَمْ فِي نَفْسِهِ، وَلَوْ لَمْ يَتَكَلَّمْ، لَكِنْ أَشَارَ بِعَيْنِهِ أَوْ بِيَدِهِ حِينَ رَأَى مُنْكَرًا، الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ، وَهَذَا كُلُّهُ إِذَا كَانَ قَرِيبًا بِحَيْثُ يُسْمَعُ، فَلَوْ كَانَ بَعِيدًا بِحَيْثُ لَا يُسْمَعُ اخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِيهِ، فَمُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ اخْتَارَ السُّكُوتَ، وَنُصَيْرُ بْنُ يَحْيَى اخْتَارَ الْقِرَاءَةَ اهـ.

وَقَالَ أَحْمَدُ: لَا بَأْسَ بِالذِّكْرِ لِمَنْ لَمْ يُسْمَعْ، وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فَكَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ. (" إِلَّا غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى ") : الْمُرَادُ بِهَا الْمَاضِيَةُ أَوِ الْمُسْتَقْبَلَةُ، وَالْأُولَى أَوْلَى ; لِأَنَّ الْغُفْرَانَ بِالسَّابِقِ أَحْرَى، قَالَ الْكَرْمَانِيُّ: كِلَاهُمَا مُحْتَمَلٌ، وَقَالَ الْعَسْقَلَانِيُّ: الْمُرَادُ بِالْأُخْرَى الَّتِي مَضَتْ كَمَا فِي صَحِيحِ ابْنِ خُزَيْمَةَ وَلَفْظُهُ: " غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الَّتِي قَبْلَهَا "، قَالَ مِيرَكُ: أَقُولُ: وَكَمَا فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ الْآتِي فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ الثَّانِي وَلَفْظُهُ: " كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الَّتِي قَبْلَهَا "، لَكِنْ مَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ أَيْضًا بِلَفْظِ: " فَهِيَ كَفَّارَةٌ إِلَى الْجُمُعَةِ الَّتِي تَلِيهَا وَزِيَادَةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ "، يُؤَيِّدُ مَا قَالَهُ الْكَرْمَانِيُّ تَأَمَّلْ. اهـ. فَتَأَمَّلْنَا فَوَجَدْنَا قَوْلَهُ: الَّتِي تَلِيهَا يَحْتَمِلُ الِاحْتِمَالَيْنِ، فَحَمَلْنَا عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي وَرَدَ نَصًّا فِي الْحَدِيثَيْنِ الْآخَرَيْنِ، قِيلَ: يُشْكِلُ عَلَيْهِ أَنَّ الْجُمُعَةَ الَّتِي تَعْقُبُ لَا شَيْءَ فِيهَا مُكَفَّرٌ. وَأُجِيبَ: بِأَنَّ الْقَاعِدَةَ فِي الْمُكَفِّرَةِ الْمُرْتَبِطَةِ بِزَمَنٍ أَوْ عَمَلٍ أَنَّهَا إِنْ وَجَدَتْ شَيْئًا كَفَّرَتْهُ وَإِلَّا رُفِعَ لِلْفَاعِلِ دَرَجَاتٌ بِقَدْرِ تِلْكَ الطَّاعَةِ. (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) .

<<  <  ج: ص:  >  >>