[٤٧] بَابُ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ
" الْفَصْلُ الْأَوَّلُ "
١٤٢٦ - عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْرُجُ يَوْمَ الْفِطَرِ وَالْأَضْحَى إِلَى الْمُصَلَّى، فَأَوَّلُ شَيْءٍ يَبْدَأُ بِهِ الصَّلَاةُ، ثُمَّ يَنْصَرِفُ، فَيَقُومُ مُقَابِلَ النَّاسِ، وَالنَّاسُ جُلُوسٌ عَلَى صُفُوفِهِمْ فَيَعِظُهُمْ، وَيُوصِيهِمْ، وَيَأْمُرُهُمْ، وَإِنْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَقْطَعَ بَعْثًا قَطَعَهُ، أَوْ يَأْمُرَ بِشَيْءٍ أَمَرَ بِهِ، ثُمَّ يَنْصَرِفُ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ــ
أَيِ: الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى. قِيلَ: إِنَّمَا سُمِّيَ الْعِيدُ عِيدًا لِأَنَّهُ يَعُودُ كُلَّ سَنَةٍ، وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنَ الْعَوْدِ، فَقُلِبَتِ الْوَاوُ يَاءً لِسُكُونِهَا وَانْكِسَارِ مَا قَبْلَهَا. وَفِي الْأَزْهَارِ: كُلُّ اجْتِمَاعٍ لِلسُّرُورِ، فَهُوَ عِنْدَ الْعَرَبِ عِيدٌ لِعَوْدِ السُّرُورِ بِعَوْدِهِ. وَقِيلَ: لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَعُودُ عَلَى الْعِبَادِ بِالْمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ، وَلِذَا قِيلَ: لَيْسَ الْعِيدُ لِمَنْ لَبِسَ الْجَدِيدَ، إِنَّمَا الْعِيدُ لِمَنْ أَمِنَ الْوَعِيدَ، وَجَمْعُهُ أَعْيَادٌ وَإِنْ كَانَ أَصْلُهُ الْوَاوَ لَا الْيَاءَ لِلُزُومِهَا فِي الْوَاحِدِ، أَوْ لِلْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَعْوَادِ الْخَشَبِ. قَالَ النَّوَوِيُّ: هِيَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَجَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ. وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ: هِيَ فَرْضُ كِفَايَةٍ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: هِيَ وَاجِبَةٌ ذَكَرَهُ الْأَبْهَرِيُّ، وَوَجْهُ الْوُجُوبِ مُوَاظَبَتُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْ غَيْرِ تَرْكٍ، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُ: أَنَّ أَوَّلَ عِيدٍ صَلَّاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِيدُ الْفِطْرِ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنَ الْهِجْرَةِ، وَهِيَ الَّتِي فُرِضَ رَمَضَانُ فِي شَعْبَانِهَا، ثُمَّ دَاوَمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى أَنْ تَوَفَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى.
"
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ "
١٤٢٦ - (عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْرُجُ يَوْمَ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى) أَيْ: وَيَوْمَ الْأَضْحَى. (إِلَى الْمُصَلَّى) أَيْ: مُصَلَّى الْعِيدِ بِالْمَدِينَةِ خَارِجَ الْبَلَدِ، وَهُوَ الْآنَ مَوْضِعٌ مَعْرُوفٌ، وَبِالتَّبَرُّكِ مَوْصُوفٌ.
فِي. (شَرْحِ السُّنَّةِ) : السُّنَّةُ أَنْ يَخْرُجَ الْإِمَامُ لِصَلَاةِ الْعِيدَيْنِ إِلَّا مِنْ عُذْرٍ، فَيُصَلِّيَ فِي الْمَسْجِدِ، أَيِّ مَسْجِدٍ دَاخِلَ الْبَلَدِ. قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: وَالسُّنَّةُ أَنْ يَخْرُجَ الْإِمَامُ إِلَى الْجَبَّانَةِ، وَيَسْتَخْلِفَ مَنْ يُصَلِّي بِالضُّعَفَاءِ فِي الْمِصْرِ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ صَلَاةَ الْعِيدِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ جَائِزَةٌ بِالِاتِّفَاقِ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَالْكَلَامُ كُلُّهُ فِي غَيْرِ مَسْجِدَيْ مَكَّةَ وَبَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَأَمَّا هُمَا فَهِيَ فِيهِمَا أَفْضَلُ مُطْلَقًا تَبَعًا لِلسَّلَفِ وَالْخَلَفِ، وَلِشَرَفِهِمَا مَعَ اتِّسَاعِهِمَا.
(فَأَوَّلُ شَيْءٍ يَبْدَأُ) أَيِ: النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. (بِهِ الصَّلَاةُ) : قَالَ الطِّيبِيُّ: يَبْدَأُ بِهِ صِفَةٌ مُؤَكِّدَةٌ لِـ " أَوَّلُ شَيْءٍ "، وَأَوَّلُ شَيْءٍ وَإِنْ كَانَ مُخَصَّصًا فَهُوَ خَبَرٌ ; لِأَنَّ الصَّلَاةَ أَعْرَفُ مِنْهُ فَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرَتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ} [القصص: ٢٦] فَدَلَّ تَقْدِيمُ الْخَبَرِ عَلَى الِاخْتِصَاصِ وَالتَّعْرِيضِ بِبَعْضِ بَنِي أُمَيَّةَ مِنْهُمْ: مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ فِي تَقْدِيمِهِ الْخُطْبَةَ عَلَى الصَّلَاةِ. (ثُمَّ يَنْصَرِفُ) أَيْ: عَنِ الصَّلَاةِ. وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ: " أَيْ: مِنْ مُصَلَّاهُ إِلَى الْمِنْبَرِ "، فَغَفْلَةٌ عَنْ أَنَّ الْمِنْبَرَ مَا كَانَ إِذْ ذَاكَ. (فَيَقُومُ) أَيْ: عَلَى الْأَرْضِ. (مُقَابِلَ النَّاسِ) : بِكَسْرِ الْبَاءِ، وَتُفْتَحُ، حَالٌ. قَالَ الشَّيْخُ: فِيهِ أَنَّ الْخُطْبَةَ عَلَى الْأَرْضِ عَنْ قِيَامٍ فِي الْمُصَلَّى أَوْلَى مِنَ الْقِيَامِ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَسْجِدِ أَنَّ الْمُصَلَّى يَكُونُ بِمَكَانٍ فِيهِ فَضَاءٌ، فَيَتَمَكَّنُ مِنْ رُؤْيَتِهِ كُلُّ مَنْ حَضَرَ بِخِلَافِ الْمَسْجِدِ، فَإِنَّهُ يَكُونُ فِي مَكَانٍ مَحْصُورٍ، فَقَدْ لَا يَرَاهُ بَعْضُهُمْ، وَوَقَعَ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَوَّلَ مَنْ خَطَبَ النَّاسَ فِي الْمُصَلَّى عَلَى الْمِنْبَرِ مَرْوَانُ نَقَلَهُ الْأَبْهَرِيُّ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَضَعِ الْمِنْبَرَ لِلْعِيدِ دُونَ الْجُمُعَةِ، فَإِنَّهُ الْمُحْتَاجُ إِلَيْهِ كُلَّ جُمُعَةٍ بِخِلَافِ الْعِيدِ، فَإِنَّهُ حَالَةٌ نَادِرَةٌ. وَلَمَّا كَثُرَ الْمُسْلِمُونَ اخْتِيرَ الْمِنْبَرُ ; لِأَنَّهُ لِلتَّبْلِيغِ أَبْلَغُ وَأَظْهَرُ، فَهُوَ بِدْعَةٌ حَسَنَةٌ وَإِنْ كَانَ لِلْوَاضِعِ نِيَّةٌ سَيِّئَةٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
ثُمَّ رَأَيْتُ ابْنَ الْهُمَامِ قَالَ: وَلَا يَخْرُجُ الْمِنْبَرُ إِلَى الْجَبَّانَةِ، وَاخْتَلَفُوا فِي بِنَاءِ الْمِنْبَرِ بِالْجَبَّانَةِ قَالَ بَعْضُهُمْ: يُكْرَهُ، قَالَ خَوَاهِرُ زَادَهْ: حَسَنٌ فِي زَمَانِنَا، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَا بَأْسَ بِهِ. (وَالنَّاسُ جُلُوسٌ عَلَى صُفُوفِهِمْ) أَيْ: مُسْتَقْبِلِينَ لَهُ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute