للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بِمَعْنَى اسْمِ الْفَاعِلِ أَيْ: قَائِمِينَ. وَهُمَا حَالَانِ مِنْ فَاعِلِ صَلَّوْا، أَيْ: صَلَّوْا حَالَ كَوْنِهِمْ رَاجِلِينَ قَائِمِينَ. (عَلَى أَقْدَامِهِمْ) : وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: بَيَّنَ بِقَوْلِهِ قِيَامًا أَنَّ رِجَالًا جَمْعُ رَاجِلٍ لَا رَجُلٍ، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى تَرْكِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَالْإِيمَاءِ إِلَيْهِمَا عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْهُمَا ; لِقَوْلِهِ: قِيَامًا عَلَى أَقْدَامِهِمْ، وَيَكُونُ الْمُرَادُ قِيَامَهُمْ عَلَى أَقْدَامِهِمْ فِي كُلِّ حَالَاتِهِمْ مِنْ صَلَاتِهِمْ. (أَوْ رُكْبَانًا) أَيْ: رَاكِبِينَ، فَأَوْ لِلتَّخْيِيرِ، أَوِ الْإِبَاحَةِ، أَوِ التَّنْوِيعِ. (مُسْتَقْبِلِي الْقِبْلَةِ أَوْ غَيْرَ مُسْتَقْبِلِيهَا) أَيْ: بِحَسَبِ مَا يَتَسَهَّلُ لَهُمْ، وَفِي تَقْدِيمِ الرَّاجِلِ وَالْمُسْتَقْبِلِ إِشَارَةٌ إِلَى الْأَفْضَلِيَّةِ وَالْأَوْلَوِيَّةِ. وَفِي مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ: يُفْسِدُهَا الْمَشْيُ، وَالرُّكُوبُ، وَالْقِتَالُ. (قَالَ نَافِعٌ: لَا أُرَى بِالضَّمِّ) أَيْ: لَا أَظُنُّ. (ابْنَ عُمَرَ ذَكَرَ ذَلِكَ) أَيِ: الْمَزِيدَ الْمَوْقُوفَ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: أَيْ: فَإِنْ كَانَ خَوْفٌ. إِلَخْ. أَوْ مُسْتَقْبِلِي الْقِبْلَةِ إِلَخْ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَئِمَّتِنَا، لَكِنْ جَزَمَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ بِالْأَوَّلِ. قُلْتُ: فَعَلَيْهِ الْمُعَوَّلُ. إِلَّا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ لَا مَجَالَ لِلرَّأْيِ فِيهِ، فَهُوَ فِي حُكْمِ الْمَرْفُوعِ.

قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَهُوَ كَمَا ظَنَّ نَافِعٌ، فَقَدْ جَزَمَ الشَّافِعِيُّ بِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَوَاهُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يُلْزِمُهُمْ فِعْلَ الصَّلَاةِ فِي وَقْتِهَا، وَلَمْ يُجِزْ لَهُمْ تَأْخِيرَهَا عَنْهُ، وَقِيلَ: تَمْتَنِعُ هَذِهِ الْكَيْفِيَّةُ وَيَجِبُ تَأْخِيرُهَا، حَتَّى يَزُولَ الْخَوْفُ، كَمَا فَعَلَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَوْمَ الْخَنْدَقِ، وَغَلَطَ فَاعِلُ ذَلِكَ بِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، وَقَضِيَّةُ الْخَنْدَقِ مَنْسُوخَةٌ كَمَا مَرَّ اهـ.

وَفِيهِ أَنَّ قَضِيَّةَ الْخَنْدَقِ لَمْ يَكُنْ فِيهَا اشْتِدَادُ الْخَوْفِ. قَالَ: وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ يَجُوزُ التَّأْخِيرُ وَلَا يَجِبُ. قُلْتُ: لَعَلَّهُ رِوَايَةٌ عَنْهُ. قَالَ: وَيُسَنُّ لَهُمُ الْجَمَاعَةُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، كَمَا صَرَّحَتْ بِهِ الْآيَةُ، وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ بِامْتِنَاعِهَا مَمْنُوعٌ. قُلْتُ: التَّصْرِيحُ فِي الْآيَةِ مَمْنُوعٌ، فَالِاعْتِرَاضُ عَلَى الْإِمَامِ مَدْفُوعٌ. قَالَ: وَمِنَ الشَّوَاذِّ الْقَوْلُ بِأَنَّهُ يُجْزِئُ مَكَانَ كُلِّ رَكْعَةٍ تَكْبِيرَةٌ، وَبِأَنَّهُ يُجْزِئُ رَكْعَةٌ يُومِئُ بِهَا، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ فَسَجْدَةٌ، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ فَتَكْبِيرَةٌ اهـ.

وَلَعَلَّ الْقَائِلَ بِهِ أَرَادَ إِدْرَاكَ حُرْمَةِ الْوَقْتِ بِمَا أَمْكَنَهُ مِنَ الْفِعْلِ، لَا أَنَّهُ يُجْزِئُ عَنِ الصَّلَاةِ بِحَيْثُ تَسْقُطُ عَنْهُ ; لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) . قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ.

وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ، عَنْ خُصَيْفٍ الْجَزَرِيِّ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: «قَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَامُوا صَفًّا خَلْفَهُ مُسْتَقْبِلَ الْعَدُوِّ، فَصَلَّى بِهِمْ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - رَكْعَةً، ثُمَّ جَاءَ الْآخَرُونَ فَقَامُوا فِي مَقَامِهِمْ، وَاسْتَقْبَلَ هَؤُلَاءِ الْعَدُوَّ، فَصَلَّى بِهِمْ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - رَكْعَةً ثُمَّ سَلَّمَ، فَقَامَ هَؤُلَاءِ فَصَلَّوْا لِأَنْفُسِهِمْ رَكْعَةً وَسَلَّمُوا» ، وَأُعِلَّ بِأَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ لَمْ يَسْمَعْ عَنْ أَبِيهِ، وَخُصَيْفٌ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>