١٣٨٣ - وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ فَاسْتَمَعَ وَأَنْصَتَ ; غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ وَزِيَادَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَمَنْ مَسَّ الْحَصَى فَقَدْ لَغَا» ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ــ
١٣٨٣ - (وَعَنْهُ) ، أَيْ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: " مَنْ تَوَضَّأَ ") : فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى الرُّخْصَةِ، وَدَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْغُسْلَ سُنَّةٌ لَا وَاجِبٌ، وَفِيهِ حُجَّةٌ عَلَى مَالِكٍ. (" فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ") ، أَيْ: أَتَى بِمُكَمِّلَاتِهِ مِنْ سُنَنِهِ وَمُسْتَحَبَّاتِهِ، وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ، أَيْ: أَتَى بِوَاجِبَاتِهِ فَغَيْرُ صَحِيحٍ ; لِأَنَّ إِتْيَانَهَا عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ: تَوَضَّأَ مَعَ أَنَّ الْمُكْتَفِيَ بِالْوَاجِبِ مُسِيءٌ لَا مُحْسِنٌ، (" ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ ") ، أَيْ: حَضَرَ خُطْبَتَهَا وَصَلَاتَهَا، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ، أَيْ أَتَى مَحَلَّهَا، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَيْسَ فِي مَحَلِّهِ ; لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ الْمَقْصُودَ، (" فَاسْتَمَعَ ") : إِنْ كَانَ قَرِيبًا، وَيَلْزَمُ مِنَ الِاسْتِمَاعِ الْإِنْصَاتُ دُونَ عَكْسِهِ، (" وَأَنْصَتَ ") ، أَيْ: سَكَتَ إِنْ كَانَ بَعِيدًا، لَكِنْ جَوَّزَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ حِينَئِذٍ، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ قُرْبَ الْخَطِيبِ أَفْضَلُ، وَقِيلَ: فِي زَمَانِنَا الْبُعْدُ مِنْهُ أَكْمَلُ، وَأَغْرَبَ ابْنُ حَجَرٍ فَقَالَ: وَأَنْصَتَ تَأْكِيدٌ بَلْ تَأْسِيسٌ ; لِأَنَّهُ قَدْ يَقْصِدُ الِاسْتِمَاعَ وَيَتَكَلَّمُ، فَأَفَادَ أَنَّهُ لَابُدَّ مِنَ الْأَمْرَيْنِ قَصْدِ الِاسْتِمَاعِ وَالْإِنْصَاتِ اهـ.
وَوَجْهُ الْغَرَابَةِ قَوْلُهُ: تَأْكِيدٌ بَلْ تَأْسِيسٌ، وَقَوْلُهُ: قَصَدَ الِاسْتِمَاعَ، وَالصَّوَابُ قَصَدَ السَّمَاعَ فَإِنَّهُ الِاسْتِمَاعُ. (" غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ ") ، أَيِ: السَّابِقَةِ كَمَا سَبَقَ (" وَزِيَادَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَمَنْ مَسَّ الْحَصَى ") ، أَيْ: سَوَّاهُ لِلسُّجُودِ غَيْرَ مَرَّةٍ فِي الصَّلَاةِ، وَقِيلَ: بِطَرِيقِ اللَّعِبِ، وَفِي حَالِ الْخُطْبَةِ (" فَقَدْ لَغَا ") : يُكْتَبُ بِالْأَلِفِ وَالْيَاءِ، أَيْ: أَتَى بِصَوْتِ لَغْوٍ مَانِعٍ عَنِ الِاسْتِمَاعِ، فَيَكُونُ شَبِيهًا بِمَنْ ذَمَّهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ} [فصلت: ٢٦] ، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَجَاءَ فِي حَدِيثٍ " مَنْ لَغَا، أَيْ تَكَلَّمَ بِمَا لَا يُشْرَعُ لَهُ، أَوْ عَبَثَ بِمَا يَظْهَرُ لَهُ صَوْتٌ فَلَا جُمُعَةَ لَهُ، أَيْ كَامِلَةً اهـ. وَقِيلَ: لَغَا عَنِ الصَّوَابِ، أَيْ مَالَ. فِي النِّهَايَةِ: لَغَى يَلْغِي وَلَغَى يَلْغَى وَلَغَا يَلْغُو إِذَا تَكَلَّمَ بِمَا لَا يَعْنِي، وَهُوَ اللَّغْوُ، وَالْمُرَادُ بِمَسِّ الْحَصَى تَسْوِيَةُ الْأَرْضِ لِلسُّجُودِ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَسْجُدُونَ عَلَيْهَا، وَقِيلَ: تَقْلِيبُ السُّبْحَةِ وَعَدُّهَا، ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ، وَفِيهِ أَنَّ السُّبْحَةَ الْمَعْرُوفَةَ لَمْ تَكُنْ فِي زَمَنِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) : قَالَ مِيرَكُ: وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute