أَيْ: مَعَ الَّذِينَ قَامُوا مَعَهُ. (وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ) أَيْ: بِمَنْ مَعَهُ. (ثُمَّ انْصَرَفُوا) أَيِ: الطَّائِفَةُ الَّتِي صَلَّتْ تِلْكَ الرَّكْعَةَ. (مَكَانَ الطَّائِفَةِ الَّتِي لَمْ تُصَلِّ، فَجَاءُوا) أَيِ: الَّتِي مَا صَلَّتْ. (فَرَكَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) أَيْ: فَعَلَ الرُّكُوعَ. (بِهِمْ) : وَقَوْلُ ابْنِ الْمَلَكِ أَيْ: صَلَّى لَمْ يَصِحَّ ; لِأَنَّ قَوْلَهُ: (رَكْعَةً) بِمَعْنَى رُكُوعًا ; لِقَوْلِهِ: (وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ) إِذِ الرَّكْعَةُ لَا تَكُونُ إِلَّا بِانْضِمَامِ السَّجْدَتَيْنِ. (ثُمَّ سَلَّمَ) أَيِ: النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحْدَهُ. (فَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ) أَيْ: مِنَ الْمَأْمُومِينَ مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ. (فَرَكَعَ لِنَفْسِهِ رَكْعَةً، وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ) وَتَفْصِيلُهُ: أَنَّ الطَّائِفَةَ الثَّانِيَةَ ذَهَبُوا إِلَى وَجْهِ الْعَدُوِّ، وَجَاءَتِ الْأُولَى إِلَى مَكَانِهِمْ وَأَتَمُّوا صَلَاتَهُمْ مُنْفَرِدِينَ، وَسَلَّمُوا وَذَهَبُوا إِلَى وَجْهِ الْعَدُوِّ، وَجَاءَتِ الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ وَأَتَمُّوا مُنْفَرِدِينَ، وَسَلَّمُوا كَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ مِنْ عُلَمَائِنَا. قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: كَذَا قِيلَ، وَبِهَذَا أَخَذَ أَبُو حَنِيفَةَ، لَكِنَّ الْحَدِيثَ لَمْ يُشْعِرْ بِذَلِكَ اهـ.
وَهُوَ كَذَلِكَ، لَكِنْ. قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ إِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى بَعْضِ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ، وَهُوَ مَشْيُ الطَّائِفَةِ الْأُولَى، وَإِتْمَامُ الطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ فِي مَكَانِهَا مِنْ خَلْفِ الْإِمَامِ، وَهُوَ أَقَلُّ تَغْيِيرًا، وَقَدْ دَلَّ عَلَى تَمَامِ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ مَا هُوَ مَوْقُوفٌ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي حَنِيفَةَ، ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ الْآثَارِ، وَسَاقَ إِسْنَادَ الْإِمَامِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ ذَلِكَ مِمَّا لَا مَجَالَ لِلرَّأْيِ: فِيهِ، فَالْمَوْقُوفُ فِيهِ كَالْمَرْفُوعِ اهـ.
وَبِهِ انْدَفَعَ كَلَامُ النَّوَوِيِّ بِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِ الْحَدِيثِ الَّتِي فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا: أَنَّ فِرْقَةً مِنَ الْفِرْقَتَيْنِ جَاءَتْ إِلَى مَكَانِهَا ثُمَّ أَتَمَّتْ صَلَاتَهَا، وَإِنَّمَا فِيهَا أَنَّ كُلًّا صَلَّى بَعْدَ سَلَامِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَا بَقِيَ فِي مَحَلِّهِ مِنْ غَيْرِ مَجِيءٍ. قَالَ الطِّيبِيُّ: يُفْهَمُ مِنَ الْحَدِيثِ أَنَّ كُلَّ طَائِفَةٍ اقْتَدَوْا بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ، وَصَلَّوْا لِأَنْفُسِهِمُ الرَّكْعَةَ الْأَخِيرَةَ، وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ اهـ.
وَاخْتَارَهُ الْبُخَارِيُّ، ثُمَّ الْمَذْهَبُ أَنَّ الطَّائِفَةَ الْأُولَى تُتِمُّ صَلَاتَهَا بِلَا قِرَاءَةٍ كَاللَّاحِقِ، وَالطَّائِفَةَ الثَّانِيَةَ تُتِمُّهَا بِالْقِرَاءَةِ كَالْمَسْبُوقِ، وَهَذَا إِنْ كَانَ الْإِمَامُ مُسَافِرًا، وَأَمَّا إِنْ كَانَ مُقِيمًا وَالصَّلَاةُ رُبَاعِيَّةٌ، فَيُصَلِّيَ مَعَ كُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ، وَالْمَغْرِبُ مُطْلَقًا تُصَلَّى مَعَ الطَّائِفَةِ الْأُولَى رَكْعَتَيْنِ، هَذَا وَقَدْ قَالَ الْعُلَمَاءُ: قَدْ جَازَتْ هَذِهِ الْكَيْفِيَّةُ مَعَ كَثْرَةِ الْأَفْعَالِ فِيهَا بِلَا ضَرُورَةٍ ; لِصِحَّةِ الْخَبَرِ بِهَا مَعَ عَدَمِ الْمُعَارِضِ ; لِأَنَّهَا كَانَتْ فِي يَوْمٍ، وَالْكَيْفِيَّةُ الْآتِيَةُ فِي ذَاتِ الرِّقَاعِ كَانَتْ فِي يَوْمٍ آخَرَ، وَدَعْوَى النَّسْخِ بَاطِلَةٌ لِاحْتِيَاجِهَا إِلَى مَعْرِفَةِ التَّارِيخِ، وَتَعَذُّرِ الْجَمْعِ، وَلَيْسَ هُنَا وَاحِدٌ مِنْهُمَا.
(وَرَوَى نَافِعٌ) أَيْ: عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَيْضًا. (نَحْوَهُ) أَيْ: مَعْنَى مَا رَوَاهُ سَالِمٌ عَنْهُ. قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: وَمَا فِي الْبُخَارِيِّ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ: كَانَ إِذَا سُئِلَ عَنْ صَلَاةِ الْخَوْفِ قَالَ: يَتَقَدَّمُ الْإِمَامُ وَطَائِفَةٌ مِنَ النَّاسِ، فَيُصَلِّي بِهِمْ رَكْعَةً، وَتَكُونُ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْعَدُوِّ لَمْ يُصَلُّوا، فَإِذَا صَلَّى الَّذِينَ مَعَهُ رَكْعَةً اسْتَأْخَرُوا مَكَانَ الَّذِينَ لَمْ يُصَلُّوا وَلَا يُسَلِّمُونَ، وَيَتَقَدَّمُ الَّذِينَ لَمْ يُصَلُّوا فَيُصَلُّونَ مَعَهُ رَكْعَةً، ثُمَّ يَنْصَرِفُ الْإِمَامُ، وَقَدْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، فَتَقُومُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ، فَيُصَلُّونَ لِأَنْفُسِهِمْ رَكْعَةً بَعْدَ أَنْ يَنْصَرِفَ الْإِمَامُ، فَيَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ قَدْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، فَإِنْ كَانَ خَوْفٌ. إِلَخْ. فَالصِّيغَةُ فِي الْحَدِيثِ صِيغَةُ الْفَتْوَى لَا إِخْبَارٌ عَمَّا كَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَعَلَ، وَإِلَّا لَقَالَ: قَامَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - دُونَ أَنْ يَقُولَ: قَامَ الْإِمَامُ ; وَلِذَا قَالَ مَالِكٌ: قَالَ نَافِعٌ: لَا أَرَى. إِلَخِ اهـ. وَبِهِ يَتَبَيَّنُ تَحْقِيقُ هَذَا الْحَدِيثُ.
(وَزَادَ) أَيْ: نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ فِي رِوَايَتِهِ، عَنْ سَالِمٍ عَنْهُ، وَهَذَا أَظْهَرُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ حَجَرٍ: أَيْ: زَادَ ابْنُ عُمَرَ. (فَإِنْ كَانَ خَوْفٌ) أَيْ: هُنَاكَ أَوْ وَقَعَ خَوْفٌ شَدِيدٌ، وَالتَّنْوِينُ لِلتَّعْظِيمِ. (هُوَ أَشَدُّ مِنْ ذَلِكَ) أَيْ: مِنَ الْخَوْفِ الَّذِي تَقَدَّمَ، وَهُوَ مُجَرَّدُ الْمُصَافَّةِ، وَهُوَ مَا لَا يُمْكِنُ مَعَهُ الْجَمَاعَةَ بِأَنْ يَلْتَحِمَ الْقِتَالُ. (صَلَّوْا) أَيِ: النَّاسُ مُنْفَرِدِينَ. (رِجَالًا) : بِكَسْرِ الرَّاءِ، وَتَخْفِيفِ الْجِيمِ، جَمْعُ رُجْلَانٍ بِضَمِّ الرَّاءِ، بِمَعْنَى الرَّاجِلِ ضِدِّ الرَّاكِبِ، وَقِيلَ بِضَمِّ الرَّاءِ، وَتَشْدِيدِ الْجِيمِ، جَمْعُ رَاجِلٍ، كَذَا قَالَ فِي الْمَفَاتِيحِ: وَالْأَظْهَرُ أَنَّ رِجَالًا بِالتَّخْفِيفِ جَمْعُ رَاجِلٍ، وَكَذَا (قِيَامًا) جَمْعُ قَائِمٍ، وَقِيلَ: إِنَّهُ مَصْدَرٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute