١٤٠٥ - (وَعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: كَانَتْ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خُطْبَتَانِ، يَجْلِسُ بَيْنَهُمَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيُذَكِّرُ النَّاسَ، فَكَانَ صَلَاتُهُ قَصْدًا، وَخُطْبَتُهُ قَصْدًا. رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .
ــ
١٤٠٥ - (وَعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: كَانَتْ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خُطْبَتَانِ يَجْلِسُ بَيْنَهُمَا) أَيْ: بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ خُطْبَتَهُ كَانَتْ حَالَةَ الْقِيَامِ، وَهُوَ شَرْطٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، وَسُنَّةٌ عِنْدَنَا، وَفَرْضٌ عِنْدَ مَالِكٍ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَجُلُوسُ مُعَاوِيَةَ إِنَّمَا هُوَ لِعُذْرٍ لَمَّا كَثُرَ شَحْمُ بَطْنِهِ كَمَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَهَذَا وَعَنِ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ كَأَكْثَرِ الْفَصْلِ الْعُلَمَاءِ: أَنَّ الْفَصْلَ غَيْرُ وَاجِبٍ. بَلْ قَالَ الطَّحَاوِيُّ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، لَمْ يَقُلْ بِهِ غَيْرُ الشَّافِعِيِّ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَلَمْ أَجِدْ لَهُ دَلِيلًا، وَالْفِعْلُ وَإِنِ اقْتَضَى الْوُجُوبَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ بِتَرْكِهِ، وَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ الْجُلُوسِ قَبْلَهُمَا وَبَيْنَهُمَا، مَعَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا ثَابِتٌ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ؟ ! قَالَ جَمْعٌ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ: وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَالْعَجَبُ إِيجَابُ هَذَا دُونَ الِاسْتِقْبَالِ، وَأَطَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي الْجَوَابِ بِمَا لَا طَائِلَ تَحْتَهُ ; فَأَعْرَضْنَا عَنْ ذِكْرِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَأَخَذَ أَئِمَّتُنَا مِنْ قَوْلِهِ: يَقْرَأُ الْقُرْآنَ، أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ قِرَاءَةِ آيَةٍ فِي إِحْدَى الْخُطْبَتَيْنِ، وَأَخَذُوا مِنْ قَوْلِهِ: وَيُذَكِّرُ النَّاسَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنَ الْوَصِيَّةِ بِتَقْوَى اللَّهِ تَعَالَى ; لِأَنَّهَا مُعْظَمُ الْمَقْصُودِ مِنَ الْخُطْبَةِ، وَسَيَأْتِي بَسْطُ هَذَا الْمَبْحَثِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (يَقْرَأُ الْقُرْآنَ) تَفْسِيرُ الْخُطْبَةِ، وَقَالَ الْقَاضِي: هُوَ صِفَةٌ ثَانِيَةٌ لِلْخُطْبَتَيْنِ، وَالرَّاجِعُ مَحْذُوفٌ، وَالتَّقْدِيرُ يَقْرَأُ فِيهِمَا، وَقَوْلُهُ: (يُذَكِّرُ النَّاسَ) عَطْفٌ عَلَيْهِ دَاخِلٌ فِي حُكْمِهِ، انْتَهَى، التَّذْكِيرُ هُوَ الْوَعْظُ وَالنَّصِيحَةُ، وَذِكْرُ مَا يُوجِبُ الْخَوْفَ وَالرَّجَاءَ مِنَ التَّرْهِيبِ وَالتَّرْغِيبِ (فَكَانَتْ صَلَاتُهُ قَصْدًا) أَيْ: مُتَوَسِّطَةً بَيْنَ الْإِفْرَاطِ وَالتَّفْرِيطِ، مِنَ التَّقْصِيرِ وَالتَّطْوِيلِ (وَخُطْبَتُهُ قَصْدًا) قَالَ الطِّيبِيُّ: الْقَصْدُ فِي الْأَصْلِ هُوَ الِاسْتِقَامَةُ فِي الطَّرِيقَةِ، ثُمَّ اسْتُعِيرَ لِلتَّوَسُّطِ فِي الْأُمُورِ، وَالتَّبَاعُدِ عَنِ الْإِفْرَاطِ، ثُمَّ لِلتَّوَسُّطِ بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ كَالْوَسَطِ، وَذَلِكَ لَا يَقْتَضِي تَسَاوِيَ الصَّلَاةِ وَالْخُطْبَةِ ; لِيُخَالِفَ حَدِيثَ عَمَّارٍ أَيِ: الْآتِيَ (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) . وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُدَ: كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْطُبُ خُطْبَتَيْنِ، كَانَ يَجْلِسُ إِذَا صَعِدَ الْمِنْبَرَ حَتَّى يَفْرُغَ الْمُؤَذِّنُ، ثُمَّ يَقُومُ فَيَخْطُبُ، ثُمَّ يَجْلِسُ فَلَا يَتَكَلَّمُ، ثُمَّ يَقُومُ فَيَخْطُبُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute